بحـث
المواضيع الأخيرة
الجزء الثالث المنتظر من فيلم الكوميديا والرومانسية "عمر وسلمى 3 " للنجم تامر حسني ومي عزالدين بحجم 466 ميجا
الإثنين فبراير 13, 2012 8:50 pm من طرف smsm
[size=21]فيلم[/size]
عمر و سلمى 3
SCR
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كالعادة وزي ما عودناكم وبعد عرضه مباشرة
باعلى صوت وصورة
[size=12]الجزء ده كوميدي جدا وحلو اوووي
انصح الجميع بمشاهدته
[/size]
ملحوظة : الفيلم كامل من اول دقيقة لحد اخر دقيقة ومدته
1 ساعة و 36 دقيقة
قصة …
عمر و سلمى 3
SCR
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كالعادة وزي ما عودناكم وبعد عرضه مباشرة
باعلى صوت وصورة
[size=12]الجزء ده كوميدي جدا وحلو اوووي
انصح الجميع بمشاهدته
[/size]
ملحوظة : الفيلم كامل من اول دقيقة لحد اخر دقيقة ومدته
1 ساعة و 36 دقيقة
قصة …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 0
فيلم الكوميديا " بنات العم " بطولة ثلاثي الضحك ابطال فيلم "سمير وشهير وبهير" بحجم 437 ميجا على اكثر من سيرفر
الإثنين فبراير 13, 2012 8:26 pm من طرف كامل
[size=21]فيلم[/size]
بنات العم
DVDSCR
في الوقت الي كل الناس لسة بترفع فيه اعلان الفيلم
جبنالكم الفيلم كامل من اول ثانية لاخر تتر
( الفيلم ده بجد ضحك للركب )
EnJoy
قصة الفيلم
الحديث عن اللعنات
التي تصيب الإنسان كثيرة وغريبة واغربها ما حدث بفيلم (بنات العم) حيث
ثلاث صديقات تصبهن لعنة غريبة فيتحولن إلى رجال....وبين الصدمة والوعي
يحاولن طوال احداث الفيلم فك …
بنات العم
DVDSCR
في الوقت الي كل الناس لسة بترفع فيه اعلان الفيلم
جبنالكم الفيلم كامل من اول ثانية لاخر تتر
( الفيلم ده بجد ضحك للركب )
EnJoy
قصة الفيلم
الحديث عن اللعنات
التي تصيب الإنسان كثيرة وغريبة واغربها ما حدث بفيلم (بنات العم) حيث
ثلاث صديقات تصبهن لعنة غريبة فيتحولن إلى رجال....وبين الصدمة والوعي
يحاولن طوال احداث الفيلم فك …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 0
بإنفراد تام أسطورة الكوميديا عادل إمام فى فيلم العيد وقبل العيد زهايمير بجودة خرافية وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 11:40 am من طرف ashraf
فيلم العيد
بجودة روووعـــة
ولن تجدها الا هنا وفقطـــ
عادل امام
فى
زهايمــــــــــر
NEAR DVD
الفيلم كامل من البداية للنهايــة ...
والصورة ثابتة وكاملة طوال الفيلم ,,,
والصوت واضح وكويس ..
فيما عدا اول دقيقة فقط لخلل الصوت داخل السينما نفسها
PosTer
بجودة روووعـــة
ولن تجدها الا هنا وفقطـــ
عادل امام
فى
زهايمــــــــــر
NEAR DVD
الفيلم كامل من البداية للنهايــة ...
والصورة ثابتة وكاملة طوال الفيلم ,,,
والصوت واضح وكويس ..
فيما عدا اول دقيقة فقط لخلل الصوت داخل السينما نفسها
PosTer
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
الفيلم الكوميدى الديكتاتور - نسخة فيديو سي دي فقط 236ميجا - على عدة سيرفرات
الجمعة أكتوبر 22, 2010 5:16 pm من طرف العنتيل
قصه الفيلم
تدور أحداث فيلم الديكتاتور في إطار سياسي ساخر, حول حاكم يبطش بمن يرفض أو يعترض على أوامره, يخشاه الجميع بسبب دكتاتوريته الشديدة .
تدور بينه و بين أبنائه التوأم العديد من المواقف و الأحداث التي تتناول أزمات المواطن العادي إلى أن تحدث مفاجأة عنيفة تقلب الأمور رأسا على عقب
بطوله
خالد سرحان - حسن حسنى
مايا نصرى - عزت ابو عوف
ادوارد - …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
مجموعة من اقوي افلام نجم الكوميديا الرائع محمد هنيدي ( 12 فيلم ) نسخ DvDRip على اكثر من سيرفر ..
الأربعاء أكتوبر 20, 2010 11:06 am من طرف tete
مجموعة من اقوي افلام نجم الكوميديا الرائع محمد هنيدي 12 فيلم
- - - - - - - -
اسماعيلية رايح جاي
RapidShare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
________________________
sendspace
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
- - - - - - - -
اسماعيلية رايح جاي
RapidShare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
________________________
sendspace
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
فيلم العيد :: الرجل الغامض بسلامته :: CaM H.Q :: جودة عالية Rmvb :: نسختين 300 ميجا + 700 ميجا :: تحميل مباشر وعلى أكثر من سيرفر
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 3:42 pm من طرف tete
فيلم العيد
# الرجل الغامض بسلامته #
القصة
شاب ( هاني رمزي) لا يجد مجال للوصول إلى النجاح إلا عن طريق ممارسة الكذب ، حيث يعتبر أن الكذب هو خير وسيلة للنجاح.
ورغم عمله كموظف في القطاع الخاص إلا أنه يراسل عدداً من الجهات الحكومية يطالبها بحل عدد من الأزمات العامة - مثل الرغيف والبطالة وأزمة الإسكان - وعندما تحدث المفاجأة و يصبح مشهوراً …
# الرجل الغامض بسلامته #
القصة
شاب ( هاني رمزي) لا يجد مجال للوصول إلى النجاح إلا عن طريق ممارسة الكذب ، حيث يعتبر أن الكذب هو خير وسيلة للنجاح.
