موسم الخيرات

ليست أحكام الصيام وحدها هي ما يجب أن يعلمه المؤمن ويتذكره وأيام شهر رمضان تقبل عليه. ولكنه ينبغي له أن يعلم ما هو اكثر من ذلك مما يتعلق بالصيام تاريخا وحضارة. فأما التاريخ فقد أجملته الآية الأولي من آيات الصيام في سورة البقرة. وأنه ليس عبادة مبدوءة بالإسلام وإنما هي عبادة سابقة عليه وإن اختلفت في صورتها عنه. يقول الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" فهو عبادة فرضت علي الأمم السابقة علي الإسلام. وذلك لما للصيام من فضل. فالانسان عندما يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات طاعة لله فإنه يشعر بالغبطة لشدة قربه من ربه. وهذا ما يميز الصيام عن غيره من العبادات. لأن الصائم يمارس هذه الفريضة حتي وهو يمارس غيرها من العبادة. وليس من الاسراف ان نقول في مأثوراتنا :"نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح" لأنه صائم وهو نائم. صائم وهو صامت. فكأنه في عبادة لربه وهو في هاتين الحالتين اللتين يشتغل فيهما بالنوم وبالصمت.
وإذا كان الهدف من الصيام هو تحقيق التقوي لدي الصائم فهي ليست وحدها التي تتحقق بالصيام وإن كانت هي أعلي المراتب فيما يتحقق للصائم من فوائد. وقد وصف الشاعر أحمد شوقي الصيام بأنه "حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع" وهو تعريف فاضل وإن كانت عليه مآخذ. فهو حرمان مشروع. ومن حيث هو حرمان فهو فضيلة تمثل الطاعة لله بهذا الحرمان. ولكنه ليس تأديبا بالجوع. لأن الصائم في العادة ليس متمرداً علي ربه في حياته العادية ليكون تأديبه بالجوع هدفا من أهداف الصيام. ثم إن الصائم يعتاد الصيام من أول يوم لأنه يقدم عليه مختاراً وليس مجبرا. فهو يريد التقرب الي الله بالتقوي التي هي هدف الصيام . وهو إلي جانب ذلك يشعر بأن للصيام واجبات أخري غير الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الجنس ومن أول اهداف ذلك تربية الارادة عند الانسان المسلم. والارادة ترتبط بالنية. وهي شرط في العبادات الاسلامية. فلا يتحقق معني العبادات كالصيام والصلاة والحج إلا بالنية وإلا تحولت الصلاة مثلا إلي حركات رياضية وتحول الحج الي رحلة سياحية يري فيها المسلم بلادا لم يرها من قبل أو هو يشتاق الي رؤيتها لتأكيد المعرفة بالشيء والسرور لرؤيته ومشاهدة زحام الناس فيه.
ونية المسلم عند الاقبال علي شهر رمضان لا يشترط فيها النطق باللسان وإنما يكفي استحضار الاداء بالقلب. ولذلك يقول الفقهاء: إن النية محلها القلب.. لكن بعضهم يستحسن صحبة النطق باللسان مع النية بالقلب. وهذا هو الافضل لأن للصيام جوانب كثيرة ينبغي للمسلم استحضارها عند الأداء بداية وممارسة وهناك عبادات فاضلة تابعة للصيام ومنها صلاة التراويح والصدقات واكرام الجار والقريب وتأديب الأبناء بآداب الإسلام والتي يؤدي الصيام جانبا كبيرا فيها. وفي مقدمتها البر والإكرام. وقد يكون البر بالكلمة الطيبة كما يكون بتقديم الطعام إلي من يحتاج إليه وإلي من لا يحتاج إليه. وهذا العمل فضيلة رمضانية تقرب القلوب وتؤلف بين الناس علي المودة والرحمة . وليس الطعام هو الصدقة الفاضلة وحدها التي ينبغي تقديمها. فقد يكون هناك قريب أو غريب كبته المسئوليات الضرورية مما يجب مساعدته في توفير احتياجاته ومن لا يجد من يعطيه فأمامه جمعيات خيرية موثوق بها تعين كثيرين من أصحاب الحاجات وتيسر لهم الحصول عليها وتوفير العمل للقادرين منهم علي مزاولته من الرجال والنساء والفتيات. ومن هذه الجمعيات ما تقوم علي أشياء كثيرة حتي تزويج الشباب من الجنسين للتحصين ضد الانحراف.
كثيرة هي إذن أعمال الخير التي يمكن للقادرين تقديمها بصفة دائمة وعلي الأخص في شهر رمضان. فالبرغم من ان الفريضة في شهر رمضان تؤدي بالإمساك نهارا عن شهوة البطن والفرج إلا أن هذا الشهر له اوصاف كثيرة في مقدمتها أنه شهر الجود والكرم. ومن الجود والكرم إطعام الطعام لغير القادرين وللقادرين علي السواء حتي ولو كان هذا الطعام علي اقل القليل مما يقدر عليه المؤمن حتي جرعة الماء التي يفطر الصائم عليها ينال من يقدمها مثل أجر الصائم من ثواب الله عز وجل مما يؤكد أن شهر رمضان شهر كله خير ونعيم والثواب فيه جزيل. وهو ثواب من أكرم الكرماء سبحانه وتعالي.
منقول