هذه شروط الحج عن الميت‏{‏ متي يجوز تقديم بعض الأعمال عن الأخري؟

الحج بالتقسيط
من المقرر شرعا أن ملكية نفقة الحج أو العمرة‏(‏ وهي المعبر عنها في الفقه بالزاد والراحلة‏)‏ إنما هي شرط وجوب لا شرط صحة‏,‏ بمعني أن عدم ملكية الشخص لها في وقت الحج لا يعني عدم صحة الحج‏,‏ بل يعني عدم وجوبه عليه‏,‏ بحيث إنه إذا لم يحج حينئذ فلا إثم عليه‏,‏ أما إذا أحرم بالحج فقد لزمه إتمامه وحجه صحيح وتسقط عنه حجة الفريضة‏,‏ وكذلك الحال في العمرة‏.‏

وعلي ذلك فإن الحج والعمرة بالتقسيط لا بأس بهما شرعا‏.‏

الحج عن الميت
أوجب الله تعالي الحج علي المسلم المستطيع‏,‏ فقال عز وجل‏‏ ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏)(‏ آل عمران‏:97),‏ ومن استطاع الحج فلم يحج حتي مات وجب الإحجاج عنه من تركته‏,‏ لما روي أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إن أبي مات ولم يحج‏,‏ أفأحج عنه؟ قال‏:‏ أرايت لو كان علي أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال‏:‏ نعم‏,‏ قال‏:‏ فدين الله أحق رواه النسائي‏,‏ فشبه الرسول صلي الله عليه وسلم الحج بالدين الذي لا يسقط بالموت‏,‏ فوجب أن يتساويا في الحكم ويشترط فيمن يحج عنه أن يكون قد حج عن نفسه‏,‏ لما روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سمع رجلا يقول‏:‏ لبيك عن شبرمة‏,‏ قال من شبرمة؟‏,‏ قال‏:‏ أخ لي ـ أو‏:‏ قريب لي ـ قال‏:‏

حججت عن نفسك؟‏,‏ قال‏:‏ لا‏,‏ قال‏:‏ حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة رواه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان‏.‏

وعليه وفي واقعة السؤال‏:‏ فإنه يجب الإحجاج عن الوالد من تركته‏,‏ وعلي من يخرج للحج عنه أن يكون قد حج عن نفسه أولا‏,‏ من أهل المتوفي أو من غيرهم‏,‏ فإن رضوا بواحد فلهم ذلك وإن تنازعوا فليستأجروا من يحج عن المتوفي من ساكني الحرم الشريف أو ما حوله ليكون أقل تكلفة‏.‏ والله سبحانة وتعالي أعلم‏.‏

تقديم بعض الأعمال عن الأخري
تتلخص أعمال يوم النحر في رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ـ إن لم يقدم السعي بعد طواف القدوم ونحر الهدي للمتمتع والقارن من غير أهل مكة‏.‏

ويجوز للحاج أن يقدم بعض الأعمال علي بعض بما في ذلك فعل طواف الإفاضة قبل جمرة العقبة ـ لما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه شهد النبي صلي الله عليه وسلم وآله وسلم يخطب يوم النحر‏,‏ فقام اليه رجل فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا قبل كذا‏,‏ ثم قام آخر فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن انحر نحرت قبل أن أرمي‏,‏ وأشباه ذلك‏,‏ فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم‏:‏ افعل ولا حرج‏,‏ لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شئ إلا قال‏:‏ افعل ولا حرج رواه الشيخان وغيرهما‏.‏

أعمال يوم التروية
هل يجوز للحاج أن يتوجه إلي عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلا من التوجه لمني وذلك نظرا للزحام الشديد الذي يحصل عند الصعود إلي عرفات؟