ورغم عمله كموظف في القطاع الخاص إلا أنه يراسل عدداً من الجهات الحكومية يطالبها بحل عدد من الأزمات العامة - مثل الرغيف والبطالة وأزمة الإسكان - وعندما تحدث المفاجأة و يصبح مشهوراً …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
فيلم الرعب المصرى ايناب بجوده dvdrip 200 ميجا برابط واحد على اكثر من سيرفر
الخميس مايو 13, 2010 7:47 pm من طرف احساس غريب
انياب
تتعطل سيارة بشاب وشابة فى ليلة ممطرة عند أحد البيوت فيدخلانه طلباً
للنجدة
ويكتشفان أنه منزل دراكولا ويعرض الفيلم أساساً الشخصيات المستغلة
مثل السباك والجزار أما شخصية دراكولا ليست إلا رمز لهذه الشخصيات المستغلة
على الحجار
منى جبر
احمد عدوية ـ دراكولا
طلعت زين
عهدى صادق ـ شلف
حسن الإمام
rapidshare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
تتعطل سيارة بشاب وشابة فى ليلة ممطرة عند أحد البيوت فيدخلانه طلباً
للنجدة
ويكتشفان أنه منزل دراكولا ويعرض الفيلم أساساً الشخصيات المستغلة
مثل السباك والجزار أما شخصية دراكولا ليست إلا رمز لهذه الشخصيات المستغلة
على الحجار
منى جبر
احمد عدوية ـ دراكولا
طلعت زين
عهدى صادق ـ شلف
حسن الإمام
rapidshare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 2
اقوى مسلسلات رمضان - الكبير - احمد مكى - الحلقة 15 الاخيرة - على اكثر من سيرفر
الخميس سبتمبر 02, 2010 9:38 pm من طرف tete
تدور الاحداث فى احدى
قرى الصعيد ،عمدة القرية والملقب بالكبير قوى فى واخر ايامه يصارع الموت
ويحكى لابنه (الكبير) وهو وريثه الشرعى وشخص مفترى يستغل مكانة والده وهو
ينتظر اليوم الذى يحكم فيه البلد كعمدة بعدموت والده
يفاجئه الاب قبل موته بان له أخ توأم يعيش فى USA وان له 50% من الورث
الذى سوف يتركه له وفى العمودية كمان ،كما يحكى له كيف تعرف على والدته فى
احدى البارات وكيف انجبته هو وأخوه …
قرى الصعيد ،عمدة القرية والملقب بالكبير قوى فى واخر ايامه يصارع الموت
ويحكى لابنه (الكبير) وهو وريثه الشرعى وشخص مفترى يستغل مكانة والده وهو
ينتظر اليوم الذى يحكم فيه البلد كعمدة بعدموت والده
يفاجئه الاب قبل موته بان له أخ توأم يعيش فى USA وان له 50% من الورث
الذى سوف يتركه له وفى العمودية كمان ،كما يحكى له كيف تعرف على والدته فى
احدى البارات وكيف انجبته هو وأخوه …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
حصريآ : فيلم صفر - واحد نسخه vcd ونسخه DVD بأعلى جوده على اكثر من سيرفر
الأحد مايو 30, 2010 2:19 pm من طرف tooooot
Film
One - Zero
VCD &
DVD
--------
DVD
-------------
VCD
---------------------
معلومات اكتر عن
الفيلم
سيدة تبحث
عن حياتها من جديد من خلال طلاق معلق في المحاكم ..فهل تفوز السيدة
بحياتها
كما
يتناول الفيلم قصة حياة عدة أشخاص وتتزامن تلك القصص مع بطولة الأمم
الأفريقية الكروية
أثار
الفيلم …
One - Zero
VCD &
DVD
--------
DVD
-------------
VCD
---------------------
معلومات اكتر عن
الفيلم
سيدة تبحث
عن حياتها من جديد من خلال طلاق معلق في المحاكم ..فهل تفوز السيدة
بحياتها
كما
يتناول الفيلم قصة حياة عدة أشخاص وتتزامن تلك القصص مع بطولة الأمم
الأفريقية الكروية
أثار
الفيلم …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 3
وقفات مع سورة الحديد (1)
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وقفات مع سورة الحديد (1)
وقفات مع سورة الحديد (1)
فهد الشتوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه وقفات مع سورة الحديد أقدمها بين يدي القارئ الكريم لعل الله أن ينفع بها.
من
المعلوم أنه لا يمكن الإلمام بتفسير هذه السورة كله، في مثل هذا البحث
الميسر، على أنَّ من معاني هذه السورة ما هو معلوم لا يحتاج إلى بيان،
شأنها في ذلك شأن كثير مِن آي القرآن.
وعليه؛ فإنَّ التركيز سيكون
على محاوَلة معرفة الغرض الأساس للسورة، ومِن ثَمَّ معرفة الأغراض الأخرى
في السورة، ومحاولة الربط بين أجزائها، وهو أمرٌ ليس بالميسور، فهو يحتاج
إلى إِعمال ذهن، كما أنه يحتاج إلى الإلمام بالتفسير التحليلي للسورة؛ حتى
ينتج تمييز الأغراض، ومعرفة الربط.
وأمرٌ هو منَ الأهمية بمكان،
ولا ينبغي التغافُل عنه، وهو أنَّ القرآن نَزَلَ بلسانِ العرب، وهذا معلوم
في الجملة، وإنما الغَرَض هنا هو أنه ينبغي للمُتَخَصِّص في التفسير أن
يستنطقَ اللغة؛ حتى تخرجَ له المعاني الجزلة، وتستبين الهدايات
الرَّبَّانيَّة منَ الآيات.
ولقدِ اهتمَّ العلماء بذلك، حتى تفرسوا
في الألفاظ بحثًا عن المعاني؛ بل وغاصوا في الدقيق من ذلك؛ كغوصهم في
الجليل منه؛ كل ذلك لأنهم يعلمون جلالة ما يعالجونه من تفسير آي القرآن؛
ولأنهم يعلمون أيضًا أنَّ هذا هو الطريق لمعرفة المعاني، واستخراج مكنونات
الكتاب العزيز.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -
مُتَحَدِّثًا عنِ القرآن: "ولا يذكر فيه لفظًا زائدًا إلا لمعنى زائد، وإن
كان في ضِمن ذلك التوكيد، وما يجيء من زيادة اللفظ في مثل قوله: {فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩]، وقوله: {عَمَّا
قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: ٤٠]، وقوله: {قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣]، فالمعنى مع هذا أزيد منَ المعنى بدونه،
فزيادة اللفظِ لزيادة المعنى، وقوة اللفظ لقوة المعنى، والضم أقوى منَ
الكسر، والكسر أقوى من الفتح.
