اختطاف الدكتور محمد البرادعي‏!‏

من طرف فواكة الأربعاء أبريل 21, 2010 3:27 pm

اختطاف
الدكتور محمد البرادعي‏!‏

بقلم: د.عبد المنعم سعيد

اختطاف الدكتور محمد البرادعي‏!‏ Sabdal

الدكتور محمد البرادعي
شخصية دولية مرموقة‏,‏ وراءه تاريخ طويل منذ كان
دبلوماسيا مصريا
مشهودا له بالكفاءة‏ حتي صار مسئولا عن مؤسسة دولية مهمة
زادت أهميتها
مع التطورات التي جرت في العلاقات الدولية خلال العقدين
الماضيين‏.

اختطاف الدكتور محمد البرادعي‏!‏ Px_wight

وعندما حصل مع
الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي
جائزة نوبل للسلام‏,‏ ومن بعدها فيض من
الجوائز الأخري التي قدمتها
الدول والمؤسسات‏,‏ ودرجة الدكتوراه الفخرية
التي قدمها العديد من
الجامعات المرموقة‏,‏ كل ذلك كان شهادة أن الرجل قدم
الكثير من الخير
للعالم الذي نعيش فيه‏.‏ ولا يختلف أحد علي أن واحدا من
أسباب نجاح
صاحبنا أنه تعامل مع العالم كما هو‏,‏ وليس كما يتمناه‏;‏ فلم
تكن
الدنيا التي تعامل معها عادلة‏,‏ ولا كما تمناها‏,‏ ولا كان القانون
الذي
يستخدمه معصوب العينين بحيث لا يميز أو يفرق بين بشر أو دول‏.‏
وببساطة
كان العالم الذي يتعامل معه البرادعي في الوكالة الدولية للطاقة
الذرية
بعيدا تماما عن المثالية‏,‏ حيث بدأ بالتمييز ما بين قوي خمس نووية
تمتلك
السلاح الذري‏,‏ وبقية دول العالم التي عليها أن تظل بعيدة عن هذا
الحق‏.‏
ومن داخل هذه المعادلة العامة غير العادلة‏,‏ كانت هناك دول امتلكت

السلاح النووي‏,‏ وتعلم العالم أن يتعايش معها‏,‏ كما هو الحال مع الهند
وباكستان
وإسرائيل‏,‏ ودول أخري ظل العالم يناوئها ويتحداها ويفتش عليها
مثل
العراق وإيران وكوريا الشمالية‏.‏ وسواء كان الأمر داخل الوكالة
الدولية
أو في منظمات الأمم المتحدة الأخري‏,‏ فإن من درس المنظمات
الدولية‏,‏
أو عمل فيها‏,‏ يعرف أن العاملين فيها‏,‏ خاصة في الوظائف
القيادية‏,‏
عليهم السير علي حبل رفيع فوق هوة سحيقة لتحقيق المواءمة بين
تناقضات
دول عظمي‏,‏ ومصالح دول كبري‏,‏ ومواءمات كثيرة بين المبادئ وذنوب
السياسة
العملية‏.‏ ولمن لا يصدق فعليه مراجعة كتب أستاذنا الدكتور بطرس
بطرس
غالي الذي حصل علي فترة ولاية واحدة كسكرتير عام للأمم المتحدة‏;‏ أما

الدكتور البرادعي فقد كان أكثر نجاحا في تحقيق أهداف الوكالة حتي حاز
جائزة
نوبل من ناحية‏,‏ وحصل علي ثلاث فترات ولاية من ناحية أخري‏,‏ وهو ما