يوم الثامن من ذي الحجة هو يوم التروية‏,‏ وسمي بذلك لأن الحجيج كانوا يستريحون فيه في مني ويريحون فيه دوابهم وهديهم ويروونها بالماء في طريقهم إلي عرفة استعدادا لأعمال هذا اليوم العظيم وما بعده من أعمال يوم النحر وأيام التشريق‏,‏ ويسن فقط ـ ولا يجب ـ للحاج أن يذهب فيه إلي مني في الضحي‏,‏ ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع قصر الصلاة الرباعية فقط وبدون جمع‏,‏ ويبيت فيها ليلة عرفة‏,‏ ثم يصلي فيها الفجر وينطلق إلي عرفة في الضحي أيضا‏,‏ فإن فعل خلاف هذا وذهب إلي عرفة من يوم الثامن خوفا من الزحام فلا شيء عليه وحجه صحيح‏,‏ غاية الأمر أنه قد ترك مستحبا‏,‏ بل وتركه لعذر‏,‏ فعسي أن يأخذ ثواب الشيء الذي لولا العذر لفعله‏,‏ وإنما الجبران يكون بترك الواجب لا السنة‏.‏

مغادرة المزدلفة بعد منتصف الليل؟
المبيت بالمزدلفة واجب عند الجمهور‏,‏ ويحصل الواجب بالبقاء بها ولو للحظة بعد منتصف الليل‏,‏ لأن الحاج بذلك يكون قد قضي أكثر من نصف الليل بها‏,‏ فيصدق عليه أنه بات بها‏,‏ وإن كان المسنون البقاء بها إلي أن يصلي الفجر ثم يقف بالمشعر الحرام للدعاء حتي قبيل شروق الشمس ثم يدفع إلي مني لرمي جمرة العقبة‏,‏ وورد في الحديث أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم رخص للضعفة وللنساء ولأصحاب الأعمال بالدفع بعد منتصف الليل تخفيفا عنهم ورعاية لخصوص أحوالهم وفي معني ذلك كل من يشق عليه الزحام‏,‏ روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ أنا ممن قدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله

ترك رمي الجمار ما الحكم
رمي الجمار واجب من واجبات الحج فيجب الدم بتركه‏,‏ وهو ذبح شاة لفقراء الحرم‏,‏ فإن لم يجد مالا للذبح صام عشرة أيام في بلدة ولكن يفصل بين ثلاثة منها وبين السبعة بفترة زمنية تعادل زمن رجوعه من مكة المكرمة إلي بلده‏,‏ لقوله تعالي‏‏ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏)(‏ البقرة‏196).‏

ماذا لو ترك الحاج طواف القدوم والإفاضة خلف حجر إسماعيل؟
المنصوص عليه عند السادة الأحناف أن الطواف خلف الحجر واجب وليس ركنا‏,‏ لأن كونه جزءا من البيت ثبت بخبر الواحد‏,‏ وخبر الواحد يثبت به الوجوب عندهم لا الفرض‏,‏ خلافا للجمهور في عدهم الطواف خلف الحجر ركنا يبطل بتركه الطواف‏.‏

فمن ترك الطواف خلف الحجر عند الحنفية وجب عليه اعادة الطواف ما دام بمكة‏,‏ فإن رجع إلي بلده بغير إعادة فعليه هدي يرسله إلي مكة‏.‏

وبناء علي ذلك وفي واقعة السؤال ـوعلي مذهب الحنفية‏:‏ـ فعلي من فعل ذلك‏(‏ هدي‏)‏ يرسله إلي مكة لجبر الخلل في الطواف وإذا كان من فعل ذلك قد توفي فإن ثمن الهدي دين عليه لله تعالي يجب اخراجه من تركته قبل تنفيذ الوصايا وتوزيع الميراث‏,‏ والحج علي ذلك صحيح إن شاء الله تعالي‏.‏

للنساء فقط
الحيض والنفاس ليسا من موانع الإحرام‏,‏ ولا يترتب عليهما فساد الحج إن حصلا خلاله‏,‏ فتقف المرأة بعرفة وتأتي بكل أعمال الحج فيما عدا الطواف والسعي‏,‏ لأن السعي لا يكون إلا بعد الطواف‏,‏ وتشترط الطهارة للطواف فإذا طهرت فإنها تطوف وتسعي‏,‏ فإن تأخر طهرها وخافت فوات الركب فطافت وسعت فيلزمها ذبح بدنة وذلك علي مذهب السادة الحنفية‏.‏