ولهذا يقطع على الضم لما هو أقوى؛
مثل: "الكُرْه"، و"الكَرْه"، فالكُره هو الشيء المكروه؛ كقوله: {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، والكَرْه
المصدر؛ كقوله: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: 53]، والشيءُ الذي في
نفسه مَكْروه أقوى مِن نَفْس كراهة الكَارِه، وكذلك "الذِّبْح"،
و"الذَّبْح"، فالذِّبْح: المذبوح؛ كقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧]، والذَّبْح: الفِعْل، والذِّبْح: مَذْبُوح، وهو
جسد يُذْبَحُ، فهو أكمل من نفس الفعل"[1].
وأما تناول هذه السورة، فسيكون في عدَّة مباحث، كما يلي:
المبحث الأول: نزولها.
المبحث الثاني: فضلها.
المبحث الثالث: غرض السورة الأساس.
المبحث الرابع: اسم السورة، وعلاقته بغرضها الأساس.
المبحث الخامس: ارتباط السورة بما قبلها، وبما بعدها.
المبحث السادس: أغراض السورة المختلفة، وفيه عدة محاور:
المحور الأول: علاقة هذه الأغراض بالغرض الأساس للسورة.
المحور الثاني: وجه ارتباط هذه الأغراض ببعضها.
المحور الثالث: السر في ترتيب هذه الأغراض.
المحور الرابع: المقررات اللغوية والبيانيَّة في هذه الأغراض، ووجه ارتباطها بالغرض الأساس للسورة.
ثم الخاتمة، وفهرس المصادر والمراجع، ثم فهرس المحتويات، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
المبحث الأول
نزولها
قال القرطبي - رحمه الله -: "سورة الحديد مدنيَّة في قول الجميع"[2].
إن ما ذكره القرطبي غير مسلم، فقد وقع فيها اختلاف: هل هي مكيَّة أو مدنية؟
قال ابن عاشور - رحمه الله -: "وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي، لم يختلف مثله في غيرها"[3].
وأكثر
المفسرين على أنها مدنيَّة، كما أنَّ طابع السورة هو الطابع المدني،
ومواضيعها تشهد بهذا، فقد ذُكِرَ فيها الفتح، وأحوال الناس قبله وبعده،
وهذا الفتح سواءٌ قيل إنه فتح مكة، أم صلح الحديبية ظاهرٌ في مدنية هذه
الآيات، وكذا ذكر أحوال المنافقين.
ولكن أشكل على هذا ما رواه
مسلمٌ في صحيحه، عن عبدالله بن مسعود، أنه قال: "ما كان بين إسلامنا وبين
أن عاتبنا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ
تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] إلا أربع سنين"[4].
وإسلام ابن مسعود متقدِّم، وعليه فتكون هذه الآية المذكورة قد عوتبوا بها قبل الهجرة، فتكون مكية قطعًا.
ولعلَّ الجواب عن هذا أن تكونَ هذه الآية آية مكية في سورة مدنية، وهذا هو الجواب في مثل هذا الضرب منَ الآيات.
ولكن
يبقى التنبيه إلى أنَّ هذه الآية المكية لم توضَعْ في هذه السورة المدنية
إلا لمناسبةٍ مقصودةٍ، وهذه المناسبةُ هي موافقتها لغرض السورة على ما
يأتي - بإذْن الله.
قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "وهذه السورة مدنيَّة باتِّفاق، لم يخاطبْ بها المشركينَ بمكة"[5]، والله أعلم.
المبحث الثاني
فضلها
قال
ابن كثير - رحمه الله -: "قال الإمام أحمد: حَدَّثنا يزيد بن عبدربه،
حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن
ابن أبي بلال، عن عِرْبَاض بن سارية، أنه حدثهم: أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: ((إن فيهن آية أفضل من
ألف آية))، والآية المشار إليها في الحديث هي - والله أعلم - قوله: {هُوَ
الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} [الحديد: ٣]"[6].
المبحث الثالث
غرض السورة الأساس
إن
المتأمل في هذه السورة ليلوح له أنها قد اعتنتْ بأمرٍ مهمٍّ بالغ الأهمية
في حياة الأمة المسلمة، ألا وهو أمر الإنفاق في سبيل الله، وهذا الغَرَض
النبيل لا يمكن أن يَتَمَثَّل في حياة الفرد المسلم، وكذا في حياة الجماعة
المسلمة؛ إلا بالإيمان الباعث الأكبر على هذا الغرض الكبير؛ ولهذا فقد قرن
الإنفاق بالإيمان في سياق هذه السورة، حتى بدا هذان الغرضان كأنهما غرض
واحد.
على أنَّ هذين الأمرين مرادان لشأنٍ آخر، هو تحقيق التجرُّد الكامل لله - سبحانه وتعالى - والبَذْل في سبيله.
وهذا
الغرض قد جاء مصرَّحًا به في أول مقطع بعد مقطع الافتتاح، وهو قوله -
تعالى -: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ
أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
على أنَّ مَقْطع الافتتاح إنما كان
كالمهيئ لهذا الغرض الجليل، فقد قررتِ الآيات المفتتح بها عظمة الباري،
بتسبيح المخلوقات له، وبَيَّنَت عظيم ملكه، وإحاطته الشاملة للزمان
والمكان، فهو الأول ولا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا
شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه، وبَيَّنَت معيَّته الشاملة لخلقه،
وعظيم سلطانه وقهره، ثم دعتِ العباد إلى الإيمان والإنفاق.
وهذا
الغرض ملحوظٌ في جميع السورة، فإن الآيات يوم أن دعتْ إلى هذا الغرض
انتقلتْ منه إلى جزاء من حقق هذا الغرض؛ فقال - تعالى -: {يَوْمَ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]، وهذا
الجزاء معلومٌ أنه يُقَرِّر هذا الغرض؛ ولهذا فإنه ذكر بعده الأطراف
المناوِئة لهذا الغرض، وذكر جزاءها، ثم حثَّ المؤمنين على الخشوع والخضوع،
بل واستحثهم على ذلك، حتى كأنهم قد أبطؤوا.
قال سيد قطب - رحمه
الله -: "هذه السورة بِجُملتها دعوةٌ للجماعة الإسلامية؛ كي يتحقق في
ذاتها حقيقة إيمانها، هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا
تضنُّ عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئًا، لا الأرواح ولا الأموال، ولا
خلجات القلوب، ولا ذوات الصدور، وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس
ربانيةً، بينما تعيش على الأرض، موازينها هي موازين الله، والقيم التي
تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين، كما أنها هي
الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل
عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه"[7].
