مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

من طرف دره مصر الأحد أكتوبر 18, 2009 6:47 pm

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة
ضيافة خاصة خمس نجوم وسط حراسة مشددة
ينابيع النيل وروافد السينما بعيداً عن التيار الرئيسي
تجارب تسجيلية مدهشة .. وأفلام قصيرة متميزة

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام
التسجيلية والقصيرة كعادته ينفرد بخصوصية استثنائية. أولاً بالموقع
الجغرافي الفريد. فلست اعتقد ان الضيوف الأجانب قد شاهدوا في جولاتهم عبر
مهرجانات الدنيا. مكاناً للإقامة يشبه "القرية الأوليمبية" التي تمتد
مساحتها علي 28 فداناً "16 ألف متر مربع" وتطل علي قناة السويس وتبعد عن
مركز محافظة الإسماعيلية مايقرب من عشرة كيلومترات. فالمكان منعزل تماماً.
أشبه بمنطقة عسكرية تحرسها نقاط تفتيش. ولا يستطيع الضيف ان يصل اليها
منفرداً اذا لم يكن مدعوا ويحمل هوية تؤهله. ولا بمقدوره ان يستخدم سيارة
أجرة هذا بدون تصريح. والسبب في الاغلب ان القرية مكان للاستضافة الرسمية
وللمناسبات المهمة .

وأغلب من ينزلون عليها يأتون في ضيافة المحافظة. بالاضافة الي أنها
تطل علي مرفأ بحري تجاري عالمي بالغ الأهمية تعبره يوميا عشرات السفن
والحاويات العملاقة ومن هنا الحراسة المشددة التي تثير أحياناً تساؤل بعض
الضيوف..

ويشكل المهرجان تجربة "جماعية" تحكمها روح الجماعة. تلك الروح
المفقودة تماماً علي مستوي الإنجاز الثقافي والفني. بل علي مستوي العمل
العام عموماً في مصر. فالجماعة "ضيوف المهرجان" يلتفون داخل المطعم.
ويتسامرون في الحديقة الواسعة. ثم داخل الاتوبيسات الخاصة بالمهرجان.
تنقلهم من القرية الي مقر الثقافة حيث العروض المشاركة. في مهرجان يذكرني
احياناً بالرحلات المدرسية في ذلك الزمان البعيد وينفرد المهرجان مرة
ثانية بمكان العروض. الذي يعتبرالأرحب والأكثر فخامة بين قصور الثقافة
الجماهيرية!.. وصالة العرض المعدة للأغراض ذات الطابع الاحتفالي تليق
بمهرجان دولي. ثم الاستعدادات التي توفرت للمناسبة في هذه الدورة ال13
جعلت المخرجة السويدية "آن لندر" تعلق باعجاب كبير "هذا شيء كبير.

" Ohthisisbig". ثم فيلم الافتتاح الذي تم بعثه وتجديده دون اتقان
كبير واقصد فيلم "ينابيع الشمس" الذي أخرجه المخرج الكندي "جون فيني" منذ
40 سنة "1969". هذا الفيلم يعيد الي مقدمة الصورة في المشهد الاحتفالي
تاريخ نهر النيل ويتابع ينابيعه وروافده وتاريخه والحضارات التي تكونت علي
ضفافه وأثره الحياتي الحضاري الوجودي في حياة المصريين.. فهذا أثر خالد
وحيوي وشريان حياة نطل عليه عبر فيلم تسجيلي مهم كان يمكن ان يندثر بسبب
الغياب المخجل. لأحد العلوم الأساسية في صناعة السينما وأعني تجديد
الأفلام وترميمها وإعادة بعثها. وهي مهمة خطيرة انتبهت لها دول العالم
المتقدم التي تمتلك صناعة سينمائية قوية ولم ننتبه لها نحن في مصر. إلا
علي استحياء وهو علم لم نتقدم فيه ما يليق بصناعة تعرفت عليها وعرفتها مصر
منذ مائة عام!!

الاختلاف الخلاق

وينفرد مهرجان الإسماعيلية مرة ثالثة بتجارب جد مختلفة تمثل روافد
اساسية وان لم تحظ بأهمية الفيلم الروائي التجاري الطويل الذي يحتل التيار
الرئيسي للسينما السائدة والمتسيدة فالمهرجان تجارب متميزة في مجالات
الفيلم التجريبي والرسوم المتحركة والتسجيلي والروائي القصير. ومنها أفلام
تفاجيء المتابع المهتم بأساليب متقدمة ومتنوعة وتختلف كلية. وفي الأغلب
تتعارض مع الممارسات الخاصة بصناعة الفيلم كسلعة للترفيه وبضاعة مرتبطة
بالمزاج الشعبي الأكثر شيوعاً. وبمعادلات السوق القائمة علي حسابات الربح
والخسارة.

