يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «٨» أصدقاء.. ولكن

من طرف **ashraf** الإثنين سبتمبر 08, 2008 2:13 pm

/٩/٢٠٠٨

يسري فودة

كان صديقنا ضابط الأمن «جاري» لطيفاً في عملية «تنظيف» قاعدة التنصت الأمريكية في شمالي إنجلترا من بطلتنا المتلكئة «آن»، بعد أن اقتحمتها هذه في وضح النهار. وكانت «آن» لاتزال في محاولاتها المستميتة لاستثارته، كي يقبض عليها، عسي أن تلتفت وسائل الإعلام إلي القصة.
خيب جاري أملها، واكتفي بقوله إنه سيرفع تقريراً بهذا الشأن. ولأننا كنا نقف بكاميرا الجزيرة في منطقة قانونية عمدت السيدة الإنجليزية الثائرة إلي استخدام سلاح أخير لاستثارته، ظننت لأول وهلة أنه قد وضعني في مأزق.
هتفت بأعلي صوتها: We are Islamic terrorists. Arrrrrest me ، أي «نحن إرهابيون إسلاميون. اقبض علي». غير أن الضابط الإنجليزي البارد اكتفي بابتسامة صادقة، وهمّ بالرحيل. عندما سألته أنا علي أي أساس سيرفع تقريره إن لم تكن «آن» قد أضرت بشيء من الممتلكات العامة ذكّرني بما كنت أعرفه وتعرفه «آن» وتعرفه أسوار القاعدة؛ بهذا القانون العسكري الذي دخل حيز التنفيذ في فبراير عام ١٩٩٦ ويمنع الاقتراب من القاعدة.
يتناول نورمان بيكر، عضو مجلس العموم البريطاني، تقريراً خاصاً كان قد وضعه بعناية قبل التصوير في مكان من الطاولة يستطيع الوصول إليه بسهولة أثناء التصوير: «هذا تقرير حديث أُعد للبرلمان الأوروبي، أقرأ لك بعضاً مما جاء فيه: (في أوروبا يتم التنصت بانتظام علي جميع الاتصالات بالبريد الإلكتروني أو الهاتف أو الفاكس عن طريق وكالة الأمن القومي الأمريكية التي تنقل هذه المعلومات الأوروبية عبر لندن ثم عبر الأقمار الاصطناعية إلي فورت ميد في أمريكا عبر قاعدة تل مِنْوِذ). إذاً هذا تقرير رسمي يؤكد أن قاعدة تل مِنْوِذ مصفاة للمعلومات الاقتصادية. وقد حاولوا التقليل من شأن التقرير لكن أحداً لم يشكك في صحته».
للأمريكيين بطبيعة الحال حق إنكار ذلك، لكن عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي، هاوراد تيشر، يختار كلماته بعناية: «بشكل عام لا أعتقد أن الحكومة الأمريكية يمكن أن تتجسس علي الحكومة البريطانية أو أن توجه وكالة الأمن القومي لجمع معلومات عن كيانات الحكومة البريطانية أو أفرادها.
ورغم ذلك لا أستبعد أي شيء في هذا المجال؛ فالمصالح القومية هي المصالح القومية، ورغم التقارب الأمريكي/البريطاني فإن مصالح كل منهما تختلف أحياناً عن مصالح الآخر، ولذا لا أستبعد أي شيء خاصةً في هذا المجال».
باعتراف هذا الرجل، وبأدلة توافرت بين أيدينا، سمح الأمريكيون لأنفسهم في الواقع بالتجسس علي البريطانيين من أرض بريطانية. وعلي هامش ذلك تجسسوا علي آخرين من بينهم السعوديون أثناء مفاوضات علي شراء صفقة من طائرات التورنيدو البريطانية.
«كانت أمريكا دائماً قلقة من احتمال قيام الحكومة السعودية بشراء أسلحة متقدمة غير أمريكية، وكنا ندرك أن منع ذلك بما يفتح المجال لشركة أمريكية من شأنه أن يخدم مصالحنا التجارية، وإن لم يكن ذلك علي قمة الأولويات».