ثم دعتْ صراحًة إلى
هذينِ الغرضين مرة أخرى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ
كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد: 18 - 19]، وكأنها كررتْ ذلك للتأكيد،
والحق أنه تأسيس لا تأكيد، كما يأتي بيانه في موضعه - بإذن الله.
وفي قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ} قراءتان، تقرران هذا الغرض الأساس في السورة على ما يأتي بيانه كذلك في موضعه - بإذن الله.
ثم
انتقلتِ الآيات إلى التزهيد في الدنيا؛ لقطْع العوائق الدنيوية، التي تجذب
الإنسان إليها بحكم الجِبِلَّة البشرية، وعالجتها الآيات بأسلوب متين، لا
يترك بعدها لطالب الحق إلا أن يتخلَّص من رهق التراب، وينطلق إلى رحب
السماء.
والمقطع الأخير من السورة يُبَيِّن الحل الحاسم لجميع
طوائف المجتمع، يُبَيِّن الواجب على المؤمنين منَ الأخذ بالكتاب، وإقامة
العدل بالميزان، والواجب عليهم كذلك من أخذ القوة في مقارعة الأعداء
بالحديد، آلة الحرب وذخر المقاتل، فالمؤمن واجبٌ عليه مجاهدة المنافق،
ومجاهَدة الكافر، يجاهد بالكتاب والحجة، ويجاهد بالحديد، وكل ذلك له حدوده
وضوابطه الشرعية، والآيات من خلال ذلك تُبَيِّن حقيقة الدعوة، من لدن نوح
- عليه السلام - أول الرسل إلى الأرض، معرِّجة على إبراهيم - عليه السلام
- الخليل، وهو ونوح أبوا الأنبياء، لم يبعث نبي إلا من ذريتهما، ثم تختم
بذكر عيسى - عليه السلام - وحال قومه في تحقيق العبادة، وما حباهم الله به
منَ الرأفة والرحمة، وما ابتدعوه منَ الرَّهبانيَّة، التي كانوا أول مَن
تنصل منها، والآيات في ذلك تحدد المعالِم الصحيحة للأمة المحمدية، التي
تختم السورة ببيان أنها أفضل الأمم، وبأنها قد سبقت الأمم، بما أنعم الله
عليها من الإيمان بالله، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما أكرمها به
من الأجر المضاعف؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:
28].
وهذا الفضْل منَ الله يهبه لمن يشاء، وحتى يعلم أهل الكتابين أنَّ الفضْل بيده - سبحانه - وأن الله لا يقبل دينًا سواه، والله أعلم.
المبحث الرابع
اسم السورة وعلاقته بغرضها الأساس
وهذه السورة اسمها الحديد، والحديد معدن معروف، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في خمسة مواضع:
قال
الله - تعالى -: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]،
وقال تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ
آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، وقال - تعالى -:
{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21]، وقال - تعالى -: {وَلَقَدْ
آَتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10]، والخامسة آية الحديد
هذه.
والحديدُ في هذه الآيات إنما أتى في شأن القوة؛ ففي الإسراء
يرد على منكري البعث بأنه سيبعثهم، وإن كانوا يستطيعون أن يمتنعوا من ذلك،
فليكونوا ما شاؤوا منَ الخلق العظيم القوي، من الحجارة أو الحديد، أو غير
ذلك مما هو عظيم في نفوسهم، فالله سيعيدهم.
وفي الكهف استعان ذو القرنين بالحديد في بناء السد بين يأجوج ومأجوج وبين الناس.
وفي سورة الحج ذكر الحديد أداة لتعذيب المجرمين في نار جهنم.
وفي
سبأ ذكر الله الحديد ممتنًّا به على نبي الله الكريم داود - عليه السلام -
وأنه ألانه له؛ ليعمل به من آلات الحرب، الدروع وغيرها.
وقد علمنا
أنَّ سورة الحديد معنيَّة بالأمر بالإيمان والإنفاق، وإعداد العدَّة
للجهاد في سبيل الله، حتى بينت تفاضل الناس باعتبار تفاضُلهم في تحقيق هذا
الغرض؛ {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ
مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ
مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ
الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، وقد بينت
السورة في ختامها المقصود من إرسال الرسل، وإنزال الكُتُب، وهو "أن يقومَ
الناسُ بالقسط في حقوق الله، وحقوق خلقه، ثم قال - تعالى -: {لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فمن عدل عن
الكتاب قوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف"[8].
وكان
منَ المعلوم أن مِن أعظم ما تُعَدُّ به العدة، وتنفق فيه الأموال: هو عدة
القتال، وأعظم عتاد القتال إنما هو الحديد، فالحديد آلة القوة قديمًا
وحديثًا.
ولهذا كانتِ المنة على نبي كريم من أنبياء الله بأن ألان
الله له الحديد؛ ليعمل آلات الحرب، وهو نبي الله داود - عليه السلام –
فقال – تعالى -: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ
أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ
سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 10، 11]، وكما قال أيضًا في آية أخرى:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ
فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80].
وهذه مع أنها منة من
الله فإنها أيضًا حجة على المؤمنين، بأنهم لا بد أن يعدوا العدة للجهاد في
سبيل الله، وأن يأخذوا من أسباب الصناعة؛ كما أخذ نبي الله داود، وهو -
عليه السلام - قدوة، أمرنا بالاقتداء به، كما هو الأمر بذلك لنبينا - صلى
الله عليه وسلم -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90].
وداود - عليه السلام - قد
ألان الله له الحديد، والمسلمون لو سعوا في إعداد العدة، فإنَّ الله يسخر
لهم، ويسهل ما صعب، وقد ذكر الله أيضًا في القرآن قصة ذي القرنين، وذكر
فيها ما أخذه هذا العبد الصالح منَ الأسباب لدفع ضرر قوم أشرار، وهم يأجوج
ومأجوج، وكان الحديد من أعظم الأسباب التي اتخذها ليجعل سدًّا بين الناس
وبين هؤلاء المفسدين، وهو سدٌّ حبسهم الله به حتى يأتي اليوم الموعود؛ كما
قال - تعالى -: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ
آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، وزبر الحديد: هي قطعه،
والقطر: النحاس، وقيل: الحديد المذاب.
والحاصلُ: أنَّ ذا القرنين
استعان بالحديد؛ بل وعلم مِن شأنه صنعة أنتجتْ هذا السد المانع؛ فإنه أوقد
على الحديد حتى جعله نارًا، ثم أفرغ عليه القطر حتى تماسَكَ، وهذا هو
الواجب على المسلمين أن يعلموا من صنعة الحديد ما يهيئهم للسبق والمغالبة،
وكل زمان له صنعته.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - :
"قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ
اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، فذكر أنه أنزل الحديد أيضًا
ليتبين مَن يجاهِد في سبيل الله بالحديد"[9]، والله أعلم.
