بحـث
المواضيع الأخيرة
الجزء الثالث المنتظر من فيلم الكوميديا والرومانسية "عمر وسلمى 3 " للنجم تامر حسني ومي عزالدين بحجم 466 ميجا
الإثنين فبراير 13, 2012 8:50 pm من طرف smsm
[size=21]فيلم[/size]
عمر و سلمى 3
SCR
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كالعادة وزي ما عودناكم وبعد عرضه مباشرة
باعلى صوت وصورة
[size=12]الجزء ده كوميدي جدا وحلو اوووي
انصح الجميع بمشاهدته
[/size]
ملحوظة : الفيلم كامل من اول دقيقة لحد اخر دقيقة ومدته
1 ساعة و 36 دقيقة
قصة …
عمر و سلمى 3
SCR
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كالعادة وزي ما عودناكم وبعد عرضه مباشرة
باعلى صوت وصورة
[size=12]الجزء ده كوميدي جدا وحلو اوووي
انصح الجميع بمشاهدته
[/size]
ملحوظة : الفيلم كامل من اول دقيقة لحد اخر دقيقة ومدته
1 ساعة و 36 دقيقة
قصة …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 0
فيلم الكوميديا " بنات العم " بطولة ثلاثي الضحك ابطال فيلم "سمير وشهير وبهير" بحجم 437 ميجا على اكثر من سيرفر
الإثنين فبراير 13, 2012 8:26 pm من طرف كامل
[size=21]فيلم[/size]
بنات العم
DVDSCR
في الوقت الي كل الناس لسة بترفع فيه اعلان الفيلم
جبنالكم الفيلم كامل من اول ثانية لاخر تتر
( الفيلم ده بجد ضحك للركب )
EnJoy
قصة الفيلم
الحديث عن اللعنات
التي تصيب الإنسان كثيرة وغريبة واغربها ما حدث بفيلم (بنات العم) حيث
ثلاث صديقات تصبهن لعنة غريبة فيتحولن إلى رجال....وبين الصدمة والوعي
يحاولن طوال احداث الفيلم فك …
بنات العم
DVDSCR
في الوقت الي كل الناس لسة بترفع فيه اعلان الفيلم
جبنالكم الفيلم كامل من اول ثانية لاخر تتر
( الفيلم ده بجد ضحك للركب )
EnJoy
قصة الفيلم
الحديث عن اللعنات
التي تصيب الإنسان كثيرة وغريبة واغربها ما حدث بفيلم (بنات العم) حيث
ثلاث صديقات تصبهن لعنة غريبة فيتحولن إلى رجال....وبين الصدمة والوعي
يحاولن طوال احداث الفيلم فك …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 0
بإنفراد تام أسطورة الكوميديا عادل إمام فى فيلم العيد وقبل العيد زهايمير بجودة خرافية وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 11:40 am من طرف ashraf
فيلم العيد
بجودة روووعـــة
ولن تجدها الا هنا وفقطـــ
عادل امام
فى
زهايمــــــــــر
NEAR DVD
الفيلم كامل من البداية للنهايــة ...
والصورة ثابتة وكاملة طوال الفيلم ,,,
والصوت واضح وكويس ..
فيما عدا اول دقيقة فقط لخلل الصوت داخل السينما نفسها
PosTer
بجودة روووعـــة
ولن تجدها الا هنا وفقطـــ
عادل امام
فى
زهايمــــــــــر
NEAR DVD
الفيلم كامل من البداية للنهايــة ...
والصورة ثابتة وكاملة طوال الفيلم ,,,
والصوت واضح وكويس ..
فيما عدا اول دقيقة فقط لخلل الصوت داخل السينما نفسها
PosTer
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
الفيلم الكوميدى الديكتاتور - نسخة فيديو سي دي فقط 236ميجا - على عدة سيرفرات
الجمعة أكتوبر 22, 2010 5:16 pm من طرف العنتيل
قصه الفيلم
تدور أحداث فيلم الديكتاتور في إطار سياسي ساخر, حول حاكم يبطش بمن يرفض أو يعترض على أوامره, يخشاه الجميع بسبب دكتاتوريته الشديدة .
تدور بينه و بين أبنائه التوأم العديد من المواقف و الأحداث التي تتناول أزمات المواطن العادي إلى أن تحدث مفاجأة عنيفة تقلب الأمور رأسا على عقب
بطوله
خالد سرحان - حسن حسنى
مايا نصرى - عزت ابو عوف
ادوارد - …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
مجموعة من اقوي افلام نجم الكوميديا الرائع محمد هنيدي ( 12 فيلم ) نسخ DvDRip على اكثر من سيرفر ..
الأربعاء أكتوبر 20, 2010 11:06 am من طرف tete
مجموعة من اقوي افلام نجم الكوميديا الرائع محمد هنيدي 12 فيلم
- - - - - - - -
اسماعيلية رايح جاي
RapidShare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
________________________
sendspace
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
- - - - - - - -
اسماعيلية رايح جاي
RapidShare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
________________________
sendspace
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
فيلم العيد :: الرجل الغامض بسلامته :: CaM H.Q :: جودة عالية Rmvb :: نسختين 300 ميجا + 700 ميجا :: تحميل مباشر وعلى أكثر من سيرفر
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 3:42 pm من طرف tete
فيلم العيد
# الرجل الغامض بسلامته #
القصة
شاب ( هاني رمزي) لا يجد مجال للوصول إلى النجاح إلا عن طريق ممارسة الكذب ، حيث يعتبر أن الكذب هو خير وسيلة للنجاح.
ورغم عمله كموظف في القطاع الخاص إلا أنه يراسل عدداً من الجهات الحكومية يطالبها بحل عدد من الأزمات العامة - مثل الرغيف والبطالة وأزمة الإسكان - وعندما تحدث المفاجأة و يصبح مشهوراً …
# الرجل الغامض بسلامته #
القصة
شاب ( هاني رمزي) لا يجد مجال للوصول إلى النجاح إلا عن طريق ممارسة الكذب ، حيث يعتبر أن الكذب هو خير وسيلة للنجاح.
ورغم عمله كموظف في القطاع الخاص إلا أنه يراسل عدداً من الجهات الحكومية يطالبها بحل عدد من الأزمات العامة - مثل الرغيف والبطالة وأزمة الإسكان - وعندما تحدث المفاجأة و يصبح مشهوراً …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
فيلم الرعب المصرى ايناب بجوده dvdrip 200 ميجا برابط واحد على اكثر من سيرفر
الخميس مايو 13, 2010 7:47 pm من طرف احساس غريب
انياب
تتعطل سيارة بشاب وشابة فى ليلة ممطرة عند أحد البيوت فيدخلانه طلباً
للنجدة
ويكتشفان أنه منزل دراكولا ويعرض الفيلم أساساً الشخصيات المستغلة
مثل السباك والجزار أما شخصية دراكولا ليست إلا رمز لهذه الشخصيات المستغلة
على الحجار
منى جبر
احمد عدوية ـ دراكولا
طلعت زين
عهدى صادق ـ شلف
حسن الإمام
rapidshare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
تتعطل سيارة بشاب وشابة فى ليلة ممطرة عند أحد البيوت فيدخلانه طلباً
للنجدة
ويكتشفان أنه منزل دراكولا ويعرض الفيلم أساساً الشخصيات المستغلة
مثل السباك والجزار أما شخصية دراكولا ليست إلا رمز لهذه الشخصيات المستغلة
على الحجار
منى جبر
احمد عدوية ـ دراكولا
طلعت زين
عهدى صادق ـ شلف
حسن الإمام
rapidshare
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
…
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 2
اقوى مسلسلات رمضان - الكبير - احمد مكى - الحلقة 15 الاخيرة - على اكثر من سيرفر
الخميس سبتمبر 02, 2010 9:38 pm من طرف tete
تدور الاحداث فى احدى
قرى الصعيد ،عمدة القرية والملقب بالكبير قوى فى واخر ايامه يصارع الموت
ويحكى لابنه (الكبير) وهو وريثه الشرعى وشخص مفترى يستغل مكانة والده وهو
ينتظر اليوم الذى يحكم فيه البلد كعمدة بعدموت والده
يفاجئه الاب قبل موته بان له أخ توأم يعيش فى USA وان له 50% من الورث
الذى سوف يتركه له وفى العمودية كمان ،كما يحكى له كيف تعرف على والدته فى
احدى البارات وكيف انجبته هو وأخوه …
قرى الصعيد ،عمدة القرية والملقب بالكبير قوى فى واخر ايامه يصارع الموت
ويحكى لابنه (الكبير) وهو وريثه الشرعى وشخص مفترى يستغل مكانة والده وهو
ينتظر اليوم الذى يحكم فيه البلد كعمدة بعدموت والده
يفاجئه الاب قبل موته بان له أخ توأم يعيش فى USA وان له 50% من الورث
الذى سوف يتركه له وفى العمودية كمان ،كما يحكى له كيف تعرف على والدته فى
احدى البارات وكيف انجبته هو وأخوه …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 1
حصريآ : فيلم صفر - واحد نسخه vcd ونسخه DVD بأعلى جوده على اكثر من سيرفر
الأحد مايو 30, 2010 2:19 pm من طرف tooooot
Film
One - Zero
VCD &
DVD
--------
DVD
-------------
VCD
---------------------
معلومات اكتر عن
الفيلم
سيدة تبحث
عن حياتها من جديد من خلال طلاق معلق في المحاكم ..فهل تفوز السيدة
بحياتها
كما
يتناول الفيلم قصة حياة عدة أشخاص وتتزامن تلك القصص مع بطولة الأمم
الأفريقية الكروية
أثار
الفيلم …
One - Zero
VCD &
DVD
--------
DVD
-------------
VCD
---------------------
معلومات اكتر عن
الفيلم
سيدة تبحث
عن حياتها من جديد من خلال طلاق معلق في المحاكم ..فهل تفوز السيدة
بحياتها
كما
يتناول الفيلم قصة حياة عدة أشخاص وتتزامن تلك القصص مع بطولة الأمم
الأفريقية الكروية
أثار
الفيلم …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 3
حروف في حق هذا العلامة : الشيخ أبو إسحاق الحويني
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حروف في حق هذا العلامة : الشيخ أبو إسحاق الحويني
أيها الأحبة
لم نعتاد على تقديس الأشخاص فهذا منهج مختل
فالاشخاص يا سادة يصيبون ويخطئون ويجيئون ويروحون ويموتون
ويظل هذا الدين قائما بنا أو بغيرنا
لكن ما الجديد
الجديد
أننا بصدد الحديث عن بعض من نحسبهم مخلصين ولا نزكي على الله أحد
فأعمالهم تتحدث عنهم
هم على درب الدعوة منذ عقود
ما باعوا يوما دينهم
وما بدلوا يوما ما هم عليه
وهانحن اليوم نتحدث عن واحد منهم
من هؤلاء الرجال وأقول الرجال
فنحن في زمن قل فيه الرجال
نتحدث عن واحد في درب الدعوة إلى الله منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما
كرس جل جهده للزب عن هذا الدين ضد من؟؟
ضد المدلسين والمميعين وأهل البدع
فهو واحد من علماء الحديث
كنت وأنا أحقر من أن أتحدث عن نفسي
عندما كنت في المرحلة الثانوية كنت لا أسمع له برغم وجود دروس كثيرة له أمام عيني
فكنت أفضل غيره لسببين
الأول أني كنت لا أفهم كثيرا مما يقول
والثاني أني لم أكن أنجذب لأسلوبه
وكان ليا أخ في الله يكبرني سناً كان لا يسمع غيره
فكنت أتعجب
حتى جاء يوم
وعرفت قيمة هذا العالم العلامة
هذا الرجل الذي يحب وأعني هذه الكلمة يحب الله وسوله وصحابته
وكأنه يعيش بينهم ولم لا وهو محدث
هذا الرجل الذي يحترق قلبه ليل نهار لما يحدث يوميا من سب للصحابة
وتمكين للقوانين الوضعية
وغيرها من الأمور التي يحترق لها فؤاد كل مؤمن يغار على هذا الدين
دراسته الأصلية كانت بكلية الألسن
قسم اللغة الأسبانية
وبعد أن أنهى دراسته غادر بلادنا لطلب العلم على يد علم من أعلام علم الحديث
حتى زكاه هذا العلم
ثم عاد لبلاده مرة أخرى ليبدأ رحلته في درب الدعوة إلى الله
إنه العلامة
أبو إسحاق الحويني
وهذه بعض الكلمات تحكي عن مقتطفات من مشوار طلبه للعلم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالي من شرور أنفسنا
، و سيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالي ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء : 1] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً} [ الأحزاب : 70، 71 ]
أما بعـــــد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشرالأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إباهيم وعلى آل
إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد.