معظم الأفلام إن لم يكن كلها تم تصويرها بالآت التصوير الرقمية ذات
التكنولوجيا المتقدمة. "HD" وقد عرضت جميعاً علي أقراص ال"DVD" مما يفسح
المجال لعروض واسعة جداً وليست تقليدية وفي أماكن التجمعات الثقافية.
والتعليمية. ودون ترتيبات مرهقة عمليا. وبالفعل تم عرض هذه الأفلام
كالعادة في أماكن عديدة داخل محافظة الإسماعيلية. في النوادي والمقاهي
والمجمعات التعليمية والمراكز الثقافية الاجنبية وخارجها وفي مدن تابعة
للمحافظة مثل مدينة التل الكبير ومدينة فايد.. الخ.

وكثير من هذه التجارب تمثل تجارب طازجة ومدهشة في مجال إنتاج الصور
الكمبيوترية واستخدام الإضاءة وفي أساليب الرسم التي تكشف عن شخصية الرسام
ومزاجه وقدرته علي ابتكار شخصيات من لحم ودم وروح وبأقل قدر من الأبعاد
الظاهر. لأن الإبهار الحقيقي قد تدره هذه "الخطوط" علي إشاعة روح الفن.
وتقديم أساليب ذاتية. تحتاج الي تأهل في استخدام عنصر التحريك والمونتاج
المتسارع والصوت غير المتزامن فضلاً عن استخدامات اللون ودرجات التركيز
البؤري وتضمين الفكرة أو الحالة التي عليها صانع الفيلم. في شكل حلقات أو
دوائر. وعبر تفاصيل صغيرة تدخل في تكوين الصورة وتحرك الذهن وتثير أسئلة
ربما لا تجد إجابة لها عند المبدع نفسه. وعلي الناقد ان يتلمس ما قد وصل
اليه حسب انطباعه الذاتي. فالتأثير "الجمعي" لفيلم التجريب. أو لبعض أفلام
الرسوم المتحركة القصيرة الأثر تركيباً يختلف في عملية التلقي عنه في
الأفلام الطويلة التجارية التي تخضع لتسلسل قصصي. ولنوعيات محددة "درامية.
كوميدية. رعب الخ" يتم تفصيلها لتحقق تأثيرا معينا ومدروسا بالنسبة
للمؤلف.. لكن مع أفلام التجريب فالتلقي يتم علي المستوي الفردي الذاتي.
وأحياناً تتوحد الجماعة في ردود فعل متشابهة..

حلقات .. حلقات

في فيلم بهذا العنوان "LOOP - LOOP" للمخرج الكندي باتريك برجدون
نحتار أمام الفكرة والأسلوب وفي فيلم لمخرج كندي آخر "بيدو بايرز" بعنوان
"رقصة الموت" يتطرق المخرج لفكرة في تشخيص رمزي بصري وعبر تشكيل للجسد
الانساني "إمرأة" يزخر بالمعاني التي توحي بالموت من زوايا نظر تتولد في
ذهن صانع الفيلم الذي يترجمها في معاني محسوسة تختلف من شخص لآخر..
وبمناسبة الموت عرض المهرجان "فيلماً بريطانياً" في قسم الرسوم المتحركة
يعتبر من التجارب التي تلقاها جمهور المهرجان بإعجاب شديد. ولم يختلف أحد
حول مهارة الرسام والسيناريست والمخرج "سميث وفولكس" الفيلم بعنوان "هذا
الطريق الي أعلي" ومدته تسع دقائق فقط. ولكن شخصياته وهما حانوتي وابنه
ينفردان بملامح كاريكاتورية تنبض بالحياة والسخرية والحركة وعبقرية
"التحريف" المدروس لملامح الوجه الإنساني والتكوين للجسد البشري البعيد عن
المقاييس الشكلية العادية. والقريب في نفس الوقت من روح الإنسان في علاقته
بالموت وبالطبيعة. يظهر ذلك أثناء دفنها لامرأة شاء قدرها ان تموت في يوم
غير عادي. فتتحول الرحلة مع التابوت الي مغامرة طريفة وسط الطبيعة وفي
أجواء مناخ غير مواتي.

وفي فيلم بعنوان "الوظيفة" من الأرجنتين واعتبره أحد أهم الأفلام في
مسابقة الرسوم المتحركة يعالج صناع الفيلم الصورة الكاريكاتورية للموظف
البيروقراطي بأسلوب آخر مختلف وزاخر بالسخرية ولا يفتقد العمق. والفكرة
التي يقوم عليها. معاصرة جدا وذكية وتكشف عن فظاظة الاستبداد والصلف في
الأوضاع التي تحكم السلم الوظيفي الذي يتجسد في صورة الموظف الكبير في
علاقته مع مرءوسيه والي أين يصل به الطريق الذي يقطعه فوق أجساد البشر..

المعالجة تكشف عن عمق المعالجة التي تبدو في غرابتها واقعية جدا من حيث المضمون.

الرسوم المتحركة في هذه الدورة تضيف إلي المخيلة الإبداعية رصيدا من
الافكار الطازجة. والتفاعل مع مناحي الحياة عبر الخطوط الخلاقة لهذه
النوعية غير المحدودة في قدرتها التعبيرية رغم قصر المدة ورغم نوافذ العرض
غير المتاحة جماهيريا.. في فيلم بعنوان "في الراس" "In The Head" وهو فيلم
فرنسي نشعر بالحزن الحقيقي علي بطل الفيلم الشاب بملامحه البريئة عندما
ينضم إلي الجيش ويترك فتاته مع حلم اللقاء الذي لم يتحقق بسبب الاصابة
القاتلة في الرأس.