المبحث الخامس
ارتباط السورة بما قبلها وبما بعدها
قال
البقاعي - رحمه الله -: "ولما ختمت الواقعة بالأمر بتنزيهه عما أنكره
الكفرة منَ البعث، جاءتْ هذه لتقرير ذلك التنزيه، وتبيينه بالدليل
والبرهان، والسيف والسنان؛ فقال - تعالى - كالتعليل لآخر الواقعة: {سبح}.
وقال السيوطي - رحمه الله -: "قال بعضهم وجه اتصالها بالواقعة، أنها قدمت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به".
قلتُ:
وتمامه أن أول الحديد واقع موقع العلة؛ للأمر به، وكأنه قيل: {فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٩٦]؛ لأنه: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 1][10].
وأما ارتباطها
بما بعدها، فقد قال السيوطي - رحمه الله -: "أقول: لما كان في مطلع الحديد
ذكر صفاته الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]،
افتتح هذه – أي: المجادلة - بذِكْر أنه سمع قول المجادلة، التي شكت إليه -
صلى الله عليه وسلم - ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها - حين نزلت:
"سبحان الذي وسع سمعه الأصوات إني لفي ناحية البيت لا أعرف ما تقول"[11].
وأمرٌ
آخر، وهو أن سورة الحديد في غرضها الأساس، وهو الدعوة للإيمان والإنفاق
وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، أعقبتها سورة المجادلة، التي غرضها
الأساس بيان الرقابة الإلهية على العبد في جميع أحواله، في المسموع
والمبصر، وفي دقائق أحواله من الجهر والسر والنجوى، في كل أحواله، وكأن
سورة المجادلة تقرر غرض سورة الحديد، وتؤكده ببيان الرقابة الإلهية
الشاملة لجميع شؤون العبد، والله أعلم.
المبحث السادس
أغراض السورة المختلفة
وسنتناول هذه الأغراض بالدراسة - بإذن الله - من خلال عدة محاور:
المحور الأول: علاقة هذه الأغراض بالغرض الأساس للسورة.
المحور الثاني: وجه ارتباط هذه الأغراض ببعضها.
المحور الثالث: السر في ترتيب هذه الأغراض.
المحور الرابع: المقررات اللغوية والبيانية في هذه الأغراض، ووجه ارتباطها بالغرض الأساس للسورة.
وعليه؛ فإننا سوف نقسم السورة إلى مقاطع هي أغراض السورة، وسوف ندرسها مقطعًا مقطعًا من خلال المحاور المذكورة آنفًا.
يتبع ..
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] "مجموع الفتاوى" 16/537 - 538.
[2] "الجامع لأحكام القرآن" 17/235.
[3] "التحرير والتنوير" 27/353.
[4]
"صحيح مسلم"، كتاب التفسير، باب في قوله - تعالى -: {أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}
[الحديد: 16] برقم (3027).
[5] "مجموع الفتاوى" 7/231.
[6] تفسير
ابن كثير 8/5، والحديث في المسند (4/128)، وسنن أبي داود برقم (5057)،
وسنن الترمذي برقم (3406)، وقال: حسن غريب، وفي "السنن الكبرى"؛ للنسائي
6/179، برقم (10549)، ورواه الدارمي بإسناد جيد مرسلاً عن خالد بن معدان؛
إذ ليس فيه إلا معاوية بن صالح بن حدير، وقد أخرج له مسلم، ووثَّقه غير
واحد انظر: "تهذيب التهذيب" 10/189.
[7] "في ظلال القرآن" 6/3475.
[8] "السياسة الشرعية" ص 24.
[9] "الجواب الصحيح" 2/241.
[10] "أسرار ترتيب القرآن" ص 135.
[11] السابق ص 136.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
فهد الشتوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه وقفات مع سورة الحديد أقدمها بين يدي القارئ الكريم لعل الله أن ينفع بها.
من
المعلوم أنه لا يمكن الإلمام بتفسير هذه السورة كله، في مثل هذا البحث
الميسر، على أنَّ من معاني هذه السورة ما هو معلوم لا يحتاج إلى بيان،
شأنها في ذلك شأن كثير مِن آي القرآن.
وعليه؛ فإنَّ التركيز سيكون
على محاوَلة معرفة الغرض الأساس للسورة، ومِن ثَمَّ معرفة الأغراض الأخرى
في السورة، ومحاولة الربط بين أجزائها، وهو أمرٌ ليس بالميسور، فهو يحتاج
إلى إِعمال ذهن، كما أنه يحتاج إلى الإلمام بالتفسير التحليلي للسورة؛ حتى
ينتج تمييز الأغراض، ومعرفة الربط.
وأمرٌ هو منَ الأهمية بمكان،
ولا ينبغي التغافُل عنه، وهو أنَّ القرآن نَزَلَ بلسانِ العرب، وهذا معلوم
في الجملة، وإنما الغَرَض هنا هو أنه ينبغي للمُتَخَصِّص في التفسير أن
يستنطقَ اللغة؛ حتى تخرجَ له المعاني الجزلة، وتستبين الهدايات
الرَّبَّانيَّة منَ الآيات.
ولقدِ اهتمَّ العلماء بذلك، حتى تفرسوا
في الألفاظ بحثًا عن المعاني؛ بل وغاصوا في الدقيق من ذلك؛ كغوصهم في
الجليل منه؛ كل ذلك لأنهم يعلمون جلالة ما يعالجونه من تفسير آي القرآن؛
ولأنهم يعلمون أيضًا أنَّ هذا هو الطريق لمعرفة المعاني، واستخراج مكنونات
الكتاب العزيز.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -
مُتَحَدِّثًا عنِ القرآن: "ولا يذكر فيه لفظًا زائدًا إلا لمعنى زائد، وإن
كان في ضِمن ذلك التوكيد، وما يجيء من زيادة اللفظ في مثل قوله: {فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩]، وقوله: {عَمَّا
قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: ٤٠]، وقوله: {قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣]، فالمعنى مع هذا أزيد منَ المعنى بدونه،
فزيادة اللفظِ لزيادة المعنى، وقوة اللفظ لقوة المعنى، والضم أقوى منَ
الكسر، والكسر أقوى من الفتح.