(( فالحمد لله الذي لا يؤدَّى شكر نعمةٍ من نعمه، إلا بنعمة منه توجب على مؤدى
ماضى نعمه بأدائها : نعمةً حادثة يجبعليه شكره بها ، ولا يبلغ الواصفون كُنه َ
عظمته ، الذي هو كما وصف نفسه ، وفوق ما يصفُهُ به خلقُهُ ، أحمده حمدا كما
ينبغي لكرم وجهه عزَّ وجلَّ ، وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به ،
وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه ، وأستغفره لما أزولفت وأخرت ،
استغفار من يُقرُّ بعبوديته ، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ، ولا ينجيه منه إلا هو ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد عبده و رسوله .
فنسأل الله المبتدئَ لنا بنعمة قبل استحقاقها ، المديمها علينا مع تقصيرنا في
الإتيان عليما أوجب به من شكره بها ، الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس ، أن
يرزقنا فهما في كتابه ، ثم سنة نبيه ، وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ، ويوجب لنا
نافلة مزيدة )) (1) .
فإن الله – جل ثناؤه – لما خلق الناس ، ركز في فطرهم محبة الإحسان ، والخضوع له
، كرِهَ لهم الكبر والعلو في الأرض بغير الحق .
فقال جل ثناؤه : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [ الرحمن :
60 ] .
يعني لا ينبغى أن يكون الإحسان إلا من حنسه ، فليس لمن أحسن العمل في الدنيا
إلا الإحسان إليه غي الآخرة .
و ما أجمل فول القائل : ليس هناك حمل أثقل من البر ، من برًكسرفقد اوثقك ، ومن
جفاك فقد أطلقك . فإن أردت إسترقاق إنسان ، فأحسن إليه ، فيكون ذلك مانعا إياه
أن يوصل السيئة إليك .
ومما يدلُّك علي صحة ما أقول من أن محبة الإحسان ، والخضوع لأهله مركوزٌ في فطر
الناس ، حتي الكافر ، ما أخرجه البخاري (5/329-333) ، وأحمد (4/324 ، 329 )
وغيرهما من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، وذكر حديثه في (( صلح الحديبية
)) وفيه :
(( فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثقفي ، فَقَالَ : أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ
بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا : بَلَى ،
قَالَ : أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَهَلْ
تَتَّهِمُونِي ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي
اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ
بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّ
هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ .
قَالُوا : ائْتِهِ . فَأَتَاهُ ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ (2) ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكسر: أَيْ
مُحَمَّدُ ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكسر، هَلْ سَمِعْتَ
بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكسر؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى
فَإِنِّي - وَاللَّهِ ! - لا أرَى وُجُوهًا ، وَإِنِّي لأَرَى أَشَوابًا- وفي
رواية : أوباشا - مِنَ النَّاسِ ، خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكسر.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : امْصُصْ بِبَظْرِ اللاتِ ، أَنَحْنُ
نَفِرُّ وَنَدَعُهُ ؟
فَقَالَ عروة : مَنْ ذَا ؟
قَالُوا : أَبُو بَكْرٍ !
قَالَ : أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكسرعِنْدِي
لَمْ أَجْزِكسربِهَا لأَجَبْتُكسر.. الحديث )) .
و أخرج بعضه : أبو داوود ( 2765) ، والنسائي في (( الكبرى)) . كما في (( أطراف
المزي)) (8/383) . وغيرهما
فانظر – يرحمك الله من مُنصف – قول عروة لأبي بكر ، فما منعه من الرد عليه وقد
بالغ في عيب آلهتهم ، إلا أنه كان أسير الإحسان المتقدم من أبي بكر له .
وقد ورد في رواية ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث أن عروة قال لأبي بكر : ((
لولا يد لم أجزك بها ، ولكن هذه بها )) كأنه قال له : هذه الإساءة منك إلي
آلهتنا قد استوفيت بها جميلك السابق عندي ، فلم يبق لك حسنة تمنعني من الرد فى
قابل إذا أسأت إلىَّ .
وأما من جفاك ، وأساء إليك فما استودع يداً تمنعه من رد السيئة بمثلها و زيادة
، لذلك كان طليقا لا يوقفه شئ .
وإذ الأمر كذلك ، والوفاء سجيةٌ و خُلُقٌ ، فما إعلم أحد – بعد والديً – له
عليً يد مثل شيخنا الشيخ الإمام ، حسنة الأيام ، وريحانة بلاد الشام ، أبى عبد
الرحمن محمد ناصر (3) الدين الألبانى ، ألبسه الله حُلل السعادة و كافأه
بالحسني وزيادة ، إذ الإطلاع علي كتبه كان فاتحة الخير العميم لي ، و أبدأ
الحديث أسوقه من أوًلِهِ .
ففي صيف عام (1395هـ) كنت أصلي الجمعة في مسجد ((عين الحياة)) ، وكان إمام إذ
ذاك ، الشيخ عبد الحميد كشك (4) –حفظه الله تعالي - ، وكان تجار الكتب يعرضون
ألواناً شتى من الكتب الدينية أمام المسجد ، فكنت أطوف عليهم و أنتقي ما يعجبني
عنوانه ، فوقعت عيني يوما علي كتاب عنوانه (( صفة صلاة النبي صلي الله عليه
وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها )) . تأليف محمد ناصر الدين الألبانى .
فراقني اسمه . فتناولته بيدي ، وقلبت صفحاته ، ثم أرجعته إلي مكانه ، لأنه كان
باهظ الثمن لمثلي ، وكان إذ ذاك بثلاثين قرشا !
و مضيت أتجول بين بائعي الكتب ، فوقفت علي كتاب لطيف الحجم بعنوان (تلخيص صفة
صلاة النبي صلي الله عليه وسلم )) .ففرحت به فرحة طاغية ، ولم تردد في شرائه
وكان ثمنه خمسة قروش ، ولم أشتري غيره ، لأنه أتي علي كل ما في جيبى ! ومن
فرحتي و إغتباطي به قرأته و أنا أمشى في طريقي إلي مسكني مع خطورة هذا المسلك
علي من يمشي في شوارع القاهرة ، ولما أويت إلي غرفتي تصفحت الكتاب بإمعان ،
فوجدته يدق بعنف ما ورثته من الصلاة عن آبائي إذ أن كثيرا من هيئتها لا يمت إلي
السنة بصلة ،أ فندمت ندامة الكُسعِيِّ (5) اننى لم أشتر الأصل ، وظللت أحلم
بيوم الجمعة المقبل – و أدبِّر ثمن الكتاب طوال الأسبوع - ، و أنا خائفٌ وجلٌ
أن لا أجده عند البائع ، و كنت أدعو الله أن يطيل في عمرى حتى أقراه ، ومَنَّ
الله علىَّ بشرائه فلما تصفحته ؛ ألقيت الألواح ، ولاح لي المصباح ُ من الصباح
! وهزَّنى هزَّا عنيفاً ، لكنه كان لطيفاً ؛ مقدمته الرائعة الماتعة في وجوب
اتباع السُّنة ، ونبذ ما يخالفها تعظيماً لصاحبها صلي الله عليه وسلم ، ثُمَّ
نقوله الوافيه عن ائمة المسلمين ، إذ تبرأوا من مخالفة السنة أحياء و أمواتا ،
فرضي الله عنهم جميعا ، و حشرنا وإياهم مع الصادق المصدوق – بأبى هو و أمى –
وقد لفت إنتباهى جدا حواشى الكتاب – مع جهلى التام آنذاك بكتب السنة المشهورة
فضلا عن غيرها من المسانيد والمعاجم والمشيخات و كتب التواريخ ، بل لقد ظللت
فترة فى مطلع حياتى – لا أدرى طالت أم قصرت – أظن أن البخاريُّ صحابيُّ ، لكثرة
ترضى الناس عنه .