يحسب له ولمهارته السياسية في التعامل مع واقع معقد تعامل معه كما هو وليس
كما تمناه أو تصور حالته المثالية‏.‏
العكس تماما حدث عندما هبط
الدكتور البرادعي أرض مصر بسلامة الله محملا
بهذه الخبرة التاريخية في
السياسة العملية‏,‏ التي توظف الواقع وما فيه
لخدمة أهداف عظمي
ونبيلة‏,‏ ويكون هذا التوظيف من الحكمة بحيث يحقق الأهداف
من ناحية‏,‏
ولكنه لا يكسر المنظومة من ناحية أخري‏.‏ وبعد صمت دام طوال
حياته
العملية بدأت آراء البرادعي بشأن تغيير الواقع المصري تبعث الروح في
قضايا
كانت مطروحة وهي المعروفة بالقضايا الدستورية وتلك المتعلقة بنزاهة
الانتخابات‏,‏
ولكن قضايا أخري ما لبثت أن غطت عليها وأخذت مكانها في
الاهتمام
العام‏.‏ وسواء كانت هذه القضايا تعني تغيير الدستور كله‏,‏ أو
بعضا من
مواده‏,‏ أو قبول الرقابة الأجنبية علي الانتخابات أو البحث عن
بدائل
عملية لها‏,‏ فقد كان ذلك مشروعا تماما ضمن الحوار المصري العام حول
حاضر
مصر ومستقبلها‏.‏ ولكن مثل هذا الحوار ينقطع تماما ساعة المطالبة
بمقاطعة
الانتخابات المقبلة‏,‏ ووضع شرط التعديلات الدستورية قبلها وهي
التعديلات
التي لا تشمل كل المواد المطروحة للنقاش العام في مصر من أجل
التعديل‏,‏
كما أنها لا تجري ضمن حوار مؤسسي للفلسفة والأسس السياسية التي
تقوم
عليها العملية السياسية كلها‏.‏ كما أن الحوار ينقطع ساعة أن يبدو ما
يقول
به الدكتور البرادعي نوعا من الإملاء علي كل القوي السياسية المصرية
وفي
المقدمة منها تلك القوي التي لديها الأغلبية وعلي استعداد تام للدخول
في
منافسة شريفة وعادلة مع الدكتور البرادعي أو غيره اعتمادا علي سجلها
فيما
قدمته من حماية للأمن القومي المصري‏,‏ وتغيير الحياة الاجتماعية
والاقتصادية
والسياسية المصرية خلال العقود الثلاثة الماضية‏,‏ مع
الاستيعاب
الكامل لأربعين مليونا من المصريين الجدد ولدوا خلال هذه
الفترة‏.‏
ولو
أن أفكار المقاطعة هذه قد وردت علي ذهن الدكتور البرادعي خلال وجوده في
الوكالة الدولية للطاقة الذرية لما نجح أبدا في تحقيق أهدافه وأهداف
المنظمة
الدولية‏;‏ ولو طالب بمقاطعة إسرائيل لأنها تخالف اتفاقية منع
انتشار
الأسلحة النووية لما اكتملت فترته الأولي من العمل في الوكالة‏.‏
أما
سر نجاح رجلنا فقد كانت قدرته الفائقة علي ايجاد توافقات بين قوي هي
بطبيعتها
متناقضة تتحرك خطوة بعد خطوة‏,‏ ولا تلجأ إلي مجلس الأمن إلا بعد
استنفاد
كل الطرق والوسائل كما حدث مع إيران‏;‏ وفوق ذلك كله مهارة رائعة
في
صياغة الكلمات والعبارات التي تجعل إيران بريئة حينا ومدانة أحيانا
أخري‏,‏
ولكن العبارات تبقي الأبواب مفتوحة في كل الأوقات‏.‏
الدكتور البرادعي
هكذا يعتمد نوعية جديدة من السياسة لم يعرفها هو نفسه من
قبل‏,‏ ولا
عرفها العالم الذي يريد الإنجاز والتغيير بالفعل‏,‏ وهي نوعية
معنية
بتسجيل المواقف أكثر مما هي معنية بتغيير الواقع‏,‏ وهي مغرمة
بالمقاطعة
والانسحاب أكثر مما هي معنية بالبحث عن الطرق والوسائل التي تنقل

الواقع من حال إلي آخر‏.‏ وانعكس ذلك بوضوح في الموقف الذي اتخذه الدكتور
البرادعي
من العلاقة بين مصر وقطاع غزة ومنظمة حماس التي تحكمه‏,‏ حيث
انحاز
رجل القانون والسياسة الدولية المحنك فورا لمواقف حماس والجماعات
المتحمسة
لها في مصر علي حساب المصالح المصرية الواضحة‏.‏ وعند هؤلاء تختفي