ولهذا يقطع على الضم لما هو أقوى؛
مثل: "الكُرْه"، و"الكَرْه"، فالكُره هو الشيء المكروه؛ كقوله: {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، والكَرْه
المصدر؛ كقوله: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: 53]، والشيءُ الذي في
نفسه مَكْروه أقوى مِن نَفْس كراهة الكَارِه، وكذلك "الذِّبْح"،
و"الذَّبْح"، فالذِّبْح: المذبوح؛ كقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧]، والذَّبْح: الفِعْل، والذِّبْح: مَذْبُوح، وهو
جسد يُذْبَحُ، فهو أكمل من نفس الفعل"[1].
وأما تناول هذه السورة، فسيكون في عدَّة مباحث، كما يلي:
المبحث الأول: نزولها.
المبحث الثاني: فضلها.
المبحث الثالث: غرض السورة الأساس.
المبحث الرابع: اسم السورة، وعلاقته بغرضها الأساس.
المبحث الخامس: ارتباط السورة بما قبلها، وبما بعدها.
المبحث السادس: أغراض السورة المختلفة، وفيه عدة محاور:
المحور الأول: علاقة هذه الأغراض بالغرض الأساس للسورة.
المحور الثاني: وجه ارتباط هذه الأغراض ببعضها.
المحور الثالث: السر في ترتيب هذه الأغراض.
المحور الرابع: المقررات اللغوية والبيانيَّة في هذه الأغراض، ووجه ارتباطها بالغرض الأساس للسورة.
ثم الخاتمة، وفهرس المصادر والمراجع، ثم فهرس المحتويات، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
المبحث الأول
نزولها
قال القرطبي - رحمه الله -: "سورة الحديد مدنيَّة في قول الجميع"[2].
إن ما ذكره القرطبي غير مسلم، فقد وقع فيها اختلاف: هل هي مكيَّة أو مدنية؟
قال ابن عاشور - رحمه الله -: "وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي، لم يختلف مثله في غيرها"[3].
وأكثر
المفسرين على أنها مدنيَّة، كما أنَّ طابع السورة هو الطابع المدني،
ومواضيعها تشهد بهذا، فقد ذُكِرَ فيها الفتح، وأحوال الناس قبله وبعده،
وهذا الفتح سواءٌ قيل إنه فتح مكة، أم صلح الحديبية ظاهرٌ في مدنية هذه
الآيات، وكذا ذكر أحوال المنافقين.
ولكن أشكل على هذا ما رواه
مسلمٌ في صحيحه، عن عبدالله بن مسعود، أنه قال: "ما كان بين إسلامنا وبين
أن عاتبنا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ
تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] إلا أربع سنين"[4].
وإسلام ابن مسعود متقدِّم، وعليه فتكون هذه الآية المذكورة قد عوتبوا بها قبل الهجرة، فتكون مكية قطعًا.
ولعلَّ الجواب عن هذا أن تكونَ هذه الآية آية مكية في سورة مدنية، وهذا هو الجواب في مثل هذا الضرب منَ الآيات.
ولكن
يبقى التنبيه إلى أنَّ هذه الآية المكية لم توضَعْ في هذه السورة المدنية
إلا لمناسبةٍ مقصودةٍ، وهذه المناسبةُ هي موافقتها لغرض السورة على ما
يأتي - بإذْن الله.
قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "وهذه السورة مدنيَّة باتِّفاق، لم يخاطبْ بها المشركينَ بمكة"[5]، والله أعلم.
المبحث الثاني
فضلها
قال
ابن كثير - رحمه الله -: "قال الإمام أحمد: حَدَّثنا يزيد بن عبدربه،
حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن
ابن أبي بلال، عن عِرْبَاض بن سارية، أنه حدثهم: أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: ((إن فيهن آية أفضل من
ألف آية))، والآية المشار إليها في الحديث هي - والله أعلم - قوله: {هُوَ
الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} [الحديد: ٣]"[6].
المبحث الثالث
غرض السورة الأساس
إن
المتأمل في هذه السورة ليلوح له أنها قد اعتنتْ بأمرٍ مهمٍّ بالغ الأهمية
في حياة الأمة المسلمة، ألا وهو أمر الإنفاق في سبيل الله، وهذا الغَرَض
النبيل لا يمكن أن يَتَمَثَّل في حياة الفرد المسلم، وكذا في حياة الجماعة
المسلمة؛ إلا بالإيمان الباعث الأكبر على هذا الغرض الكبير؛ ولهذا فقد قرن
الإنفاق بالإيمان في سياق هذه السورة، حتى بدا هذان الغرضان كأنهما غرض
واحد.
على أنَّ هذين الأمرين مرادان لشأنٍ آخر، هو تحقيق التجرُّد الكامل لله - سبحانه وتعالى - والبَذْل في سبيله.
وهذا
الغرض قد جاء مصرَّحًا به في أول مقطع بعد مقطع الافتتاح، وهو قوله -
تعالى -: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ
أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
على أنَّ مَقْطع الافتتاح إنما كان
كالمهيئ لهذا الغرض الجليل، فقد قررتِ الآيات المفتتح بها عظمة الباري،
بتسبيح المخلوقات له، وبَيَّنَت عظيم ملكه، وإحاطته الشاملة للزمان
والمكان، فهو الأول ولا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا
شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه، وبَيَّنَت معيَّته الشاملة لخلقه،
وعظيم سلطانه وقهره، ثم دعتِ العباد إلى الإيمان والإنفاق.
وهذا
الغرض ملحوظٌ في جميع السورة، فإن الآيات يوم أن دعتْ إلى هذا الغرض
انتقلتْ منه إلى جزاء من حقق هذا الغرض؛ فقال - تعالى -: {يَوْمَ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]، وهذا
الجزاء معلومٌ أنه يُقَرِّر هذا الغرض؛ ولهذا فإنه ذكر بعده الأطراف
المناوِئة لهذا الغرض، وذكر جزاءها، ثم حثَّ المؤمنين على الخشوع والخضوع،
بل واستحثهم على ذلك، حتى كأنهم قد أبطؤوا.
قال سيد قطب - رحمه
الله -: "هذه السورة بِجُملتها دعوةٌ للجماعة الإسلامية؛ كي يتحقق في
ذاتها حقيقة إيمانها، هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا
تضنُّ عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئًا، لا الأرواح ولا الأموال، ولا
خلجات القلوب، ولا ذوات الصدور، وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس
ربانيةً، بينما تعيش على الأرض، موازينها هي موازين الله، والقيم التي
تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين، كما أنها هي
الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل
عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه"[7].