وعلى الرغم من عدم فهمى لما فى حواشى الكتاب ، إلا اننى أحسستُ بفحولة وجزالة
لم أعهدها فى كل ما قرأتُهُ ، فملك الكتاب على حواسىّ ، وصرت فى كلِّ جمعة أبحث
عن مؤلفات الشيخ ناصر الدين الالبانى ، ولم تكن مشهورةً عندنا في ذلك الوقت ،
لكساد الحركة العلمية ، فوقفت بعد شهرٍ تقريبا على جزء من " سلسلة الأحاديث
الضعيفة " – المائة حديث الأولى ، فاشتريته في الجمعة التى تليها لاتمكن من
تدبير ثمنه .
أمَّا هذا الكتاب فكان قاسمة الظهر التى لا شوى لها ! ، وهو الذى رغَّبنى فى
دراسة علوم الحديث .
قلتُ : إنَّ الحركة العلمية كانت هامدةً في ذلك الوقت ، وكل من تصدَّر لوعظ
الناس فهو عندنا عالمٌ ، فما بالك بأشهر الواعظين عندنا في ذلك الزمان - وهو
الشيخ كشك – الذي كان له بالغ التأثير في الناس بحسن وعظه ، ومتانة لفظه ،
وجرأته في الصدع بالحق ، لم ينجُ منحرفٌ من نقدهِ مهما كان منصبه، وكان فى صوته
– مع جزالته – نبرة حُزن ، ينتزع بها الدمع من المآقى إنتزاعاً ، حتي من غلاظ
الأكباد و قساة القلوب ، فكان هذا الشيخ العالم الأول والأخير عندي ، لا أجاوز
قوله . وقد انتفعت به كثيرا في بداية حياتى ، كما انتفع به خلقٌ ، لكننى لما
طالعت " السلسلة الضعيفة " وجدت أن كثيراً من الأحاديث التى يحتج بها الشيخ
منها ، حتى خيل إِلىَّ أنه يحضر مادَّة خطبه من هذه " السلسلة " ، وسبب ذلك
فيما أرى أن الشيخ حفظ أحاديثه من كتاب " إحياء علوم الدين " لأبى حامد الغزالى
، وكان الغزالى – رحمه الله – مزجى البضاعة فى الحديث ، تام الفقر فى هذا الباب
!
فعكَّر علىَّ كتاب الشيخ ما كنت أجدهُ من المتعة في سماع خطب الشيخ كشك حتى كان
يومٌ ، فذكر الشيخ على المنبر حديثا عن النبى صلي الله عليه وسلم قال : (( إن
الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة ، ويتجلي لأبى بكر الصديق خاصة (6) )) .
فلأول مرة أشك فى حديث أسمعه ، وأسأل نفسى : ترى ! هل هو صحيح أم لا ؟ ومع شكى
هذا فقد انفعلت له و تأثرت به بسبب صراخ الجماهير من حولى ، استحساناً و
إعجاباً ! .
ولما رجعت الى منزلى ، قلبت " السلسلة الضعيفة " حديثا حديثا أبحث عن الحديث
الذي ذكره الشيخ كشك فلم أجده فواصلت بحثي ، فبينما كنت فى بعض المكتبات وقفت
على كتاب " المنار المنيف " لابن القيم – رحمه الله – بتحقيق الشيخ محمد حامد
الفقى – رحمه الله – فوجدتُ الحديث فيه ، وقد حكمَ الإمامُ عليهِ بالوضع فيما
أذكرُ ، فعزمت على إبلاغ الشيخ بذلك نصيحة لله تعالى ، وقد كان رسخ عندى أن
التحذير من هذه الأحاديث واجبٌ أكيدٌ .
وكان للشيخ جلساتٌ فى مسجده بين المغرب والعشاء ، فذهبتُ فى وقتٍ مبكرٍ لألحق
بالصف الأول حتي أتمكن من لقائه فى أوائل الناس ، فلما صلينا جلس الشيخُ على
كرسيه فى قبلة المسجد ، وكان له عادة غريبةٌ وهي أنه يمدُّ يده ، فيقفُ الناس
طابوراً طويلاً ، فيصافحونه ، ويقبِّلون يده وجبهته ، و يُسُّر إليه كل واحد
بما يريد ، و كنت العاشرَ فى هذا الطابور ، فقلت في نفسى : وما عاشر عشرة من
الشيخ ببعيد !
فلما جاء دوري ، قبَّلتُ يده وجبهته ، وقلت له : إنَّ الحديث الذى ذكرتموه في
الجمعة الماضية – وسميتُه – قال عنه ابن القيم أنه موضوع .
فقال لى : بل هو صحيح ، فلما أعدت عليه القول ، قال كلاماً لا أضبطه الأن لكن
معناه أن ابن القيم لم يُصِب في حكمه هذا ، ولم يكن هناك وقت للمجادلة ، لأن من
فى الطابور ينتظرون دورهم !
ومما حزَّ فى نفسى أن الشيخ سألنى عن العلة فى وضع الحديث فلم يكن عندى جواب ،
فقال لى : يابنى ! تعلم قبل أن تعترض ، فمشيت من أمامه مستخذياً ؛ كأنما ديكٌ
نقرنى !
وخرجت من مسجد (( عين الحياة )) ولدىَّ من الرغبة في دراسة علم الحديث ما يجلُّ
عن تسطير وصفه بنانى ، ويضيق عطنى ، ويكُّل عن نعته لسانى ، وكان هذ العلم
آنذاك شديد الغربة ، ولست أبالغ اذا قلت : إنه كان أغرب من فرس بهماء بغلس !!
وطفقت اسأل كل من ألقاه من إخوانى عن أحد من الشيوخ يشرح هذا العلم ، أو يدلني
عليه ، فأشار على بعض إخوانى – وكان طالبا في كلية الهندسة – أن أحضر مجالس
الشيخ محمد نجيب المطيعى رحمه الله تعالى وكان شيخنا - رحمه الله – يلقى دروسه
فى ( بيت طلبة ماليزيا ) بالقرب من ميدان ( عبده باشا ) ناحية العباسية ، وكان
يشرح أربع كتب ، وهي ( صحيح البخارى ) و ( المجموع ) للنووى ، و( الاشباه
والنظائر ) للسيوطى ، ( إحياء علوم الدين ) للغزالى ، فوجدت في هذه المجالس
ضالتى المنشودة ، ودرتى المفقودة ، فلزمته نحو أربع سنوات حتى توقفت دروسه بعد
الإعتقالات الجماعية التى أمر بها أنور السادات و أنتهي الامر بمقتله في حادث
المنصة الشهير ، و رحل الشيخ - رحمه الله – إلى السودان ، وظل هناك حتى توفى -
رحمه الله – بالمدينه ودفن فى البقيع كما قيل لى . رحمه الله تعالي .0
و أتاحت لى هذه المجالس دراسة نبذ كثيرة من علمى أصول الحديث و أصول الفقه ، و
والله ! لا أشطط إذا قلت : إننى أبصرت بعد العمى لما درست هذين العلمين
الجليلين ، و أقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالما مهما حفظ من كتب
الفروع ، لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون الا بهما ، فعلم الحديث يصحح
لك الدليل ، و علم أصول الفقه يسدد لك الفهم ، فهما كجناحى الطائر .
ولم يكدر علي متعتي بدروس الشيخ المطيعي رحمه الله إلا حطه علي الشيخ الالباني
صاحب الفضل على بعد الله عز وجل ، وكان ذلك بعد حادثة طويلة الزيل ملخصها : أن
شيخنا المطيعى - رحمه الله – كان يتكلم عن قضاء الفوائت ، و أن من لم يصل ولو
لسنوات ، فيجب عليه القضاء ، و أطال البحث في ذلك . فقلت له – ولم يكن عندي علم
بمن يقول بغير هذا المذهب من القدماء – قلت : إن الشيخ الألبانى يقول : ليس
هناك دليل على وجوب القضاء . فقال لى بلهجة . علمت بعد ذلك بزمانٍ انه كان
يقولها تهكماً : من الألباني ؟ فقلت له : أحد علماء الحديث .
قال : لعله أحد أصحابنا الشافعية ؟
قلت : لا أدري ، لكنه معاصر لنا ، وقد علمت انه لا يزال حيا .
فقال لي حينئذٍ : دعك من المعاصرين .
وكانت هذه أول مرة أسمعه يتكلم عن الألباني ، ثمَّ توالي السيلُ .
ثم جاء الشيخ الألباني الى مصر فى حدود سنه ( 1396هـ) أو بعدها بقليل ، وألقى
محاضرة في المركز العام لجماعة أنصار السنة في عابدين ، وكانت محاضرته عن تخصيص
السنة لعام القرآن ، وتقيدها لمطلقه ، وذكر من أمثلة ذلك الذهب المحلَّق .
