من قريب بقلم : سلامة احمد سلامة

من قريب
بقلم : سلامة أحمد سلامة
غزة ليست لبنان‏!‏
الكابوس الذي يسيطر علي إسرائيل‏,‏ هو أن يتكرر سيناريو حرب لبنان في غزة‏...‏ وأن تجد إسرائيل نفسها مجبرة في نهاية الأمر علي قبول وقف لإطلاق النار والعودة إلي هدنة أو تهدئة مع حماس‏,‏ بعد أن استخدمت أقصي ما لديها من الآلة العسكرية ومن طائرات ف ــ‏16‏ في ضرب البنية التحتية‏,‏ و اجتاحت بدباباتها وقواتها البرية غزة من ثلاث محاور بهدف تقسيمها الي شرائح‏

‏وواجهت برغم ذلك مقاومة صلبة لم تنجح في انقاذ آلاف من الأهالي المدنيين‏,‏ فسقط عدد كبير من الشهداء والمصابين‏.‏

ولهذا السبب كان طبيعيا أن تعرقل أمريكا وبريطانيا مشروع قرار مجلس الأمن الذي تقدمت به ليبيا ومصر بناء علي قرار الوزراء العرب‏,‏ لوقف إطلاق النار من الجانبين وفتح المعابر‏,‏ وكان طبيعيا أن يتفق أولمرت مع بوش وبراون علي تعطيل أي تدخل سريع لمجلس الأمن‏,‏ في وقف العدوان الإسرائيلي‏,‏ بهدف اعطاء إسرائيل وقتا كافيا لانجاز مهمتها تماما مثلما حدث في الحرب علي لبنان في يوليو‏2006.‏

إن المأزق الذي تواجهه إسرائيل في غزة‏,‏ لا يختلف كثيرا عن المأزق الذي واجهته في لبنان‏,‏ وإن كانت إمكانيات حماس وقدرتها علي المقاومة أقل كثيرا من الاستعدادات الهائلة التي واجه بها حزب الله جحافل القوات الإسرائيلية‏...‏ وقد دار جدل داخل إسرائيل ــ بعد الضربات الجوية العنيفة والخسائر الفادحة في الأرواح التي أنزلتها بأهالي غزة ــ حول ضرورة اتخاذ قرار استراتيجي بشأن استمرار العمليات العسكرية‏

‏ وهل يتم تطويرها إلي هجوم بري‏,‏ قد تتعرض فيه قوات إسرائيل لخسائر بشرية ليست علي استعداد لاحتمالها؟ إسرائيل تريد القضاء علي حماس دون خسائر من جانبها بغير حرب طويلة كما أعلن أولمرت‏,‏ وكما صرحت بذلك ليفني في باريس التي زعمت أن أغلبية الفلسطينيين والعرب يؤيدون إسرائيل في تحقيق هذا الهدف‏:‏ أي القضاء علي حماس‏!!‏

تروج اسرائيل لهذه الادعاءات التي وجدت تأييدا من جانب الرئيس بوش ومن دول الاتحاد الأوروبي‏,‏ فوصفت هذه المجزرة غير المتكافئة بأنها دفاع عن النفس ضد الارهاب‏,‏ لكي تبرر لإسرائيل استمرار عملياتها العسكرية واطالة أمدها‏.‏

ومن ثم فليس من المتوقع أن تسفر الجهود المبذولة في مجلس الأمن عن نتائج سريعة‏.‏ ولن يكفي في هذه الحالة صدور قرار بوقف العدوان الاسرائيلي‏,‏ مالم يكن مقرونا بفتح المعابر‏,‏ وذلك كشرط لهدنة قانونية تحت رقابة دولية‏.‏

إنها نفس القصة التي تكررت مع مليشيات حزب الله في لبنان‏,‏ والتي اتخذت ذريعة لاجتياح لبنان قبل عامين‏...‏ ولكن غزة في هذه المرة أهون شأنا وأضعف تسليحا من حزب الله‏,‏ ولذلك ستواصل إسرائيل حملتها العسكرية حتي تطمئن إلي أنها سحقت الكوادر الحمساوية‏.‏ ولكن ماذا بعد‏!‏

44607 ‏السنة 133-العدد 2009 يناير 22 ‏25 من محرم 1430 هـ الخميس

من قريب
بقلم : سلامة أحمد سلامة
يقظة مفاجئة‏!‏
حاولت الدول الأوروبية في اللحظات الأخيرة‏,‏ بعد أن قررت إسرائيل وقف العدوان من جانب واحد‏,‏ أن تعيد التوازن إلي مواقفها السابقة‏,‏ التي اتسمت بالتخاذل‏..‏ فلم تتدخل بالضغط علي إسرائيل إلا بعد‏22‏ يوما‏.‏

ثم تسارعت إلي مؤتمر في شرم الشيخ للعمل علي تحقيق هدف واحد هو‏:‏ عدم تهريب السلاح إلي حماس‏,‏أما المشاركة في إعمار غزة فقد رفضها الاتحاد الأوروبي بدعوي سيطرة حماس عليها‏.‏

ولابد أن تكون مأساة غزة وما تميزت به مواقف الاتحاد الأوروبي من جبن كشف عن التواطؤ الأمريكي ـ الإسرائيلي‏,‏ الذي ظهرت علاماته في الساعات الأخيرة قبل انصراف إدارة بوش‏,‏ بالتفاهم الأمني الذي وقعته ليفني‏,‏ قد فتحت عيون العرب علي حجم الخديعة والتضليل‏,‏ الذي وقعوا فيه بترتيب أمريكي ـ إسرائيلي ـ أوروبي‏..‏ استهدف تحقيق مآرب إسرائيل بالدرجة الأولي‏.‏

ولذلك جاءت المصالحة بين القادة العرب في قمة الكويت‏,‏ بمثابة انصياع لارادة الشعوب العربية التي ضاقت بأسباب التمزق والخلاف التي أوهنت العرب حتي صاروا لقمة سائغة لاسرائيل ومن يساندها‏.‏ ولربما أقضت دماء الشهداء ضمائرهم وانذرتهم بما يمكن أن يحمله المستقبل من أخطار في ظل ولاية امريكية جديدة‏.‏

لقد اتخذ المجتمع الدولي من الأزمة أحد موقفين‏:‏ موقف الإدانة الذي اتخذته الشعوب شرقا وغربا ضد العدوان‏.‏ وموقف التبرير والمسايرة الذي اتخذته أمريكا وأوروبا بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها‏,‏ وهو ما ساعد علي إطالة أمد الحرب حتي الثمالة‏.‏

لقد حاول الاتحاد الأوروبي إقناع الدول العربية بأنه قادر علي القيام بدور إيجابي في نزاع الشرق الأوسط‏.‏ وسارعت فرنسا إلي تبني وتنفيذ فكرة الاتحاد من أجل المتوسط علي أساس أنها تسهم في إقرار السلام بين شعوب الشرق الأوسط ودول المتوسط‏.‏

ولكن هذه المذبحة الوحشية الإسرائيلية في غزة‏,‏ التي تجاهلت أوروبا فظاعتها وبربريتها نحو ثلاثة أسابيع دون تحرك جاد‏,‏ أثبتت أنه لا يمكن التعويل علي دور أوروبي متوازن‏.‏

بعد أن يهدأ غبار الحرب‏,‏ يحاول الأوروبيون تعويض تخاذلهم وارتباك مواقفهم‏,‏ بتقديم المنح والمساعدات للسلطة الفلسطينية‏.‏ فهذا هو النمط السائد في السلوك الأوروبي القائم علي تمويه المواقف‏.‏

ولكن التعويل علي دور أوروبي إيجابي في تسوية نزاع الشرق الأوسط أو كبح جماح استخدام إسرائيل المفرط للقوة‏,‏ سوف يظل معلقا بخيط رفيع في الهواء‏..‏ مشروطا بتطور العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة إسرائيل الجديدة بعد الانتخابات‏.‏ وكما كانت حرب غزة هي صيحة الألم والعجز التي هددت بانهيار النظام العربي‏.‏

فقد كانت أيضا دعوة حارة إلي نبذ المحاور والانقسامات العربية‏..‏ فعسي أن تصمد هذه المصالحة للتحديات‏!‏
salama@ahram.org.eg