ثم دعتْ صراحًة إلى
هذينِ الغرضين مرة أخرى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ
كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد: 18 - 19]، وكأنها كررتْ ذلك للتأكيد،
والحق أنه تأسيس لا تأكيد، كما يأتي بيانه في موضعه - بإذن الله.
وفي قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ} قراءتان، تقرران هذا الغرض الأساس في السورة على ما يأتي بيانه كذلك في موضعه - بإذن الله.
ثم
انتقلتِ الآيات إلى التزهيد في الدنيا؛ لقطْع العوائق الدنيوية، التي تجذب
الإنسان إليها بحكم الجِبِلَّة البشرية، وعالجتها الآيات بأسلوب متين، لا
يترك بعدها لطالب الحق إلا أن يتخلَّص من رهق التراب، وينطلق إلى رحب
السماء.
والمقطع الأخير من السورة يُبَيِّن الحل الحاسم لجميع
طوائف المجتمع، يُبَيِّن الواجب على المؤمنين منَ الأخذ بالكتاب، وإقامة
العدل بالميزان، والواجب عليهم كذلك من أخذ القوة في مقارعة الأعداء
بالحديد، آلة الحرب وذخر المقاتل، فالمؤمن واجبٌ عليه مجاهدة المنافق،
ومجاهَدة الكافر، يجاهد بالكتاب والحجة، ويجاهد بالحديد، وكل ذلك له حدوده
وضوابطه الشرعية، والآيات من خلال ذلك تُبَيِّن حقيقة الدعوة، من لدن نوح
- عليه السلام - أول الرسل إلى الأرض، معرِّجة على إبراهيم - عليه السلام
- الخليل، وهو ونوح أبوا الأنبياء، لم يبعث نبي إلا من ذريتهما، ثم تختم
بذكر عيسى - عليه السلام - وحال قومه في تحقيق العبادة، وما حباهم الله به
منَ الرأفة والرحمة، وما ابتدعوه منَ الرَّهبانيَّة، التي كانوا أول مَن
تنصل منها، والآيات في ذلك تحدد المعالِم الصحيحة للأمة المحمدية، التي
تختم السورة ببيان أنها أفضل الأمم، وبأنها قد سبقت الأمم، بما أنعم الله
عليها من الإيمان بالله، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما أكرمها به
من الأجر المضاعف؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:
28].
وهذا الفضْل منَ الله يهبه لمن يشاء، وحتى يعلم أهل الكتابين أنَّ الفضْل بيده - سبحانه - وأن الله لا يقبل دينًا سواه، والله أعلم.
المبحث الرابع
اسم السورة وعلاقته بغرضها الأساس
وهذه السورة اسمها الحديد، والحديد معدن معروف، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في خمسة مواضع:
قال
الله - تعالى -: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]،
وقال تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ
آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، وقال - تعالى -:
{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21]، وقال - تعالى -: {وَلَقَدْ
آَتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10]، والخامسة آية الحديد
هذه.
والحديدُ في هذه الآيات إنما أتى في شأن القوة؛ ففي الإسراء
يرد على منكري البعث بأنه سيبعثهم، وإن كانوا يستطيعون أن يمتنعوا من ذلك،
فليكونوا ما شاؤوا منَ الخلق العظيم القوي، من الحجارة أو الحديد، أو غير
ذلك مما هو عظيم في نفوسهم، فالله سيعيدهم.
وفي الكهف استعان ذو القرنين بالحديد في بناء السد بين يأجوج ومأجوج وبين الناس.
وفي سورة الحج ذكر الحديد أداة لتعذيب المجرمين في نار جهنم.
وفي
سبأ ذكر الله الحديد ممتنًّا به على نبي الله الكريم داود - عليه السلام -
وأنه ألانه له؛ ليعمل به من آلات الحرب، الدروع وغيرها.
وقد علمنا
أنَّ سورة الحديد معنيَّة بالأمر بالإيمان والإنفاق، وإعداد العدَّة
للجهاد في سبيل الله، حتى بينت تفاضل الناس باعتبار تفاضُلهم في تحقيق هذا
الغرض؛ {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ
مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ
مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ
الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، وقد بينت
السورة في ختامها المقصود من إرسال الرسل، وإنزال الكُتُب، وهو "أن يقومَ
الناسُ بالقسط في حقوق الله، وحقوق خلقه، ثم قال - تعالى -: {لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فمن عدل عن
الكتاب قوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف"[8].
وكان
منَ المعلوم أن مِن أعظم ما تُعَدُّ به العدة، وتنفق فيه الأموال: هو عدة
القتال، وأعظم عتاد القتال إنما هو الحديد، فالحديد آلة القوة قديمًا
وحديثًا.
ولهذا كانتِ المنة على نبي كريم من أنبياء الله بأن ألان
الله له الحديد؛ ليعمل آلات الحرب، وهو نبي الله داود - عليه السلام –
فقال – تعالى -: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ
أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ
سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 10، 11]، وكما قال أيضًا في آية أخرى:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ
فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80].
وهذه مع أنها منة من
الله فإنها أيضًا حجة على المؤمنين، بأنهم لا بد أن يعدوا العدة للجهاد في
سبيل الله، وأن يأخذوا من أسباب الصناعة؛ كما أخذ نبي الله داود، وهو -
عليه السلام - قدوة، أمرنا بالاقتداء به، كما هو الأمر بذلك لنبينا - صلى
الله عليه وسلم -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90].
وداود - عليه السلام - قد
ألان الله له الحديد، والمسلمون لو سعوا في إعداد العدة، فإنَّ الله يسخر
لهم، ويسهل ما صعب، وقد ذكر الله أيضًا في القرآن قصة ذي القرنين، وذكر
فيها ما أخذه هذا العبد الصالح منَ الأسباب لدفع ضرر قوم أشرار، وهم يأجوج
ومأجوج، وكان الحديد من أعظم الأسباب التي اتخذها ليجعل سدًّا بين الناس
وبين هؤلاء المفسدين، وهو سدٌّ حبسهم الله به حتى يأتي اليوم الموعود؛ كما
قال - تعالى -: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ
آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، وزبر الحديد: هي قطعه،
والقطر: النحاس، وقيل: الحديد المذاب.