ولم يكن عندي علم بمحاضرة الشيخ ولا وجوده ، فرحل ولم أره ، وكان إحدى أمانىَّ
الكبار أن ألتقى به ، ولم يتحقق لى ذلك إلاَّ بعد زمان طويل وذلك فى أول المحرم
سنة (1407 هـ) وكان قد طبع لى بعض الكتب منها " فصل الخطاب بنقد المغنى عن
الحفظ والكتاب " و كنت فى هذه الفترة أتتبع كل أخبار الشيخ فكانت تصلنى أخبارٌ
عن شدته على الطلبة وقسوته عليهم، و اعتذاره عن التدريس بسبب ضيق الوقت و ارهاق
الدوله له ، فكدتُ أفقدُ الأملُ حتى قيَّض الله لى أن ألتقي بصهر الشيخ – الأخ
نظام سكجّها – فى فندق بحيّ الحسين بالقاهرة ، فسألتُه عن الشيخ و إمكان
التتلمُذ عليه ، فأخبرنى أن ذلك متعذرٌ ، ولكن تعال وجرِّبْ !
فكان من خبرى أن سطَّرتُ رسالة للشيخ قلتُ له فيها : إننى علمتُ أنكم تطردون
الطلبة عن بابكم ، ولدىَّ أكثر من مائتى سؤال فى علل الأحاديث ومعانيها ، ولا
أقنع إلاَّ بجوابكم دون غيركم ، فسأجمع همتى و أسافر إليكم فلا تطردونا عن
بابكم ، أو كلاماًَ نحو هذا .
و أخبرنى الأخ نظامٌ بعد ذلك أن الشيخ تألمَّ لما قرأ حكاية " الطرد " هذه .
وسافرت إلى الشيخ فى أول المحرم سنة (1407 هـ) ، و استخرجتُ تصريح العمل الذي
يُخوِّل لى السفر بأعجوبةٍ عجيبةٍ ، و أُمضيت ثلاثة أيامٍ فى الطريق كان هوانى
فيها شديداً ، ومع ذلك لم أكترث له ، لما كان يحدوني من الأمل الكبير في لقاء
الشيخ .
ولما نزلت عمَّان استقبلنى الأخ الكريم أبو الفداء سمير الزهيري جزاه الله
خيرا، إذ أعانني في غربتى ، و آوانى فى داره ، و بعد الوصل بقليلٍ ، كلَّمنا
الشيخ بالهاتف ، فرحَّب بى غاية الترحيب ، وقال لى : حللت أهلاً ونزلت سهلاً ،
ولم أصدق أذنى ! ، فأنا ذاهبٌ اليه وقد هيأت نفسى تماماً على الرضا بالطرد ،
إذا فعل الشيخ ذلك .
وقد بدأنى بالسلام ، فرددتُ عليه السلام بمثل ما قال . فقال لى : ما أحسنت
الردَّ ! فقلتُ : لما يا شيخنا ؟
فقال لى : إجعل هذا بحثاً بينى وبينك إذا التقينا غداً !
و ظللتُ ليلتى أُُفكر فى هذا الأمر ؛ ترى : ما وجهُ إساءتى الردَّ ، حتى خمنت
أن الرادَّ ينبغى له أن يزيد شيئاً في ردِّه نحو : (( و عفوه ، ورضوانه )) ولم
أكن وقفتُ على الحديث الذى قوى الشيخ فيه زيادة (( ومغفرته )) في الرد .
وكان الشيخ يصلى الغداة فى (( مسجد الفالوجا )) بجوار منزل أبى الفداء ، ولم
أذق طعم النوم ليلتى بسبب تأمُّلى المسألة التي طرحها الشيخ ، و لم تكتحل عينى
بنومٍ إلاَّ قبيل الفجر ، وراح علىَّ بسبب ذلك لقاء الفجر مع الشيخ ، وكلمناه
فى الصباح ، فأعطانا موعداً عقب صلاة العشاء في منزل أبى الفداء .
وكان لقاءً حاراًّ ، بدأنى الشيخ بالعناق ، لأننى لا يمكن أن أبدأه بذلك هيبةً
له ، وكان معنا في هذا اللقاء الأخ الفاضل أبو الحارث على الحلبى حفظه الله ،
وجلسنا نحو ساعةٍ ونصف الساعة نسألُ ، والشيخ يجيبُ ، فلما تصرمت الجلسة ،
وخرجنا من الدار ، إنتحيتُ بالشيخ جانباً ، وشرحتُ له باختصارٍ ما كابدتهُ فى
السفر إليه ، ولم يخرجنى من بلدى إلاَّ طلبُ العلم ، فلو أذن لى الشيخ أن أخدمه
وأساعده لأتمكن من ملازمته ، فشكرنى و اعتذر لى ، نظراً لضيق وقته . فقلت له :
أعطنى ساعة كل يوم أسألك فيها . فاعتذر
فقلت له : أعطنى ما يسمح به وقتك ولو كان قصيراً ، فاعتذر !
فأحسست برغبة حارَّة ٍفى البكاء ، وتمالكت نفسى بعناء بالغٍ ، و أطرقتُ قليلاً
ثم قلت للشيخ : قد علم الله أنه لم يكن لى مأربٌ قطُّ إلاَّ لقاؤكم و
الإستفادةُ منكم ، فإن كنتُ أخلصتُ نيتى فسيفتح الله لى ، وانْ كانت الأخرى ؛
فحسبى عقاباً عاجلاً أن ارجع إلى بلدى بخفى حنين !
وانا سأدعو الله أن يفتح قلبك لى .
ولست أنسى هذا الموقف ما حييت .
ثم التقيت بالشيخ فى صلاة الغداة من اليوم التالى ، فقبلتُ يده – وهذا دأبى معه
– فقال لي : لعلَّ الله استجاب دعاءك ؛ وكان فاتحة الخير . وكنت أكاد وقن أن
الله سيستجيبُ لى ، وأن الشيخ سيقبلنى عنده ، لا سيما بعد أن قابلت الأستاذ
أحمد عطية – وكان من معظمى الشيخ قبلُ - ، فاستضافنى فى داره وقال لى : لما طبع
كتابك (( فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب )) اشتريت منه نسخة وقرأته
فأعجبنى أنه على طريقة الشيخ ، وكان الشيخ يقول : ليس لى تلاميذ – يعنى على
طريقته فى التخريج والنقد – قال : فأرسلت هذا الكتاب الى الشيخ وقلت له : وجدنا
لك تلميذا ، وراجعتُ الشيخ بعد ثلاثة أيام فقال : نعم .
قلت : لمَّا قصَّ علىَّ الأستاذ أحمد عطية هذه الحكاية ضاعف من أملى أن يقبلنى
الشيخ عنده .
ووالله ! لقد عاينت من لطف الشيخ بى ، وتواضعه معى شيئا عظيما ، حتى أنه قال لى
يوماً : صحَّ لك ما لم يصحُّ لغيرك ، فحمدت الله عز وجل على جسيم منته ، وبالغ
فضله ونعمته .
فمن ذلك أننى كلما التقيتُ به قبلت يده ، فكان ينزعها بشدَّة ، ويأبى علىَّ ،
فلما أكثر قلتُ له : قد تلقينا منكم فى بعض أبحاثكم فى " الصحيحة " أن تقبيل يد
العالم جائز .
فقال لى : هل رأيت بعينيك عالماً قطُّ ؟
قلت : نعم ، أرى الآن .
فقال : إنما أنا " طويلبُ علمٍ " ، إنما مثلى ومثلكم كقول القائل :
إن البُغَاثَ بِأَرْضنَا يَسْتَنْسِرُ !
وبدأت جلساتى مع الشيخ بعد كل صلاة غداةٍ فى سيارته ، ولمدة ساعة ، ثم زادت
المدة حتى وصلت الى ثلاث ساعات .
واستمر هذا الأمر ، حتى جاء يومٌ ولم يُصلِّ الشيخ معنا صلاة الغداة ، فحزنت
لذلك لضياع هذا اليوم علىَّ بلا استفادة ، واستشرت من أثق برأيه من إخوانى : هل
أذهب الى الشيخ فى بيته أم لا ؟
فكان إجماعهم أن لا أذهب ، لأنك لا تعلم ما ينتظرك هناك ، ولا يذهب أحد الى
الشيخ فى بيته إلَّا بموعدٍ سابقٍ ، فلربما ردَّك ، فلا يكون بك لائقًا ، لا
سيما بعد المكانة التى صارت لك عند الشيخ .
وتهيبتُ الذهاب ، ولكن قوى من عزمى أمران :
الأول : أن رفيقى آنذاك والذى كان يصحبنى بسيارته الأخ الفاضل الباذل أبو حمزة
القيسى جزاه الله خيراً – قد أيدنى فى الذهاب .
الثانى : أننى استحضرت قصةً لابن حبان مع شيخه ابن خزيمة ذكرها ياقوتُ بسنده
إلى أبى حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابورى قال : كنا مع أبى بكر محمد بن
إسحاق بن خزيمة فى بعض الطريق من نيسابور ، وكان معنا أبو حاتم البُستى ، وكان
يسألُه ويؤذيه ، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة : يا بارد ! تنحَّ عنى ولا
تؤذينى ! أو كلمة نحوها ، فكتب أبو حاتم مقالته ، فقيل له : تكتب هذا ؟ قال :
أكتب كل شىء يقوله الشيخ )) ا هـ .
فقلتُ فى نفسى : ومالى لا أفعل مثلما فعل ابن حبان ؟ وحتى لو قال لى الشيخ
مقالة ابن خزيمة لعددتها من فوائد ذلك اليوم .
وانطلقنا اليه ، وكان من أفضل أيامى التى أمضيتُها فى هذه الرحلة ، فقد
استقبلنى الشيخ استقبالا كريما ، وأمضيت معه أكثر من ساعتين ، وكان
يخدمُنا بنفسه ، ويأتينا بالطعام يضعه أمامنا ، فكلما هممت أن أساعده أبى علىَّ
، ويشيُر أن أجلس ، ويقول : (( الإمتثالُ هو الأدبُ بل خيرٌ من الأدبِ ))
ويعنى به : أن الإمتثال لرغبته فى الجلوس خير من سلوكى الذى أظنُّه أدباً ، لأن
طاعتى له هى الأدب . وكان يوماً حافلا قص على الشيخ فيه ما جرى بينه وبين الشيخ
محمد نسيب (7) الرفاعى حفظه الله .