يقطع الرجل الذي أعد التقرير لحساب البرلمان الأوروبي، دَنْكن كامبل، قائلاً: «بالتأكيد، هذه هي الحال في الشرق الأوسط، خاصةً في المملكة العربية السعودية؛ فما يشتريه السعوديون بثرواتهم يتجسس عليه الفرنسيون مثلاً، لا لأنهم يشكّون في وجود عملية إرهابية، بل لأنهم يريدون سرقة الصفقة من الأمريكيين، وهؤلاء يريدون سرقتها من البريطانيين، وهؤلاء يريدون سرقتها من الروس. ولذا فإن أي أحد يتفاوض مع السعوديين لن تكون لديه أسرار، لأن كل واحد يريد سرقة الصفقة من الآخر».
«جميع أجهزة الاستخبارات تحصل علي رواتبها كي تكذب».. هكذا يقطع السياسي البريطاني المخضرم، طوني بن، في هدوء وهو يلقي بغليونه الشهير إلي جانب من الطاولة «إنهم كلهم بلا استثناء يعملون لمصلحة الحكومة التي تدفع رواتبهم، وهم يرون من صميم عملهم التجسس الصناعي.
ومن ثم فإنه في حالة صفقة أسلحة بين بلدين يرون لها تأثيراً محتملاً علي تجارة السلاح الأمريكي لا يجدون صعوبة علي الإطلاق في تبرير عمليات التجسس، وفي الضغط لتحويل مسار الترتيبات التجارية لصالحهم».
وفيما يتواضع الكبرياء البريطاني أمام معطيات الواقع يوعز الأمريكيون إلي دوائر السلطة في لندن، فيوعز هؤلاء إلي المجلس البلدي، حيث تقع القاعدة، باستصدار حكم قضائي بإزالة مخيمات النساء المناهضات لوجود القاعدة.
ثم يختلط التواضع بالنفاق فتكون حجة الإزالة توسعة الطريق حول القاعدة. اليوم، بعد مرور هذه السنوات كلها منذ بدء الحملة عام ١٩٩٤، لا يزال كثير من السكان المحليين، في بلدة هاروجيت وحولها، إما جهلة بما في ديارهم أو ببساطة غير عابئين.
هذه مقتطفات مما قالوه لنا عندما سألناهم في الشوارع عن آرائهم في وجود القاعدة: «لا أعتقد أنها ستؤثر فينا».. «لا، لا، إنها ليست قاعدة للتنصت، بل قاعدة لمواجهة الخطر النووي».. «لابد من أن يكون هناك نوع من أنظمة الدفاع والاستخبارات».. «علينا أن نثق بمن صوتنا لهم في الحكومة، علي ما أعتقد».. «إن هذا لا يحدث هنا فقط، بل في كل مكان».. «لدي أصدقاء كثيرون يعملون في القاعدة وما يفعلونه ليس من شأني».
تجد «آن لي» نوعاً من العذر لمواطنيها من سكان المنطقة؛ إذ إن كثيراً منهم بات يعتمد في رزقه علي حقيقة وجود الأمريكيين وتغلغلهم في ثنايا الاقتصاد المحلي بيعاً وشراءً.
لكنها تضرب مثالاً آخر بإحدي جاراتها، واسمها هيلين جون، التي عرفت طريقها إلي السجن «لأنها كتبت علي جدار مجلس العموم البريطاني (أغلقوا قاعدة تل مِنْوِذ وأوقفوا حرب النجوم) وكانت علي وشك أن تكتب (ارفعوا العقوبات عن العراق) قبل أن تمسك بها الشرطة».
حمرة الشفق تلفُّ القاعدة مترامية الأطراف ونقيق الضفادع يقطع صمت الريف الإنجليزي. لقد بقيت الشعارات وتغيرت الأولويات علي أرض الواقع، فلماذا تكون هذه القاعدة استثناء؟.. سكن ليل الحرب الباردة، وتبدلت الوجوه واختل التوازن وخلت قمة السلطة إلا من الأمريكيين. يجد هؤلاء القابعون تحت القباب بين أيديهم وقتاً وطاقةً وأموال العالم. ماذا يفعلون؟!.. يفتشون عن أولويات جديدة.
يقول من كان علي رأس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في واحدة من أهم مراحلها، الأدميرال استانسفيلد تيرنر: «لقد بدأ الناس يتفهمون أن مجتمع التجارة قطاع أساسي من قطاعات الدفاع عن بلدنا؛ ففي لحظات بعينها يمكنك القيام بعمل ما لمساعدة شركة في بلدك.
