خطوة لتوثيق الألعاب الجماعية‏:‏ قبل أن يسقط طالع الشجرة من ذاكرة أطفالنا

خطوة لتوثيق الألعاب الجماعية‏:‏
قبل أن يسقط طالع الشجرة من ذاكرة أطفالنا
كتبت ‏-‏ سامية عبدالسلام
بريللا بريللا‏,‏الاستغماية‏,‏ صلح‏,‏ نطة الانجليز‏,‏ الترونجيلة‏,‏ الكبة‏,‏ الأولي‏,‏ سوسو في الميه‏..‏ أسماء لألعاب من بين مئات الألعاب التي مارسها آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا في طفولتهم‏,‏ أما الأبناء والأحفاد فلا يعرفون منها إلا مالا يزيد علي عدد أصابع اليد الواحدة والذي يصلهم محذوفا منه أو مضافا إليه‏.‏

وأبناء هذا الجيل لايتذكرون القليل المتاح من هذه الألعاب سوي في رحلاتهم أو تجمعاتهم التي تخلو من التليفزيون والانترنت والبلاي ستيشن والموبايل والتي استنزفت طاقاتهم وشحنت عقولهم بأفكار معظمها لايمت بصلة لمجتمعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا بل وقد يحتوي علي مضامين سلبية‏.‏

وقد تنبه مجموعة من الشباب الي أن تراثنا من الألعاب الجماعية الشعبية كاد يختفي ويسقط في قاع ذاكرة المجتمع فقرروا جمعه وتوثيقه مكتوبا ومصورا ومسموعا‏,‏ خاصة ان معظم هذه الألعاب تصاحبها أغان محببة للقلوب ومرتبطة بأجمل الذكريات‏..‏

هؤلاء الباحثون من موثقي التراث المهتمين بالأدب الشعبي يعمل معظمهم في المركز القومي لثقافة الطفل وينتمون لريف مصر بمحافظاته المختلفة‏,‏ فمنهم مدحت محفوظ ومحمد حسن وأحمد توفيق من أسيوط‏,‏ وأحمد الليثي من سوهاج وعلي عبدالمنعم من المنوفية وشيماء الصباغ من الاسكندرية وهشام عبدالعزيز من الجيزة وقد سبق ان شاركوا في توثيق اغاني الأطفال واكتشفوا من خلال هذا التوثيق ان كثيرا من اغاني الأطفال المعروفة مصاحبة للألعاب الجماعية التي تتركز ممارستها في صعيد مصر فطافوا المحافظات وجمعوا حوالي‏500‏ لعبة ووثقوها توثيقا أرشيفيا بهدف المحافظة علي التراث كما هو وحمايته من عمليات الاحلال والتجديد والازاحة التي تحدث له‏,‏

وهم الآن في مرحلة دراسة هذه الألعاب وفرزها وتنقيتها‏,‏ خاصة ان تلك الألعاب ابتدعها الأطفال بالفطرة وتوارثوها كما هي ويحتمل ان يكون من بينها مايرسخ سلوكيات سلبية مثل الرهان والمقامرة أو تشوبها بعض الألفاظ التي يختلف مدلولها من بيئة لأخري‏,‏ وتمارس هذه الألعاب في معظم المحافظات مع بعض الاختلافات في المسميات والألفاظ وطريقة اللعب‏,‏ فمثلا بريللا بريللا اسمها واحد في كل المحافظات ولعبة نطة الانجليز تعرف في الصعيد باسم أولها فويته وصلح اسمها في الصعيد رظن ولعبة الأولي التي تعشقها البنات في المدن تكرهها نساء الصعيد ويسمونها الحجلة وسبب كراهيتها أن المرأة كانت في الماضي تحجل‏(‏ تنط برجل واحدة‏)‏ عندما يموت زوجها‏

ولعبة الترونجيلة عادة يلعبها الأطفال العاملون بالورش وهي نوع من أنواع القمار‏,‏ وأبوح هو اسم لعبة مشهورة بالصعيد تصاحبها أغنية من أجمل أغاني التراث تبدأ باسم اللعبة‏,‏ ولأن لفظ أبوح من الألفاظ غير المستحبة لدي أهل المدن فقد اكتفوا بالتغني بمقطع من هذه الأغنية وهو ياطالع الشجرة هات لي معاك بقرة في حين أن الأغنية تتحدث عن الجهاد والبطولة والبسالة والشجاعة ويأتي هذا المقطع في قرب نهايتها‏!‏

والآن وبعد أن دخل الموثقون في مرحلة الدراسة والتنقيح والتسجيل والتصوير الفوتوغرافي والفيديو يفرض والسؤال نفسه‏..‏ وماذا بعد؟ وهل مازال الأطفال راغبين في ممارسة هذه الألعاب؟

الاجابة جاءت علي ألسنة الأطفال في مناطق الدرب الأحمر والسيدة عائشة والسيدة زينب وبولاق وامبابة وروض الفرج ومحافظات الوادي الجديد والصعيد‏..‏ فكلهم عاشقون لهذه الألعاب أما أطفال الأحياء الراقية فقالوا‏:‏ نلعبها احيانا عندما نكون مع اصحابنا‏.‏

اذن اهتمام الأطفال بهذه الألعاب مازال مستمرا‏,‏ لذا يهدف الباحثون إلي اعادة الاهتمام بهذه الألعاب وجعلها مادة متاحة لمعلمي الأنشطة المدرسية والتربية الرياضية ومنتجي أفلام الكارتون‏,‏ مع التفكير في تنظيم مسابقات علي مستوي المحافظات في هذه الألعاب التي يمكن عن طريقها المحافظة علي العادات والتقاليد الايجابية وبث القيم النبيلة والمحافظة علي هوية المجتمع المصري بكل عناصرها‏.‏

جهد هؤلاء الشباب في الحقيقة ليس الأول في جمع التراث وانما قد يكون الأسبق في أنه بالجهود الذاتية وفي تناوله للألعاب الجماعية‏,‏ فقد سبق للمركز القومي لثقافة الطفل اصدار الجزء الأول من موسوعة الأغاني الشعبية للأطفال والذي أعده وحرره مسعود شومان مع مجموعة من الباحثين‏,‏ كما يعد المركز الآن لإصدار الجزء الأول من موسوعة الحكايات الشعبية للأطفال الذي يعده أحمد توفيق ومدحت صفوت‏,‏ كما قامت مجموعة أخري من الباحثين الشبان بتجميع وتوثيق المعارف الشعبية من معتقدات وخبرات وثقافة‏,.‏ سجلوا عادات الناس وطقوسهم في المناسبات الاجتماعية مثل الميلاد والوفاة ومعتقداتهم في الأعمال والسحر وتفسير الأحلام والمأثور القولي لتراث المرأة المادي المرتبط بعملها في أعمال كادت تختفي مثل صانعة التلي والدلالة والماشطة والبلانة والمعددة والخاطبة‏..‏

فهل سنتوقف عند مجرد تجميع التراث الذي لايستفيد منه سوي المتخصصين من الباحثين وكتاب الدراما أم آن الآوان لنعيد الروح لتراثنا وموروثنا الثقافي الذي يمكن توظيفه لإعادة بناء شخصية الأجيال القادمة وتعميق انتمائهم؟

شكرا لك اخى بارك الله يك

شكرا لك اخى بارك الله يك