والحاصلُ: أنَّ ذا القرنين
استعان بالحديد؛ بل وعلم مِن شأنه صنعة أنتجتْ هذا السد المانع؛ فإنه أوقد
على الحديد حتى جعله نارًا، ثم أفرغ عليه القطر حتى تماسَكَ، وهذا هو
الواجب على المسلمين أن يعلموا من صنعة الحديد ما يهيئهم للسبق والمغالبة،
وكل زمان له صنعته.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - :
"قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ
اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، فذكر أنه أنزل الحديد أيضًا
ليتبين مَن يجاهِد في سبيل الله بالحديد"[9]، والله أعلم.
المبحث الخامس
ارتباط السورة بما قبلها وبما بعدها
قال
البقاعي - رحمه الله -: "ولما ختمت الواقعة بالأمر بتنزيهه عما أنكره
الكفرة منَ البعث، جاءتْ هذه لتقرير ذلك التنزيه، وتبيينه بالدليل
والبرهان، والسيف والسنان؛ فقال - تعالى - كالتعليل لآخر الواقعة: {سبح}.
وقال السيوطي - رحمه الله -: "قال بعضهم وجه اتصالها بالواقعة، أنها قدمت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به".
قلتُ:
وتمامه أن أول الحديد واقع موقع العلة؛ للأمر به، وكأنه قيل: {فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٩٦]؛ لأنه: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 1][10].
وأما ارتباطها
بما بعدها، فقد قال السيوطي - رحمه الله -: "أقول: لما كان في مطلع الحديد
ذكر صفاته الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]،
افتتح هذه – أي: المجادلة - بذِكْر أنه سمع قول المجادلة، التي شكت إليه -
صلى الله عليه وسلم - ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها - حين نزلت:
"سبحان الذي وسع سمعه الأصوات إني لفي ناحية البيت لا أعرف ما تقول"[11].
وأمرٌ
آخر، وهو أن سورة الحديد في غرضها الأساس، وهو الدعوة للإيمان والإنفاق
وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، أعقبتها سورة المجادلة، التي غرضها
الأساس بيان الرقابة الإلهية على العبد في جميع أحواله، في المسموع
والمبصر، وفي دقائق أحواله من الجهر والسر والنجوى، في كل أحواله، وكأن
سورة المجادلة تقرر غرض سورة الحديد، وتؤكده ببيان الرقابة الإلهية
الشاملة لجميع شؤون العبد، والله أعلم.
المبحث السادس
أغراض السورة المختلفة
وسنتناول هذه الأغراض بالدراسة - بإذن الله - من خلال عدة محاور:
المحور الأول: علاقة هذه الأغراض بالغرض الأساس للسورة.
المحور الثاني: وجه ارتباط هذه الأغراض ببعضها.
المحور الثالث: السر في ترتيب هذه الأغراض.
المحور الرابع: المقررات اللغوية والبيانية في هذه الأغراض، ووجه ارتباطها بالغرض الأساس للسورة.
وعليه؛ فإننا سوف نقسم السورة إلى مقاطع هي أغراض السورة، وسوف ندرسها مقطعًا مقطعًا من خلال المحاور المذكورة آنفًا.
يتبع ..
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] "مجموع الفتاوى" 16/537 - 538.
[2] "الجامع لأحكام القرآن" 17/235.
[3] "التحرير والتنوير" 27/353.
[4]
"صحيح مسلم"، كتاب التفسير، باب في قوله - تعالى -: {أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}
[الحديد: 16] برقم (3027).
[5] "مجموع الفتاوى" 7/231.
[6] تفسير
ابن كثير 8/5، والحديث في المسند (4/128)، وسنن أبي داود برقم (5057)،
وسنن الترمذي برقم (3406)، وقال: حسن غريب، وفي "السنن الكبرى"؛ للنسائي
6/179، برقم (10549)، ورواه الدارمي بإسناد جيد مرسلاً عن خالد بن معدان؛
إذ ليس فيه إلا معاوية بن صالح بن حدير، وقد أخرج له مسلم، ووثَّقه غير
واحد انظر: "تهذيب التهذيب" 10/189.
[7] "في ظلال القرآن" 6/3475.
[8] "السياسة الشرعية" ص 24.
[9] "الجواب الصحيح" 2/241.
[10] "أسرار ترتيب القرآن" ص 135.
[11] السابق ص 136.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
سهر الليالى- المدير العام
- عدد الرسائل : 2727
نقاط : 2028
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
رد: وقفات مع سورة الحديد (1)
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
ابو نواس- عضو فضى
- عدد الرسائل : 282
نقاط : 485
تاريخ التسجيل : 11/11/2008
رد: وقفات مع سورة الحديد (1)
شكرا وبارك الله فيك اخت فرح
اشرف
اشرف
ashraf- ادارى
- عدد الرسائل : 2776
نقاط : 2188
تاريخ التسجيل : 05/07/2008
رد: وقفات مع سورة الحديد (1)
جزاك الله خيرا
tomatom- عضو ذهبى
- عدد الرسائل : 450
نقاط : 456
تاريخ التسجيل : 26/09/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 9:57 pm من طرف seif
» البيجامات الشتويه
الخميس نوفمبر 14, 2013 1:44 pm من طرف نفيسة النكادي
» تعالوا نتعلم التطريز خطوة بخطوة../ غرزة الظل
الثلاثاء أكتوبر 01, 2013 12:24 pm من طرف الوفاء اخلاص
» فيديو.. لحظة إطلاق الإخوان الخرطوش علي متظاهري الإسكندرية - See more at: http://almogaz.com/news/politics/2013/06/29/981646#sthash.LM2ITjLz.dpuf
السبت يونيو 29, 2013 11:41 am من طرف ashraf
» عاجل| أجهزة الأمن تلقي القبض على 6 مسلحين من التيار الإسلامي بالإسكندرية والقاهرة والدقهلية - See more at: http://almogaz.com/news/politics/2013/06/28/980720#sthash.7YiLhZQE.dpuf
الجمعة يونيو 28, 2013 6:57 pm من طرف ashraf
» عودة القناصة بالآلي حول مقر الإخوان بالإسكندرية
الجمعة يونيو 28, 2013 6:55 pm من طرف ashraf
» عودة القناصة بالآلي حول مقر الإخوان بالإسكندرية
الجمعة يونيو 28, 2013 6:43 pm من طرف ashraf
» تحميل برنامج خاشع المؤذن للجوال نوكيا n73 - n95 - n70
الإثنين ديسمبر 10, 2012 9:55 am من طرف waleedclim
» الديكور الخارجي والحدائق ...
الخميس نوفمبر 15, 2012 1:17 pm من طرف steam84