الشخصية مجرد خطوط منحها فنان الفيلم حياة واستطاع أن يربط بينها
وبين المتلقي طوال سبع دقائق وجعلنا نتألم لمصيره. ورغم قلة الشخصيات
المرسومة. فقد شارك في صنع الفيلم أربعة مخرجين. قاموا معاً بالتأليف
والرسم والتحريك وتقييم الشخصية. انه تجربة جماعية تعكس روح مبدعة متألقة
مؤثرة في النهاية.

وفي فيلم آخر من نفس الفصيلة نلمح تأثير المدرسة التعبيرية الالمانية
علي كادرات الفيلم وتشكيله ونسب المفردات وزوايا التفاصيل واللافت أن
الفيلم يقدم "ذاكرة مدينة" والمقصود مدينة درسدن الالمانية التي دمرتها
آلة الحرب الثانية وأعادت بناءها الايادي الالمانية بنفس التصميم
والتنفيذ. فهي ذاكرة لفترة من التاريخ شهدته المدينة وانعكس عليها. ومن
خلال الرسوم تكتسب المباني روحا وحياة وقيمة فنية تاريخية الفيلم مدته 6
دقائق ومع ذلك اتسعت لفكرة يمكن ان تعالج في عمل ملحمي طويل ولكن القدرة
علي التكثيف اختزلت الفكرة دون أن تصيبها بالخلل ومن خلال وسيط يمتلك قدرة
ابداعية تشكيلية بمقوماته الخاصة المختلفة.

الروائي القصير.. المعاني في كبسولة

ضم المهرجان أكثر من فيلم تسجيلي يمتلك مقومات الصمود في الزمن وفي
الذاكرة والنجاح في المهرجانات الدولية أفضلها في المجموعة التي شاهدتها.
فيلم من هونج كونج لمخرج شاب "ووك ذون" بعنوان "يوم في العمر" يتناول
يوماً في حياة امرأة طاعنة في السن. ومازالت تكسب قوتها بعمل يدوي مجهد
"جمع القمامة" تبدأه من الصباح الباكر ولا ينتهي حتي يفرغ الجهد الذي
تستطيعه وهذه المرأة العجوز تعول حفيدتها التلميذة بعد أن هجرها الأبن
والد الفتاة واختفي من حياتها.

لا نري الابن ولكن الأم التي لا تعرف في الدنيا سوي العمل الشاق حتي
تستمر علي قيد الحياة. ترفض أن تذكر في طلبها للشئون الاجتماعية أنه
مفقود. أو مهاجر حتي تتوفر شروط الإعانة. وفي نفس الوقت تستسلم لطلب
الحفيدة العنيدة وتمنحها رزق اليوم كله لكي تشتري الآلة الموسيقية التي
ترغب فيها.

اللقطة الغريبة والمتوسطة القريبة أحجام تعبر عن حمولة كبيرة من
المعاناة والصبر لهذه المرأة القوية التي يصل ايمانها بالعمل إلي حدود
مدهشة. والنموذج الذي قدمه الفيلم واختار لتجسيده ممثلة "ليو شوي" بارعة
في نقل هذه الحمولة لمدة 18 دقيقة هي مدة الفيلم ولكن الاشباع الفني يصل
إلي منتهاه مع النهاية ويوازي ما يمكن أن يولده فيلم روائي طويل ومثل هذه
النماذج الحية يوجد منها الملايين ولدينا منها الآلاف وأعتقد أن الفكرة
سبق معالجتها والفارق أن المعالجة تختلف من بيئة إلي أخري ومن ثقافة إلي
ثقافات أخري مختلفة.

وفي إطار نفس النوعية "الروائي القصير" شاركت فلسطين بفيلم "ليش
صابرين" للمخرج مؤيد عليان وفيه يتناول علاقة حب مستحيلة بسبب ظروف
الاحتلال والحصار الحديدي للجيش الصهيوني. فضلا عن تقاليد المجتمع
الفلسطيني نفسه وظروفه الاقتصادية والفيلم يكشف عن الممارسات اللانسانية
التي يشهدها سكان مدينة القدس ومن خلال الصورة نكتشف حجم التغيير الذي
يغير معالم المدينة المقدسة العتيقة التي انتهكها جنود الاحتلال فهناك
مشاهد يتعرض لها المحبان أمام نقاط التفتيش تمثل انتهاكا لحرمة الانسان
وتقاليده ودينه.. العنوان يطرح تساؤلا سوف يظل بلا إجابة: إلي متي يصبر
أبناء هذا الشعب؟

من طرف وفاء الأحد أكتوبر 18, 2009 8:56 pm

من طرف nono السبت أكتوبر 24, 2009 6:41 pm

شكرا على الموضوع

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

رد: مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

رد: مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة