شهادة اعتذار للسفيرة الأمريكية

من طرف شرف الإثنين نوفمبر 09, 2009 8:05 pm

شهادة
اعتذار للسفيرة الأمريكية
الهبَّاء
momenelhabbaa@hotmail.com

نحن في أمس الحاجة إلي العلوم الأمريكية
والخبرات التكنولوجية الأمريكية.. ما في ذلك شك.. وحبذا لو نجحنا في نقل
علومهم وخبراتهم في مجالات مثل الطاقة النووية والزراعة والصناعة والطب
والهندسة.. وسوف نشعر بامتنان تاريخي تجاه أمريكا الدولة وأمريكا الشعب
إذا هم ساعدونا بعلومهم واستثماراتهم في إزالة الألغام واستصلاح الصحراء
وتحلية مياه البحر وتخطيط المدن الجديدة وإقامة مشروعات صناعية تفيدهم
وتفيدنا.

كل هذه أشكال للتعاون المشترك مقبولة ومطلوبة.. وتخلق شعبية جيدة
للأمريكيين عندنا.. أما ما أعلنت عنه السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي في
الإسكندرية مؤخراً فليس مقبولاً ولا مطلوباً.. وعليه ألف فيتو.. لأنه
يلامس العصب الحساس في الجسد المصري.. وسوف يأتي إذا تحقق لا قدر الله
بنتائج عكسية.

وكانت السيدة السفيرة قد أعلنت في الإسكندرية طبقاً لما نقلته
"الأهرام" في 22 أكتوبر الماضي إن الإدارة الأمريكية عازمة علي إنشاء عدد
من المدارس النموذجية في الإسكندرية والقاهرة تدار بواسطة الولايات
المتحدة بالتنسيق مع الحكومة المصرية للطلاب المتميزين دون تحميلهم أي
أعباء مالية. حتي يتم تخريج كل عام مئات الطلاب المتميزين ليشكلوا نواة
كقاعدة شبابية مؤسسة علي العلم والتكنولوجيا ومتوافقة مع أحدث الأساليب
المتبعة في دول العالم.

ومن حق السيدة السفيرة أن تتصور أن هذا العرض يحمل هدية قيمة لمصر
ولشعبها ولمستقبلها.. ومن حقنا أن نعتذر عن قبول الهدية.. ونشكرها سلفاً..
فالمدارس التي ستدار بواسطة الإدارة الأمريكية لن تكون مدارس مصرية ولن
تخرج لنا شبابنا من المصريين وإنما ستخرج شبابا أمريكيين. أو متأمركين.

إنها هدية ملغومة.. واعتذارنا عنها ليس من قبيل نكران الجميل. ورد يد
الصداقة الممدودة لنا.. وإنما هو اتباع للحق الذي يقول إن التعليم.
وبالذات في مرحلة المدارس الأولية. من أعمال السيادة الوطنية التي تضطلع
بها الدولة. لكي تبني وجدان أبنائها علي قواعد صحيحة. تتمثل في الهوية
والانتماء والخصوصية الثقافية.

أبناؤنا في مراحل التعليم الأولي في حاجة إلي تعميق انتمائهم لوطنهم
وأمتهم وتاريخهم ولغتهم وثقافتهم ودينهم.. حتي يخرجوا للحياة مواطنين
صالحين أسوياء.. وهذه رسالة لا يمكن أن تقوم بها المدارس التي وعدت بها
السيدة السفيرة والتي ستدار بمعرفة الإدارة الأمريكية.

صحيح أن مدارسنا عاجزة عن الوفاء بهذه الرسالة علي الوجه الأكمل
حالياً لأسباب نعرفها ونعالجها.. لكن البديل لا يكون بتسليم أبنائنا إلي
مدارس تمولها وتديرها الإدارة الأمريكية.. فيخرج منها جيل مشوه مضطرب..
بلا هوية وبلا انتماء وبلا جذور... أو بتعبير جدنا العظيم مصطفي كامل "جيل
مزعزع العقيدة سقيم الوجدان".. يري نصر أكتوبر هزيمة واحتلال العراق
تحريراً والمقاومة إرهابا والمسجد الأقصي هيكل سليمان والقدس أورشليم
والضفة الغربية يهودا والسامرة. ولا يعرف من زعماء مصر غير سعد الدين
إبراهيم.

يكفينا من طوفان الغزو الثقافي الأمريكي ما يأتينا عبر الشاشات من
أفلام الكاوبوي وأفلام الكارتون وروائع هوليوود.. يكفينا الجامعة
الأمريكية ومدارس القطاع الخاص "ال "هاي سكول" التي تقدم شهادات أمريكية
تخترق قواعد الثانوية العامة ونظام القبول بالجامعات لتعطي امتيازا خاصا
للقادرين من أبناء الطبقات العليا ومن تشبه بهم.. يكفينا بوتيكات التمويل
الأمريكية المسماه بمنظمات المجتمع المدني التي تضع علي واجهاتها شعارات
الديمقراطية ولا تعرف عن الديمقراطية شيئاً.. يكفينا المراكز الثقافية
الأمريكية المنتشرة في ربوع أرضنا. والتي غزت أخيراً قلعتين بارزتين من
قلاع التعليم الوطني. جامعة القاهرة وجامعة الأزهر.

يكفينا كل هذا ويكفيكم أيضاً.. وأتركوا لنا مسئولية المدارس..
اتركوها لدولتنا وحكومتنا والقادرين من أثريائنا حتي نحافظ علي أجيالنا
القادمة.

ليست هذه دعوة للانغلاق .. أو دعوة للمقاطعة.. لكنها دعوة للحفاظ علي
الذات الوطنية. خاصة في مراحل التنشئة الأولي. مراحل بناء الوجدان والعقل
والضمير الوطني.. وبعد مرحلة التكوين والتنشئة ساعدونا في أن ننقل علومكم
الحديثة وخبراتكم التكنولوجية.. ساعدونا بإخلاص نحمل لكم الجميل.

هل رأيتم بلداً يترك مسئولية أبنائه لبلد آخر مهما بلغت الثقة
والصداقة بينهما؟!.. هل رأيتم بلداً يرضي بأن يحتل ثقافياً؟!.. هل فعلها
الأمريكان أو الألمان أو الفرنسيون أو الهنود؟!.. ولماذا نفعلها نحن؟!

ساعدونا إن كنتم جادين في بناء المدارس وتأثيثها.. ساعدونا بالوسائل
التوضيحية الحديثة وأدوات المعامل وأجهزة الكمبيوتر.. ولكن أتركوا لنا
المناهج.. ويكفي ما حدث فيها من عبث واضطراب باسم التطوير علي مدي السنوات
الماضية..

أتركونا نعلم أبناءنا ونربيهم علي طريقتنا حتي يظلوا مصريين.