تماما حقائق الانقلاب الذي قادته حماس علي السلطة الوطنية الفلسطينية‏,‏
وهي
السلطة الوحيدة التي يعترف بها النظام الدولي‏,‏ الذي كان الدكتور
البرادعي
علي رأس واحدة من مؤسساته حتي شهور قليلة مضت‏.‏ كما يختفي تماما
واقع
تثقيب الحدود المصرية بأنفاق تهرب السلاح من وإلي مصر وتجعل سيناء
المصرية
المقدسة مرتعا للمهربين والإرهابيين الذين قاموا بعمليات إرهابية
في
طابا وشرم الشيخ وذهب بعد تدريب بعضهم داخل قطاع غزة‏;‏ ومع كل هذا
تكوين
خلايا إرهابية منتمية إلي حزب الله اللبناني‏/‏ الإيراني تضع الخطط
من
أجل تدمير السفن في قناة السويس‏.‏ ومع الصورة كلها لا يبقي شئ من ذكري
اجتياح
سيناء من قبل ثلاثة أرباع مليون من الفلسطينيين‏,‏ ليس لأن الدكتور
البرادعي
لم يكن موجودا في مصر وقتها‏,‏ ولكن لأن الحل الذي يقترحه بفتح
رفح
كمنطقة حرة للفلسطينيين يعد ترديدا لمطالب منظمة حماس من ناحية‏,‏
وتنفيذا
لمخططات إسرائيلية مشهورة تريد أن تجعل من سيناء حلا لمشكلات
غزة‏.‏
والمدهش في الموضوع كله أن شخصا حقق نجاحه التاريخي استنادا إلي
القراءة
الدقيقة لملفات بالغة التعقيد‏,‏ يبدو وكأنه لم يقرأ أبدا ملف غزة
الذي
يقول إن كل المعابر ما عدا واحدا فقط للأفراد هي بين إسرائيل وقطاع
غزة‏,‏
وإن الحركة علي كل المعابر منظمة من خلال اتفاقية دولية فضلت حماس
خرقها
ووضع القطاع تحت الحصار علي وجود قوات وطنية فلسطينية علي الحدود‏.‏
ما
الذي يجعل شخصية مثل الدكتور البرادعي‏,‏ وحتي الحفنة من الليبراليين
الأصلاء
الذين يحيطون به‏,‏ يغلقون كل ما عرفوه من قبل في الممارسة
السياسية‏,‏
ويتحولون إلي جماعة يحكمها اللفظ‏,‏ والعبارة‏,‏ وأحاديث
الفضائيات
التليفزيونية‏,‏ ويهملون البحث عن سبل ووسائل تقوم بتغيير الواقع
ونقله
خطوة أو خطوات إلي الأمام؟ ولا يوجد تفسير لدي في كتب دراسة الواقع
السياسي
سوي أن الدكتور البرادعي‏,‏ علي ما هو عليه من علم وخبرة‏,‏ قد تم
اختطافه
من قبل جماعة سياسية ظلت دوما علي هامش الحياة السياسية المصرية
لأن
هدفها الأساسي من ناحية هو تمزيق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية
والعودة
مرة أخري إلي حالة الصراع والحرب مع إسرائيل والعالم الغربي‏;‏
ووسيلتها
إلي تحقيق هذا الهدف هي استخدام وسائل الإعلام بكثافة شديدة من
أجل
التشهير والتجريح‏.‏ وقد تعلم المواطن المصري أن مثل ذلك الأمر قد يكون
مثيرا ليوم أو بعض يوم‏,‏ ولكنه بعد ذلك لن تكون له قيمة عملية تذكر‏.‏
وفي
مصر ذاكرة حادة تعرف أن وزراء من المحيطين بالدكتور البرادعي كانوا
يوما
ضمن النظام السياسي الحالي‏,‏ ومن بينهم جماعة من الزاعقين لم تر
النور
الديمقراطي إلا منذ فترة قصيرة‏,‏ وهي عندما تتحدث عن الحرية تؤيد كل

أنواع الاستبداد في دول أخري‏,‏ وهي علي استعداد للمطالبة بمجتمع مفتوح مع
تدخل شامل للدولة في نفس الوقت وهي في حالة صراع مع العالم كله‏.‏
مثل
هذه التركيبات من الأفكار لا تتسق ولا تتلاقي‏,‏ أما في الدول التي
جربتها
فإن السياسة انتهت إلي ديكتاتورية فاضحة تجعل لا صوت يعلو علي صوت
معركة
لا تأتي أبدا‏,‏ ويسحق فيها الفرد تحت راية مصالح عامة مزعومة‏,‏
والجماعات
تحت شعار المصلحة القومية‏.‏ الجماعة التي اختطفت البرادعي هذه
أخذت
كثيرا من الأسماء خلال السنوات القليلة الماضية‏,‏ وعلي الأرجح أنها
سوف
تحرم مصر من الطاقة السياسية لشخصية موهوبة كان يكفيها أن تدخل في حزب
شرعي
مصري‏,‏ أو تخوض طريق المستقلين الذي حدده الدستور فإذا نجحت كانت
لدينا
معركة سياسية شريفة وعظيمة‏,‏ أما إذا فشلت فإن الساحة السياسة تكون
قد
عمرت بالأفكار والرؤي الجديدة‏,‏ وفوق ذلك تكون مزايا وعيوب النظام
القائم
قد ظهرت‏.‏ أما لو ترك الأمر علي حاله فإن مصر لن تحصل إلا علي اسم
جديد
أو معدل لذات الجماعة التي تخطاها الزمن والتاريخ
‏‏amsaeed@ahram.org.eg‏