ولا يفوتنى أن أقول : كنت قابلت الشيخ نسيب الرفاعى بصحبة الأستاذ أحمد عطية
المتقدم ذكره فى بيته بحى الهاشمى فى عمان البلقاء ، ولقلما رأت عيناى مثله فى
تواضعه وأدبه وحسن خلقه ، وكان معظم كلامه عن الشيخ الألبانى ، وبرغم تقاربهما
فى السن الا أنه كان يبالغ فى تعظيم الشيخ ، وقال لى : أنا مدينٌ بالفضل لرجلين
: الأول : ابن تيمية ، والثانى : الألبانى .
وقال لى : لقد تآزرنا فى نشر الدعوة السلفية فى سوريا ، وكان الشيخ يزورنا فى
حلب ، فدخلت على ابنتى " عائشة " وكانت صغيرة ، فقال لى الشيخُ : لو كانت كبيرة
لتزوجتها وكنت منى بمنزلة أبى بكر من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فانظر ما كان
بينى وبينه من الآصرة .
وقرأ علينا أبو غزوان مقدمته لكتابه : (( التوصل الى حقيقة التوسل )) وقصَّ
علىَّ أشياء ذكرتها فى (( طليعة الثمر الدانى فى الذب عن الألبانى )) . وهو
القسم الخاص بترجمة الشيخ الألبانى حفظه الله تعالى .
وقد أمضيت نحو شهر فى هذه الرحلة ، ولما علم الشيخ بموعد سفرى دعانى على الغداء
عنده فى يوم الرحيل ، وسألنى عن حال السلفيين فى مصر ، وسألته عن الطريقة
المثلى لنشرة الدعوة ، وكيف نواجة المخالفين لنا ، وكان يوما حافلا أمضيته مع (
عميد السلفيين ) فى العالم الإسلامى حفظه الله وبارك فى عمره0
--------------------------------------
(1) اقتباس من كلام الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ورضي عنه في
مقدمته لكتابه ( الرسالة ) تحقيق المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه
الله .
(2) قال النبي صلي الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء الخزاعي : ((إِنَّا لَمْ
نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ ، وَإِنَّ
قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، فَإِنْ شَاءُوا
مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ
أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ
فَعَلُوا وَإِلا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي
، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ )) فَقَالَ بُدَيْلٌ : سَأُبَلِّغُهُمْ مَا
تَقُولُ .
(3) توفي شيخنا رحمه الله و رضي عنه يوم السبت 22 / جمادي الآخرة / 1420 هـ
الموافق 2/ 10/1999 بعد عصر هذا اليوم ، فاللهم ارض عنه و اغفر له و ارحمه كفاء
ما قدَّم للمسلمين من تقريب السنة والذب عنها .
(4) ثم ثوفي الشيخ رحمه الله في رجب ( 1417هـ) اللهم اغفر له و ارحمه ، وارض
عنه كفاء ما نافح عن دينك ، وما جاهر بكلمة الحق .
(5) و في " لسان العرب " ( 4/3876 ) قال : " والكسعي الذى يضرب به المثل في
الندامة ، وهو رجل رام رمي بعد ما أسدف الليل عيرا فأصابه ، و ظن أنه أخطأه
فكسر قوسه ، وقيل : وقطع أصبعه ثم ندم من الغد حين نظر إلي العير مقتولا وسهمه
فيه ، فصار مثلا لكل نادم علي فعل يفعله ، و اياه عني الفرزدق لما قال:
ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقة نوار
وقول الآخر :
ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناه ما فعلت يداه "
وذكر ابن منظور سببا آخر
(6) وهو حديث باطل كما حققته عند الرقم ( 1529 ) من هذا الكتاب والحمد لله
(7) ثم توفى رحمه الله يوم الأربعاء الرابع عشر جمادى الآخرة سنة ( 1412هـ)
فاللهم ارض عنه وتقبله
موقع الشيخ:
http://www.alheweny.com/index2/index.htm
لم نعتاد على تقديس الأشخاص فهذا منهج مختل
فالاشخاص يا سادة يصيبون ويخطئون ويجيئون ويروحون ويموتون
ويظل هذا الدين قائما بنا أو بغيرنا
لكن ما الجديد
الجديد
أننا بصدد الحديث عن بعض من نحسبهم مخلصين ولا نزكي على الله أحد
فأعمالهم تتحدث عنهم
هم على درب الدعوة منذ عقود
ما باعوا يوما دينهم
وما بدلوا يوما ما هم عليه
وهانحن اليوم نتحدث عن واحد منهم
من هؤلاء الرجال وأقول الرجال
فنحن في زمن قل فيه الرجال
نتحدث عن واحد في درب الدعوة إلى الله منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما
كرس جل جهده للزب عن هذا الدين ضد من؟؟
ضد المدلسين والمميعين وأهل البدع
فهو واحد من علماء الحديث
كنت وأنا أحقر من أن أتحدث عن نفسي
عندما كنت في المرحلة الثانوية كنت لا أسمع له برغم وجود دروس كثيرة له أمام عيني
فكنت أفضل غيره لسببين
الأول أني كنت لا أفهم كثيرا مما يقول
والثاني أني لم أكن أنجذب لأسلوبه
وكان ليا أخ في الله يكبرني سناً كان لا يسمع غيره
فكنت أتعجب
حتى جاء يوم
وعرفت قيمة هذا العالم العلامة
هذا الرجل الذي يحب وأعني هذه الكلمة يحب الله وسوله وصحابته
وكأنه يعيش بينهم ولم لا وهو محدث
هذا الرجل الذي يحترق قلبه ليل نهار لما يحدث يوميا من سب للصحابة
وتمكين للقوانين الوضعية
وغيرها من الأمور التي يحترق لها فؤاد كل مؤمن يغار على هذا الدين
دراسته الأصلية كانت بكلية الألسن
قسم اللغة الأسبانية
وبعد أن أنهى دراسته غادر بلادنا لطلب العلم على يد علم من أعلام علم الحديث
حتى زكاه هذا العلم
ثم عاد لبلاده مرة أخرى ليبدأ رحلته في درب الدعوة إلى الله
إنه العلامة
أبو إسحاق الحويني
وهذه بعض الكلمات تحكي عن مقتطفات من مشوار طلبه للعلم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالي من شرور أنفسنا
، و سيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالي ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء : 1] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً} [ الأحزاب : 70، 71 ]
أما بعـــــد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشرالأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إباهيم وعلى آل
إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد.
(( فالحمد لله الذي لا يؤدَّى شكر نعمةٍ من نعمه، إلا بنعمة منه توجب على مؤدى
ماضى نعمه بأدائها : نعمةً حادثة يجبعليه شكره بها ، ولا يبلغ الواصفون كُنه َ
عظمته ، الذي هو كما وصف نفسه ، وفوق ما يصفُهُ به خلقُهُ ، أحمده حمدا كما
ينبغي لكرم وجهه عزَّ وجلَّ ، وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به ،
وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه ، وأستغفره لما أزولفت وأخرت ،
استغفار من يُقرُّ بعبوديته ، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ، ولا ينجيه منه إلا هو ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد عبده و رسوله .
فنسأل الله المبتدئَ لنا بنعمة قبل استحقاقها ، المديمها علينا مع تقصيرنا في
الإتيان عليما أوجب به من شكره بها ، الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس ، أن
يرزقنا فهما في كتابه ، ثم سنة نبيه ، وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ، ويوجب لنا
نافلة مزيدة )) (1) .
فإن الله – جل ثناؤه – لما خلق الناس ، ركز في فطرهم محبة الإحسان ، والخضوع له
، كرِهَ لهم الكبر والعلو في الأرض بغير الحق .
فقال جل ثناؤه : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [ الرحمن :
60 ] .
يعني لا ينبغى أن يكون الإحسان إلا من حنسه ، فليس لمن أحسن العمل في الدنيا
إلا الإحسان إليه غي الآخرة .
و ما أجمل فول القائل : ليس هناك حمل أثقل من البر ، من برًكسرفقد اوثقك ، ومن
جفاك فقد أطلقك . فإن أردت إسترقاق إنسان ، فأحسن إليه ، فيكون ذلك مانعا إياه
أن يوصل السيئة إليك .
ومما يدلُّك علي صحة ما أقول من أن محبة الإحسان ، والخضوع لأهله مركوزٌ في فطر
الناس ، حتي الكافر ، ما أخرجه البخاري (5/329-333) ، وأحمد (4/324 ، 329 )
وغيرهما من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، وذكر حديثه في (( صلح الحديبية
)) وفيه :
(( فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثقفي ، فَقَالَ : أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ
بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا : بَلَى ،
قَالَ : أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَهَلْ
تَتَّهِمُونِي ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي
اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ
بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّ
هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ .
قَالُوا : ائْتِهِ . فَأَتَاهُ ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ (2) ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكسر: أَيْ
مُحَمَّدُ ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكسر، هَلْ سَمِعْتَ
بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكسر؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى
فَإِنِّي - وَاللَّهِ ! - لا أرَى وُجُوهًا ، وَإِنِّي لأَرَى أَشَوابًا- وفي
رواية : أوباشا - مِنَ النَّاسِ ، خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكسر.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : امْصُصْ بِبَظْرِ اللاتِ ، أَنَحْنُ
نَفِرُّ وَنَدَعُهُ ؟
فَقَالَ عروة : مَنْ ذَا ؟
قَالُوا : أَبُو بَكْرٍ !
قَالَ : أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكسرعِنْدِي
لَمْ أَجْزِكسربِهَا لأَجَبْتُكسر.. الحديث )) .
و أخرج بعضه : أبو داوود ( 2765) ، والنسائي في (( الكبرى)) . كما في (( أطراف
المزي)) (8/383) . وغيرهما
فانظر – يرحمك الله من مُنصف – قول عروة لأبي بكر ، فما منعه من الرد عليه وقد
بالغ في عيب آلهتهم ، إلا أنه كان أسير الإحسان المتقدم من أبي بكر له .
وقد ورد في رواية ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث أن عروة قال لأبي بكر : ((
لولا يد لم أجزك بها ، ولكن هذه بها )) كأنه قال له : هذه الإساءة منك إلي
آلهتنا قد استوفيت بها جميلك السابق عندي ، فلم يبق لك حسنة تمنعني من الرد فى
قابل إذا أسأت إلىَّ .
وأما من جفاك ، وأساء إليك فما استودع يداً تمنعه من رد السيئة بمثلها و زيادة
، لذلك كان طليقا لا يوقفه شئ .
وإذ الأمر كذلك ، والوفاء سجيةٌ و خُلُقٌ ، فما إعلم أحد – بعد والديً – له
عليً يد مثل شيخنا الشيخ الإمام ، حسنة الأيام ، وريحانة بلاد الشام ، أبى عبد
الرحمن محمد ناصر (3) الدين الألبانى ، ألبسه الله حُلل السعادة و كافأه
بالحسني وزيادة ، إذ الإطلاع علي كتبه كان فاتحة الخير العميم لي ، و أبدأ
الحديث أسوقه من أوًلِهِ .
ففي صيف عام (1395هـ) كنت أصلي الجمعة في مسجد ((عين الحياة)) ، وكان إمام إذ
ذاك ، الشيخ عبد الحميد كشك (4) –حفظه الله تعالي - ، وكان تجار الكتب يعرضون
ألواناً شتى من الكتب الدينية أمام المسجد ، فكنت أطوف عليهم و أنتقي ما يعجبني
عنوانه ، فوقعت عيني يوما علي كتاب عنوانه (( صفة صلاة النبي صلي الله عليه
وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها )) . تأليف محمد ناصر الدين الألبانى .
فراقني اسمه . فتناولته بيدي ، وقلبت صفحاته ، ثم أرجعته إلي مكانه ، لأنه كان
باهظ الثمن لمثلي ، وكان إذ ذاك بثلاثين قرشا !
و مضيت أتجول بين بائعي الكتب ، فوقفت علي كتاب لطيف الحجم بعنوان (تلخيص صفة
صلاة النبي صلي الله عليه وسلم )) .ففرحت به فرحة طاغية ، ولم تردد في شرائه
وكان ثمنه خمسة قروش ، ولم أشتري غيره ، لأنه أتي علي كل ما في جيبى ! ومن
فرحتي و إغتباطي به قرأته و أنا أمشى في طريقي إلي مسكني مع خطورة هذا المسلك
علي من يمشي في شوارع القاهرة ، ولما أويت إلي غرفتي تصفحت الكتاب بإمعان ،
فوجدته يدق بعنف ما ورثته من الصلاة عن آبائي إذ أن كثيرا من هيئتها لا يمت إلي
السنة بصلة ،أ فندمت ندامة الكُسعِيِّ (5) اننى لم أشتر الأصل ، وظللت أحلم
بيوم الجمعة المقبل – و أدبِّر ثمن الكتاب طوال الأسبوع - ، و أنا خائفٌ وجلٌ
أن لا أجده عند البائع ، و كنت أدعو الله أن يطيل في عمرى حتى أقراه ، ومَنَّ
الله علىَّ بشرائه فلما تصفحته ؛ ألقيت الألواح ، ولاح لي المصباح ُ من الصباح
! وهزَّنى هزَّا عنيفاً ، لكنه كان لطيفاً ؛ مقدمته الرائعة الماتعة في وجوب
اتباع السُّنة ، ونبذ ما يخالفها تعظيماً لصاحبها صلي الله عليه وسلم ، ثُمَّ
نقوله الوافيه عن ائمة المسلمين ، إذ تبرأوا من مخالفة السنة أحياء و أمواتا ،
فرضي الله عنهم جميعا ، و حشرنا وإياهم مع الصادق المصدوق – بأبى هو و أمى –
وقد لفت إنتباهى جدا حواشى الكتاب – مع جهلى التام آنذاك بكتب السنة المشهورة
فضلا عن غيرها من المسانيد والمعاجم والمشيخات و كتب التواريخ ، بل لقد ظللت
فترة فى مطلع حياتى – لا أدرى طالت أم قصرت – أظن أن البخاريُّ صحابيُّ ، لكثرة
ترضى الناس عنه .
وعلى الرغم من عدم فهمى لما فى حواشى الكتاب ، إلا اننى أحسستُ بفحولة وجزالة
لم أعهدها فى كل ما قرأتُهُ ، فملك الكتاب على حواسىّ ، وصرت فى كلِّ جمعة أبحث
عن مؤلفات الشيخ ناصر الدين الالبانى ، ولم تكن مشهورةً عندنا في ذلك الوقت ،
لكساد الحركة العلمية ، فوقفت بعد شهرٍ تقريبا على جزء من " سلسلة الأحاديث
الضعيفة " – المائة حديث الأولى ، فاشتريته في الجمعة التى تليها لاتمكن من
تدبير ثمنه .
أمَّا هذا الكتاب فكان قاسمة الظهر التى لا شوى لها ! ، وهو الذى رغَّبنى فى
دراسة علوم الحديث .
قلتُ : إنَّ الحركة العلمية كانت هامدةً في ذلك الوقت ، وكل من تصدَّر لوعظ
الناس فهو عندنا عالمٌ ، فما بالك بأشهر الواعظين عندنا في ذلك الزمان - وهو
الشيخ كشك – الذي كان له بالغ التأثير في الناس بحسن وعظه ، ومتانة لفظه ،
وجرأته في الصدع بالحق ، لم ينجُ منحرفٌ من نقدهِ مهما كان منصبه، وكان فى صوته
– مع جزالته – نبرة حُزن ، ينتزع بها الدمع من المآقى إنتزاعاً ، حتي من غلاظ
الأكباد و قساة القلوب ، فكان هذا الشيخ العالم الأول والأخير عندي ، لا أجاوز
قوله . وقد انتفعت به كثيرا في بداية حياتى ، كما انتفع به خلقٌ ، لكننى لما
طالعت " السلسلة الضعيفة " وجدت أن كثيراً من الأحاديث التى يحتج بها الشيخ
منها ، حتى خيل إِلىَّ أنه يحضر مادَّة خطبه من هذه " السلسلة " ، وسبب ذلك
فيما أرى أن الشيخ حفظ أحاديثه من كتاب " إحياء علوم الدين " لأبى حامد الغزالى
، وكان الغزالى – رحمه الله – مزجى البضاعة فى الحديث ، تام الفقر فى هذا الباب
!
فعكَّر علىَّ كتاب الشيخ ما كنت أجدهُ من المتعة في سماع خطب الشيخ كشك حتى كان
يومٌ ، فذكر الشيخ على المنبر حديثا عن النبى صلي الله عليه وسلم قال : (( إن
الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة ، ويتجلي لأبى بكر الصديق خاصة (6) )) .
فلأول مرة أشك فى حديث أسمعه ، وأسأل نفسى : ترى ! هل هو صحيح أم لا ؟ ومع شكى
هذا فقد انفعلت له و تأثرت به بسبب صراخ الجماهير من حولى ، استحساناً و
إعجاباً ! .
ولما رجعت الى منزلى ، قلبت " السلسلة الضعيفة " حديثا حديثا أبحث عن الحديث
الذي ذكره الشيخ كشك فلم أجده فواصلت بحثي ، فبينما كنت فى بعض المكتبات وقفت
على كتاب " المنار المنيف " لابن القيم – رحمه الله – بتحقيق الشيخ محمد حامد
الفقى – رحمه الله – فوجدتُ الحديث فيه ، وقد حكمَ الإمامُ عليهِ بالوضع فيما
أذكرُ ، فعزمت على إبلاغ الشيخ بذلك نصيحة لله تعالى ، وقد كان رسخ عندى أن
التحذير من هذه الأحاديث واجبٌ أكيدٌ .
وكان للشيخ جلساتٌ فى مسجده بين المغرب والعشاء ، فذهبتُ فى وقتٍ مبكرٍ لألحق
بالصف الأول حتي أتمكن من لقائه فى أوائل الناس ، فلما صلينا جلس الشيخُ على
كرسيه فى قبلة المسجد ، وكان له عادة غريبةٌ وهي أنه يمدُّ يده ، فيقفُ الناس
طابوراً طويلاً ، فيصافحونه ، ويقبِّلون يده وجبهته ، و يُسُّر إليه كل واحد
بما يريد ، و كنت العاشرَ فى هذا الطابور ، فقلت في نفسى : وما عاشر عشرة من
الشيخ ببعيد !
فلما جاء دوري ، قبَّلتُ يده وجبهته ، وقلت له : إنَّ الحديث الذى ذكرتموه في
الجمعة الماضية – وسميتُه – قال عنه ابن القيم أنه موضوع .
فقال لى : بل هو صحيح ، فلما أعدت عليه القول ، قال كلاماً لا أضبطه الأن لكن
معناه أن ابن القيم لم يُصِب في حكمه هذا ، ولم يكن هناك وقت للمجادلة ، لأن من
فى الطابور ينتظرون دورهم !
ومما حزَّ فى نفسى أن الشيخ سألنى عن العلة فى وضع الحديث فلم يكن عندى جواب ،
فقال لى : يابنى ! تعلم قبل أن تعترض ، فمشيت من أمامه مستخذياً ؛ كأنما ديكٌ
نقرنى !