حدث مثلاً عندما كنت مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية عام ١٩٧٩ أن جاءني قائد إحدي محطاتنا في دولة أجنبية وقال إن أحد عملائه في تلك الدولة أتي صدفةً بمعلومات عن دخول ثلاث شركات أجنبية في مناقصة علي عقد ضخم ضد شركة أمريكية، فاستغربت وسألته: (ماذا فعلت؟) فقال: (ليست لدينا سياسة بهذا الشأن، فلم أفعل شيئاً).
وقد أدي ذلك بي إلي إعادة التحقيق في أولوياتنا فوجدت أن ثمة مقاومة شديدة في وكالة الاستخبارات المركزية وفي الحكومة للقيام بمثل هذا العمل بحجة أنه لا يليق بنا إلي آخره، ولكنّ ذلك لم يعجبني».
بعدما تولي الأدميرال تيرنر إدارة وكالة الاستخبارات المركزية CIA أنشئ قسم جديد داخل وزارة التجارة، مهمته استقبال المعلومات من أفرع الاستخبارات الأمريكية التي يمكن أن تستخدمها الوزارة في دعم المصالح التجارية الأمريكية. أطلق علي هذا القسم اسم «مكتب التنسيق الاستخباري». شؤونه مصنفة «سري للغاية»، لكننا علمنا، باستخدام قانون حرية المعلومات، أن معلومات حساسة وصلت إلي المكتب عن طريق قاعدة تل مِنْوِذ تُصنف علي هذا الأساس.
لا يتعلق السؤال في مجال التجسس التجاري بما إذا كانت أفرع الاستخبارات الأمريكية توفر معلومات للشركات الأمريكية علي حساب منافسيها وحسب؛ إذ إن لكثير من هذه الشركات الأمريكية العملاقة علي أي حال علاقة مباشرة بوكالة الأمن القومي الأمريكية نفسها: أقمار إنتلسات مثلاً تقوم بتصنيعها شركة «لورال»، وكذلك المحطات التي تتجسس علي هذه الأقمار، في حين تقوم شركة «لوكهيد» بتصنيع الطائرات والصواريخ وأقمار التنصت لحساب وكالة الأمن القومي. تكشف الوثائق بما لا يدع مجالاً للشك تغلغل لورال ولوكهيد في إدارة قاعدة تل مِنْوِذ.
أمام هذا الأخطبوط الأمريكي ماذا يمكن للأوروبيين أن يفعلوا؟! هل بقي الكثير في يد بريطانيا «العظمي»؟!.. «إذا أردت أن تتعامل مع الأمر عليك أن تغلق القاعدة والقواعد الأمريكية الأخري في بريطانيا»، يرد طوني بن في حسم، «و إذا فعلتَ ذلك سيجردنا الأمريكيون مما يوصف بالرادع المستقل؛ فما تسمع به من علاقة خاصة بين أمريكا وبريطانيا يقتصر في الواقع علي الأسلحة النووية: هم يعيروننا إياها ونحن في المقابل نفعل ما يأمروننا به».
ثم ماذا يمكن لنا نحن أن نفعل؟.. إذا كان لا يهمنا كثيراً ما إذا كانت الدولة الضيف، الولايات المتحدة الأمريكية، تقتسم غنائم سرقاتها مع الدولة المضيفة، بريطانيا، فإن الغنائم نفسها ينبغي أن تهمنا، وينبغي أن تهمنا أكثر من ذلك كيفية الحصول علي هذه الغنائم.
أكبر تحد يواجه المواطن العربي، والحاكم العربي من باب أولي، هو تحد من نوع علمي تقني إذا لم نكن نحن العرب، في القرن الحادي والعشرين، أهلاً له فإن إلمام هؤلاء القابعين تحت كرات الجولف بنوع ألبستنا الداخلية نتيجة طبيعية.

من طرف **nona** الإثنين سبتمبر 08, 2008 11:28 pm

يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «&#1640;» أصدقاء.. ولكن

يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «&#1640;» أصدقاء.. ولكن

رد: يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «&#1640;» أصدقاء.. ولكن

يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «٨» أصدقاء.. ولكن

يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «٨» أصدقاء.. ولكن

رد: يسري فودة يكتب:الأخ الكبير «٨» أصدقاء.. ولكن