وخرجت من مسجد (( عين الحياة )) ولدىَّ من الرغبة في دراسة علم الحديث ما يجلُّ
عن تسطير وصفه بنانى ، ويضيق عطنى ، ويكُّل عن نعته لسانى ، وكان هذ العلم
آنذاك شديد الغربة ، ولست أبالغ اذا قلت : إنه كان أغرب من فرس بهماء بغلس !!
وطفقت اسأل كل من ألقاه من إخوانى عن أحد من الشيوخ يشرح هذا العلم ، أو يدلني
عليه ، فأشار على بعض إخوانى – وكان طالبا في كلية الهندسة – أن أحضر مجالس
الشيخ محمد نجيب المطيعى رحمه الله تعالى وكان شيخنا - رحمه الله – يلقى دروسه
فى ( بيت طلبة ماليزيا ) بالقرب من ميدان ( عبده باشا ) ناحية العباسية ، وكان
يشرح أربع كتب ، وهي ( صحيح البخارى ) و ( المجموع ) للنووى ، و( الاشباه
والنظائر ) للسيوطى ، ( إحياء علوم الدين ) للغزالى ، فوجدت في هذه المجالس
ضالتى المنشودة ، ودرتى المفقودة ، فلزمته نحو أربع سنوات حتى توقفت دروسه بعد
الإعتقالات الجماعية التى أمر بها أنور السادات و أنتهي الامر بمقتله في حادث
المنصة الشهير ، و رحل الشيخ - رحمه الله – إلى السودان ، وظل هناك حتى توفى -
رحمه الله – بالمدينه ودفن فى البقيع كما قيل لى . رحمه الله تعالي .0
و أتاحت لى هذه المجالس دراسة نبذ كثيرة من علمى أصول الحديث و أصول الفقه ، و
والله ! لا أشطط إذا قلت : إننى أبصرت بعد العمى لما درست هذين العلمين
الجليلين ، و أقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالما مهما حفظ من كتب
الفروع ، لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون الا بهما ، فعلم الحديث يصحح
لك الدليل ، و علم أصول الفقه يسدد لك الفهم ، فهما كجناحى الطائر .
ولم يكدر علي متعتي بدروس الشيخ المطيعي رحمه الله إلا حطه علي الشيخ الالباني
صاحب الفضل على بعد الله عز وجل ، وكان ذلك بعد حادثة طويلة الزيل ملخصها : أن
شيخنا المطيعى - رحمه الله – كان يتكلم عن قضاء الفوائت ، و أن من لم يصل ولو
لسنوات ، فيجب عليه القضاء ، و أطال البحث في ذلك . فقلت له – ولم يكن عندي علم
بمن يقول بغير هذا المذهب من القدماء – قلت : إن الشيخ الألبانى يقول : ليس
هناك دليل على وجوب القضاء . فقال لى بلهجة . علمت بعد ذلك بزمانٍ انه كان
يقولها تهكماً : من الألباني ؟ فقلت له : أحد علماء الحديث .
قال : لعله أحد أصحابنا الشافعية ؟
قلت : لا أدري ، لكنه معاصر لنا ، وقد علمت انه لا يزال حيا .
فقال لي حينئذٍ : دعك من المعاصرين .
وكانت هذه أول مرة أسمعه يتكلم عن الألباني ، ثمَّ توالي السيلُ .
ثم جاء الشيخ الألباني الى مصر فى حدود سنه ( 1396هـ) أو بعدها بقليل ، وألقى
محاضرة في المركز العام لجماعة أنصار السنة في عابدين ، وكانت محاضرته عن تخصيص
السنة لعام القرآن ، وتقيدها لمطلقه ، وذكر من أمثلة ذلك الذهب المحلَّق .
ولم يكن عندي علم بمحاضرة الشيخ ولا وجوده ، فرحل ولم أره ، وكان إحدى أمانىَّ
الكبار أن ألتقى به ، ولم يتحقق لى ذلك إلاَّ بعد زمان طويل وذلك فى أول المحرم
سنة (1407 هـ) وكان قد طبع لى بعض الكتب منها " فصل الخطاب بنقد المغنى عن
الحفظ والكتاب " و كنت فى هذه الفترة أتتبع كل أخبار الشيخ فكانت تصلنى أخبارٌ
عن شدته على الطلبة وقسوته عليهم، و اعتذاره عن التدريس بسبب ضيق الوقت و ارهاق
الدوله له ، فكدتُ أفقدُ الأملُ حتى قيَّض الله لى أن ألتقي بصهر الشيخ – الأخ
نظام سكجّها – فى فندق بحيّ الحسين بالقاهرة ، فسألتُه عن الشيخ و إمكان
التتلمُذ عليه ، فأخبرنى أن ذلك متعذرٌ ، ولكن تعال وجرِّبْ !
فكان من خبرى أن سطَّرتُ رسالة للشيخ قلتُ له فيها : إننى علمتُ أنكم تطردون
الطلبة عن بابكم ، ولدىَّ أكثر من مائتى سؤال فى علل الأحاديث ومعانيها ، ولا
أقنع إلاَّ بجوابكم دون غيركم ، فسأجمع همتى و أسافر إليكم فلا تطردونا عن
بابكم ، أو كلاماًَ نحو هذا .
و أخبرنى الأخ نظامٌ بعد ذلك أن الشيخ تألمَّ لما قرأ حكاية " الطرد " هذه .
وسافرت إلى الشيخ فى أول المحرم سنة (1407 هـ) ، و استخرجتُ تصريح العمل الذي
يُخوِّل لى السفر بأعجوبةٍ عجيبةٍ ، و أُمضيت ثلاثة أيامٍ فى الطريق كان هوانى
فيها شديداً ، ومع ذلك لم أكترث له ، لما كان يحدوني من الأمل الكبير في لقاء
الشيخ .
ولما نزلت عمَّان استقبلنى الأخ الكريم أبو الفداء سمير الزهيري جزاه الله
خيرا، إذ أعانني في غربتى ، و آوانى فى داره ، و بعد الوصل بقليلٍ ، كلَّمنا
الشيخ بالهاتف ، فرحَّب بى غاية الترحيب ، وقال لى : حللت أهلاً ونزلت سهلاً ،
ولم أصدق أذنى ! ، فأنا ذاهبٌ اليه وقد هيأت نفسى تماماً على الرضا بالطرد ،
إذا فعل الشيخ ذلك .
وقد بدأنى بالسلام ، فرددتُ عليه السلام بمثل ما قال . فقال لى : ما أحسنت
الردَّ ! فقلتُ : لما يا شيخنا ؟
فقال لى : إجعل هذا بحثاً بينى وبينك إذا التقينا غداً !
و ظللتُ ليلتى أُُفكر فى هذا الأمر ؛ ترى : ما وجهُ إساءتى الردَّ ، حتى خمنت
أن الرادَّ ينبغى له أن يزيد شيئاً في ردِّه نحو : (( و عفوه ، ورضوانه )) ولم
أكن وقفتُ على الحديث الذى قوى الشيخ فيه زيادة (( ومغفرته )) في الرد .
وكان الشيخ يصلى الغداة فى (( مسجد الفالوجا )) بجوار منزل أبى الفداء ، ولم
أذق طعم النوم ليلتى بسبب تأمُّلى المسألة التي طرحها الشيخ ، و لم تكتحل عينى
بنومٍ إلاَّ قبيل الفجر ، وراح علىَّ بسبب ذلك لقاء الفجر مع الشيخ ، وكلمناه
فى الصباح ، فأعطانا موعداً عقب صلاة العشاء في منزل أبى الفداء .
وكان لقاءً حاراًّ ، بدأنى الشيخ بالعناق ، لأننى لا يمكن أن أبدأه بذلك هيبةً
له ، وكان معنا في هذا اللقاء الأخ الفاضل أبو الحارث على الحلبى حفظه الله ،
وجلسنا نحو ساعةٍ ونصف الساعة نسألُ ، والشيخ يجيبُ ، فلما تصرمت الجلسة ،
وخرجنا من الدار ، إنتحيتُ بالشيخ جانباً ، وشرحتُ له باختصارٍ ما كابدتهُ فى
السفر إليه ، ولم يخرجنى من بلدى إلاَّ طلبُ العلم ، فلو أذن لى الشيخ أن أخدمه
وأساعده لأتمكن من ملازمته ، فشكرنى و اعتذر لى ، نظراً لضيق وقته . فقلت له :
أعطنى ساعة كل يوم أسألك فيها . فاعتذر
فقلت له : أعطنى ما يسمح به وقتك ولو كان قصيراً ، فاعتذر !
فأحسست برغبة حارَّة ٍفى البكاء ، وتمالكت نفسى بعناء بالغٍ ، و أطرقتُ قليلاً
ثم قلت للشيخ : قد علم الله أنه لم يكن لى مأربٌ قطُّ إلاَّ لقاؤكم و
الإستفادةُ منكم ، فإن كنتُ أخلصتُ نيتى فسيفتح الله لى ، وانْ كانت الأخرى ؛
فحسبى عقاباً عاجلاً أن ارجع إلى بلدى بخفى حنين !
وانا سأدعو الله أن يفتح قلبك لى .
ولست أنسى هذا الموقف ما حييت .
ثم التقيت بالشيخ فى صلاة الغداة من اليوم التالى ، فقبلتُ يده – وهذا دأبى معه
– فقال لي : لعلَّ الله استجاب دعاءك ؛ وكان فاتحة الخير . وكنت أكاد وقن أن
الله سيستجيبُ لى ، وأن الشيخ سيقبلنى عنده ، لا سيما بعد أن قابلت الأستاذ
أحمد عطية – وكان من معظمى الشيخ قبلُ - ، فاستضافنى فى داره وقال لى : لما طبع
كتابك (( فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب )) اشتريت منه نسخة وقرأته
فأعجبنى أنه على طريقة الشيخ ، وكان الشيخ يقول : ليس لى تلاميذ – يعنى على
طريقته فى التخريج والنقد – قال : فأرسلت هذا الكتاب الى الشيخ وقلت له : وجدنا
لك تلميذا ، وراجعتُ الشيخ بعد ثلاثة أيام فقال : نعم .
قلت : لمَّا قصَّ علىَّ الأستاذ أحمد عطية هذه الحكاية ضاعف من أملى أن يقبلنى
الشيخ عنده .
ووالله ! لقد عاينت من لطف الشيخ بى ، وتواضعه معى شيئا عظيما ، حتى أنه قال لى
يوماً : صحَّ لك ما لم يصحُّ لغيرك ، فحمدت الله عز وجل على جسيم منته ، وبالغ
فضله ونعمته .
فمن ذلك أننى كلما التقيتُ به قبلت يده ، فكان ينزعها بشدَّة ، ويأبى علىَّ ،
فلما أكثر قلتُ له : قد تلقينا منكم فى بعض أبحاثكم فى " الصحيحة " أن تقبيل يد
العالم جائز .
فقال لى : هل رأيت بعينيك عالماً قطُّ ؟
قلت : نعم ، أرى الآن .
فقال : إنما أنا " طويلبُ علمٍ " ، إنما مثلى ومثلكم كقول القائل :
إن البُغَاثَ بِأَرْضنَا يَسْتَنْسِرُ !
وبدأت جلساتى مع الشيخ بعد كل صلاة غداةٍ فى سيارته ، ولمدة ساعة ، ثم زادت
المدة حتى وصلت الى ثلاث ساعات .
واستمر هذا الأمر ، حتى جاء يومٌ ولم يُصلِّ الشيخ معنا صلاة الغداة ، فحزنت
لذلك لضياع هذا اليوم علىَّ بلا استفادة ، واستشرت من أثق برأيه من إخوانى : هل
أذهب الى الشيخ فى بيته أم لا ؟
فكان إجماعهم أن لا أذهب ، لأنك لا تعلم ما ينتظرك هناك ، ولا يذهب أحد الى
الشيخ فى بيته إلَّا بموعدٍ سابقٍ ، فلربما ردَّك ، فلا يكون بك لائقًا ، لا
سيما بعد المكانة التى صارت لك عند الشيخ .
وتهيبتُ الذهاب ، ولكن قوى من عزمى أمران :
الأول : أن رفيقى آنذاك والذى كان يصحبنى بسيارته الأخ الفاضل الباذل أبو حمزة
القيسى جزاه الله خيراً – قد أيدنى فى الذهاب .
الثانى : أننى استحضرت قصةً لابن حبان مع شيخه ابن خزيمة ذكرها ياقوتُ بسنده
إلى أبى حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابورى قال : كنا مع أبى بكر محمد بن
إسحاق بن خزيمة فى بعض الطريق من نيسابور ، وكان معنا أبو حاتم البُستى ، وكان
يسألُه ويؤذيه ، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة : يا بارد ! تنحَّ عنى ولا
تؤذينى ! أو كلمة نحوها ، فكتب أبو حاتم مقالته ، فقيل له : تكتب هذا ؟ قال :
أكتب كل شىء يقوله الشيخ )) ا هـ .
فقلتُ فى نفسى : ومالى لا أفعل مثلما فعل ابن حبان ؟ وحتى لو قال لى الشيخ
مقالة ابن خزيمة لعددتها من فوائد ذلك اليوم .
وانطلقنا اليه ، وكان من أفضل أيامى التى أمضيتُها فى هذه الرحلة ، فقد
استقبلنى الشيخ استقبالا كريما ، وأمضيت معه أكثر من ساعتين ، وكان
يخدمُنا بنفسه ، ويأتينا بالطعام يضعه أمامنا ، فكلما هممت أن أساعده أبى علىَّ
، ويشيُر أن أجلس ، ويقول : (( الإمتثالُ هو الأدبُ بل خيرٌ من الأدبِ ))
ويعنى به : أن الإمتثال لرغبته فى الجلوس خير من سلوكى الذى أظنُّه أدباً ، لأن
طاعتى له هى الأدب . وكان يوماً حافلا قص على الشيخ فيه ما جرى بينه وبين الشيخ
محمد نسيب (7) الرفاعى حفظه الله .
ولا يفوتنى أن أقول : كنت قابلت الشيخ نسيب الرفاعى بصحبة الأستاذ أحمد عطية
المتقدم ذكره فى بيته بحى الهاشمى فى عمان البلقاء ، ولقلما رأت عيناى مثله فى
تواضعه وأدبه وحسن خلقه ، وكان معظم كلامه عن الشيخ الألبانى ، وبرغم تقاربهما
فى السن الا أنه كان يبالغ فى تعظيم الشيخ ، وقال لى : أنا مدينٌ بالفضل لرجلين
: الأول : ابن تيمية ، والثانى : الألبانى .
وقال لى : لقد تآزرنا فى نشر الدعوة السلفية فى سوريا ، وكان الشيخ يزورنا فى
حلب ، فدخلت على ابنتى " عائشة " وكانت صغيرة ، فقال لى الشيخُ : لو كانت كبيرة
لتزوجتها وكنت منى بمنزلة أبى بكر من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فانظر ما كان
بينى وبينه من الآصرة .
وقرأ علينا أبو غزوان مقدمته لكتابه : (( التوصل الى حقيقة التوسل )) وقصَّ
علىَّ أشياء ذكرتها فى (( طليعة الثمر الدانى فى الذب عن الألبانى )) . وهو
القسم الخاص بترجمة الشيخ الألبانى حفظه الله تعالى .
وقد أمضيت نحو شهر فى هذه الرحلة ، ولما علم الشيخ بموعد سفرى دعانى على الغداء
عنده فى يوم الرحيل ، وسألنى عن حال السلفيين فى مصر ، وسألته عن الطريقة
المثلى لنشرة الدعوة ، وكيف نواجة المخالفين لنا ، وكان يوما حافلا أمضيته مع (
عميد السلفيين ) فى العالم الإسلامى حفظه الله وبارك فى عمره0
--------------------------------------
(1) اقتباس من كلام الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ورضي عنه في
مقدمته لكتابه ( الرسالة ) تحقيق المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه
الله .
(2) قال النبي صلي الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء الخزاعي : ((إِنَّا لَمْ
نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ ، وَإِنَّ
قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، فَإِنْ شَاءُوا
مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ
أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ
فَعَلُوا وَإِلا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي
، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ )) فَقَالَ بُدَيْلٌ : سَأُبَلِّغُهُمْ مَا
تَقُولُ .
(3) توفي شيخنا رحمه الله و رضي عنه يوم السبت 22 / جمادي الآخرة / 1420 هـ
الموافق 2/ 10/1999 بعد عصر هذا اليوم ، فاللهم ارض عنه و اغفر له و ارحمه كفاء
ما قدَّم للمسلمين من تقريب السنة والذب عنها .
(4) ثم ثوفي الشيخ رحمه الله في رجب ( 1417هـ) اللهم اغفر له و ارحمه ، وارض
عنه كفاء ما نافح عن دينك ، وما جاهر بكلمة الحق .
(5) و في " لسان العرب " ( 4/3876 ) قال : " والكسعي الذى يضرب به المثل في
الندامة ، وهو رجل رام رمي بعد ما أسدف الليل عيرا فأصابه ، و ظن أنه أخطأه
فكسر قوسه ، وقيل : وقطع أصبعه ثم ندم من الغد حين نظر إلي العير مقتولا وسهمه
فيه ، فصار مثلا لكل نادم علي فعل يفعله ، و اياه عني الفرزدق لما قال:
ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقة نوار
وقول الآخر :
ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناه ما فعلت يداه "
وذكر ابن منظور سببا آخر
(6) وهو حديث باطل كما حققته عند الرقم ( 1529 ) من هذا الكتاب والحمد لله
(7) ثم توفى رحمه الله يوم الأربعاء الرابع عشر جمادى الآخرة سنة ( 1412هـ)
فاللهم ارض عنه وتقبله
موقع الشيخ:
http://www.alheweny.com/index2/index.htm
العنيد- عضو ذهبى
- عدد الرسائل : 547
نقاط : 642
تاريخ التسجيل : 18/09/2008
رد: حروف في حق هذا العلامة : الشيخ أبو إسحاق الحويني
جزاك الله خير ونفع بك
العنتيل- عضو ذهبى
- عدد الرسائل : 450
نقاط : 650
تاريخ التسجيل : 16/12/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 9:57 pm من طرف seif
» البيجامات الشتويه
الخميس نوفمبر 14, 2013 1:44 pm من طرف نفيسة النكادي
» تعالوا نتعلم التطريز خطوة بخطوة../ غرزة الظل
الثلاثاء أكتوبر 01, 2013 12:24 pm من طرف الوفاء اخلاص
» فيديو.. لحظة إطلاق الإخوان الخرطوش علي متظاهري الإسكندرية - See more at: http://almogaz.com/news/politics/2013/06/29/981646#sthash.LM2ITjLz.dpuf
السبت يونيو 29, 2013 11:41 am من طرف ashraf
» عاجل| أجهزة الأمن تلقي القبض على 6 مسلحين من التيار الإسلامي بالإسكندرية والقاهرة والدقهلية - See more at: http://almogaz.com/news/politics/2013/06/28/980720#sthash.7YiLhZQE.dpuf
الجمعة يونيو 28, 2013 6:57 pm من طرف ashraf
» عودة القناصة بالآلي حول مقر الإخوان بالإسكندرية
الجمعة يونيو 28, 2013 6:55 pm من طرف ashraf
» عودة القناصة بالآلي حول مقر الإخوان بالإسكندرية
الجمعة يونيو 28, 2013 6:43 pm من طرف ashraf
» تحميل برنامج خاشع المؤذن للجوال نوكيا n73 - n95 - n70
الإثنين ديسمبر 10, 2012 9:55 am من طرف waleedclim
» الديكور الخارجي والحدائق ...
الخميس نوفمبر 15, 2012 1:17 pm من طرف steam84