حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

من طرف **سهر الليالى** السبت يناير 03, 2009 11:21 am

44588

‏السنة 133-العدد

2009

يناير

3

‏6 من محرم 1430 هـ

السبت

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

الجنرال ينتظر محمود درويش

كان
في أوج شهرته الأدبية‏..‏ ككاتب مسرحي من مآثر القرن العشرين‏..‏ وما إن
بدأ خطواته الأولي في القرن الحادي والعشرين‏,‏ حتي ألم به مرض عضال‏..‏
لكنه لم يرفع الراية البيضاء‏..‏ واكتفي هارولد بنتر الكاتب البريطاني
بالقول عام‏2005‏ كتبت‏29‏ مسرحية وهكذا يكفي‏..‏ سأكرس وقتي للشعر
والانغماس في شئون السياسة الدولية‏..‏ وفي تلك اللحظة كان يصوب سهام
معارضته لسياسات جورج بوش الابن وحربه علي العراق‏..‏ وجرؤ وشبه أمريكا
بألمانيا النازية‏,‏ وأفاض في التنديد بجرائمها‏..‏

وفي ذات
اللحظة‏,‏ كان هارولد بنتر الذي فاز بجائزة نوبل للأدب‏,‏ يناهض بشدة
الاعتداءات الاسرائيلية علي الشعب الفلسطيني‏,‏ ولذلك عندما أتاه نبأ موت
الشاعر الفلسطيني محمود درويش في أغسطس‏2008,‏ أصر علي ان يرثيه بقصيدة
كتبها من فوق سرير مرضه‏..‏ وكان عنوانها الموت موت درويش‏,‏ وموته هو
الذي اتي واختطفه منذ أيام‏..‏

لكن المثير حقا ان الموت الذي أتي
لم يكن موت الكاتب المسرحي ولا الشاعر الفلسطيني‏,‏ فقد طغي علي موتهما
هوس الموت الجماعي لدي الجنرال ايهود باراك الطامح للسلطة‏,‏ وتسيبي ليفني
المتيمة بتكريس أركان دولة صهيونية لايعكر صفو نقائها اليهودي شوائب
فلسطينية عالقة من حرب عام‏1948..‏ وسبيلها الوحيد لتحقيق هدفها هو شن
الحرب ضد الفلسطينيين وإبادتهم‏.‏

نعم‏..‏ الحرب والتطهير العرقي
والإبادة‏..‏ ممارسة اسرائيلية تمثل جوهر المهمة الصهيونية المقدسة‏..‏
وهي يتوارث طقوسها الوحشية الأبناء عن الاباء‏..‏ باعتبارها الشرط الحيوي
لاستمرار وجودهم‏..‏ وهو ما عبر عنه الجنرال رافائيل ايتان رئيس الأركان
الأسبق بقوله‏:‏ العربي الطيب‏,‏ هو العربي الميت

وامتثالا لأسنة
رماح هذا القول‏..‏ أطلق الجنرال ايهود باراك طائراته صباح السبت الأخير
من‏2008‏ لاخماد انفاس الفلسطينيين في غزة‏,‏ وبعثرة أشلائهم وحشرهم في
حفر الموت الجماعي‏..‏ واتكأ الجنرال وليفني واقرانهم علي ذريعة صواريخ
حماس‏..‏ وهي صواريخ تدوي‏,‏ ولا تشكل تهديدا حقيقيا‏..‏ لكنها تسبب حالة
ازعاج سياسي غير مسموح به في موسم الانتخابات الاسرائيلية‏,‏ والرأي
السائد هناك ان من يفوز في الانتخابات هو من يقتل أكبر عدد من
الفلسطينيين‏,‏ حتي يصيروا طيبين‏!‏

والمثير للدهشة انه في اليوم
الأول للمذبحة الاسرائيلية للفلسطينيين كان محمود درويش حاضرا‏,‏ وشوهد
وهو يوزع علي الموتي والجرحي قصيدة كالنبوءة‏..‏ كتبها عندما تصدع
وجدانه‏,‏ وانفطر قلبه فزعا ويأسا من تناحر الفصائل الفلسطينية‏,‏ ويقول
فيها‏:‏

ـ صدقت اني مت يوم السبت‏/‏ قلت علي ان أوصي بشيء‏/‏ فلم
أعثر علي شيء‏..‏ وقلت علي ان ادعو صديقا ما لأخبره باني مت‏/‏ لكني لم
أجد أحدا‏..‏ وقلت علي أن أمضي الي قبري لأملأه‏/‏ فلم أجد الطريق‏..‏ وظل
قبري خاليا مني‏..‏

ولايزال الجنرال باراك وليفني ينتظران محمود
درويش‏/‏ حتي يتأكدا بدفنه‏,‏ انه صار عربيا طيبا‏..‏ وحتي ينتزع باراك
لقب ملك اسرائيل من الجنرال شارون‏..‏ وتتوج ليفني نفسها علي عرش من اشلاء
الضحايا‏..‏

لكن محمود درويش لن يأتي‏..‏ ولن ينالوا منه حيا أو ميتا‏..‏ سيظل وعدا نبيلا يحلق في فضاء حلم الوطن الآتي‏.‏

من طرف **سهر الليالى** السبت يناير 10, 2009 2:44 pm

44595

‏السنة 133-العدد

2009

يناير

10

‏13من محرم 1430 هـ

السبت

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

المفكر والجنرال
وساحات الحرب

أستاذ متألق في جامعة عريقة‏..‏ ساورته الهواجس من مهرجان عم أرجاء عديدة من العالم‏,‏ ابتهاجا بانهيار الاتحاد السوفيتي عام‏1991.‏

وبرغم
انه كان سعيدا لما حدث‏,‏ إلا ان صامويل هنتنجتون الاستاذ والمحاضر بجامعة
هارفارد الأمريكية كان مستاء من الأفكار الفجة والغوغائية التي كانت
تتقافز فوق المسرح السياسي الأمريكي‏,‏ وتبشر بحد السيف ان امريكا التي
اضحت القوة الوحيدة في العالم سوف تعيد صياغته طبقا لمصالحها السياسية
وهويتها الثقافية‏.‏

وامتطي مفكر أمريكي هو فرانسيس فوكوياما صهوة
الجواد الأمريكي الجامح‏,‏ وكتب مقالا نشره عام‏1992‏ اعلن فيه نهاية
التاريخ بانتصار الرأسمالية والليبرالية‏,‏ وزحف أسواقها الحرة في كل بقاع
الدنيا لنشر الديمقراطية‏.‏

وعندما تأمل صامويل هنتنجتون ما كتبه
فوكوياما لم يخالجه الشك في انه مجرد أحلام يقظة‏,‏ ذلك ان التاريخ لم
يغلق ابوابه‏,‏ واعتزل في كهف علي اطراف الكون‏..‏ فقد كان يري ان نهاية
الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية سوف يفسح الطريق لصراع
الحضارات والثقافات وحروبها القادمة‏,‏ وبدا ان الصراع الوشيك سوف يكون
بين الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية‏.‏

والمثير للدهشة انه قبل
ان يجف مداد المقال الذي كتبه هنتنجتون عام‏1993,‏ وعبر فيه عن أفكاره
هذه‏..‏ خيمت رؤيته علي حرب الابادة العرقية التي شنتها صربيا علي البوسنة
حتي لا يرتفع العلم الأخضر في قلب أوروبا‏..‏ ولهذا عربدت حرب الابادة ضد
المسلمين حتي انتهت عام‏1995.‏

وسرعان ما اندلعت المعركة الكبري‏,‏
وسط اجواء افكار هنتنجتون وهي المعركة التي خاضتها أمريكا ضد كل من
افغانستان والعراق انتقاما من هجمات‏11‏ سبتمبر‏..‏ لكن الوقائع اكدت ان
امريكا تعللت بهجمات سبتمبر‏,‏ وبرر بها صقور واشنطن من المحافظين الجدد
مخططهم الذي وضعوه عام‏1997‏ للهيمنة علي العالم‏..‏

وفي تلك
الأوقات العصيبة‏,‏ نصب بوش الابن نفسه رئيسا لزمن الحرب‏..‏ وهب للوقوف
الي جانبه ومؤازرته الجنرال أرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل انذاك‏..‏
وكان هدفه ان تصير المقاومة للاحتلال الاسرائيلي مجرد ارهاب‏..‏

ولم
يعد ثمة مجال للحديث أو حتي الثرثرة في واشنطن عن المشكلة الفلسطينة‏,‏
واختفت من اجندتها‏..‏ ولم تظهر الا عندما رأت كوندوليزا رايس ضرورة
توظيفها سياسيا لحشد العرب في الصراع الذي نشب مع ايران وملفها النووي
الذي يهدد أمن اسرائيل‏.‏

ذلك ان أمن اسرائيل أمر مقدس لدي بوش‏,‏
حارب من أجله في العراق‏..‏ وناصب من اجله ايران العداء‏..‏ ولا بأس وهو
في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض ان يؤيد اسرائيل في حربها الوحشية علي
الفلسطينيين في غزة لوأد حماس وسحق صواريخها‏.‏

وفي ذات اليوم الذي
شنت فيه اسرائيل حربها في‏27‏ ديسمبر الماضي‏..‏ اعلن نبأ موت صامويل
هنتنجتون‏,‏ ولم يدل برأي فيما يجري من حرب ابادة وحشية ضد الفلسطينيين‏,‏
ولم تكتحل عيناه برؤية ساحة الحرب الهمجية التي نصبتها اسرائيل تحت ستار
دخان أفكاره‏.‏

من طرف **ابراهيم** السبت يناير 17, 2009 10:55 am

44602

‏السنة 133-العدد

2009

يناير

17

‏20 من محرم 1430 هـ

السبت

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

جميلة واخواتها ومحرقة الجنرال

ضابط
طموح‏,‏ لم يتردد في أن يتخفي في هيئة امرأة لينفذ مهمة إرهابية‏..‏ وحتي
يتقن تنكره‏,‏ أطال النظر في المرآة حتي يتجمل‏...‏ ثم تسلل علي متن قارب
من إسرائيل الي بيروت‏..‏ وهناك تمكن إيهود باراك بمساعدة فريق من
المخابرات‏(‏ الموساد‏)‏ من اغتيال ثلاثة من القيادات الفلسطينية في
ابريل‏1973‏ انتقاما لشبهة علاقتهم بالهجوم علي الفريق الاسرائيلي في دورة
الألعاب الأوليمبية في ميونيخ بألمانيا‏.‏

وعاد مزهوا من حيث أتي‏..‏ ولعل جولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك منحته وساما وكانت من أمرت بحملة اغتيالات للشخصيات الفلسطينية‏.‏

وصار
باراك أكثر العسكريين حصولا علي الأوسمة والنياشين لتعاظم دوره في سفك دم
الفلسطينيين‏..‏ وهي مؤهلات صهيونية جعلت منه جنرالا ورئيسا للوزراء‏.‏

وعندما
تضافرت أطوار الانتفاضة الفلسطينية الثانية مع الصراعات الحزبية والسياسية
الاسرائيلية تمهل ايهود باراك إلا قليلا بعيدا عن حلبة السياسة‏,‏ وأصبح
رجل أعمال ناجحا‏,‏ وصار موسرا وغنيا‏..‏ ولكنه عاد الي عالم السياسة
عام‏2007,‏ وأصبح رئيسا لحزب العمل‏,‏ واشترك في الحكومة الائتلافية
لايهود أولمرت‏..‏ غير ان الحزب في ظل قيادته تشحب شعبيته‏.‏ ولهذا قال
الروائي الاسرائيلي الشهير عاموس عوز ان حزب العمل أكمل دوره التاريخي
وكان هذا الحزب الذي هيمن علي الحياة في اسرائيل حتي عام‏1977‏ هو حزب
الإرهابي القديم ديفيد بن جوريون‏,‏ أول رئيس لوزراء اسرائيل عام‏1948..‏
كما انه حزب جولدا مائير رئيسة الوزراء‏,‏ التي كان يؤرق نومها تزايد
المواليد والأطفال الفلسطينيين‏.‏

وسادت التكهنات بأن نتائج
انتخابات فبراير المقبل قد تشيع ايهود باراك زعيم الحزب ووزير الدفاع الي
مثواه السياسي الأخير‏..‏ ولهذا قال كاتب امريكي في صحيفة كبري إن باراك
يعتبر رجلا ميتا يمشي في دروب السياسة الاسرائيلية‏..‏ وان أعضاء حزبه
يتآمرون للاطاحة به بعد الانتخابات‏.‏

لكن الجنرال الذي تخفي في
هيئة امرأة‏..‏ كان يخفي في جعبته مفاجآت فقد دبت فيه الحياة عندما أطلق
الة حرب الإبادة علي الفلسطينيين في غزة‏..‏ وكان كلما يزداد عدد الشهداء
والجرحي تزداد شعبية الجنرال وحفر مكانا متقدما في الحكومة القادمة بدم
الفلسطينيين‏,‏ وأشلاء ضحاياهم‏..‏

وأحيا نموذج المقاتل الصهيوني
التقليدي من أمثال الجنرال موشي ديان‏,‏ والجنرال آريل شارون‏..‏ يلتف
الاسرائيليون من حوله‏,‏ ويرسلون عبر قنابله وصواريخه رسائل الموت لردع
الأعداء‏..‏

ولذلك أفرط الجنرال وأقرانه في ممارسة القوة‏,‏
وأسرفوا في استخدام أسلحة محرمة دوليا فقأت عيني الطفل لؤي‏,‏ وشطرت جسد
الطفلة جميلة‏,‏ وبترت ساقيها‏..‏ فلما أفاقت قالت أريد ان أصبح صحفية حتي
يتسني لها كشف أسرار محرقة غزة‏.‏

وتفصح محرقة غزة ضمن أسرار
أخري‏,‏ عن ان الجنرال وتسيبي ليفني في سعيهما المحموم لإقرار السلام
الاسرائيلي في المنطقة‏,‏ يرفعان شعار الجنرال رفائيل إيتان رئيس الأركان
الاسبق‏:‏ العربي الطيب‏,‏ هو العربي الميت‏.‏

جميلة‏..‏ لاتزالين
انت واخواتك وأقرانك في اتون محرقة الجنرال‏..‏ حتي تتم ابادة الأطفال‏..‏
ويمكن للسيدة العجوزة جولدا مائير ان تنعم بنوم عميق دون أرق أو قلق‏.‏

من طرف tofeee السبت يناير 24, 2009 2:02 pm

44609

‏السنة 133-العدد

2009

يناير

24

‏27 من محرم 1430 هـ

السبت

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

ابن المهاجر ولغز هذه الدهشة

لم
يتمكن من الدراسة سوي عام واحد‏..‏ فقد كان والده في حاجة ماسة إليه
ليساعده في الزراعة‏..‏ ولكن العام الذي تعلم فيه الفتي الأمريكي ابراهام
لينكولن القراءة والكتابة كان يكفي لتوهج شغفه بالمعرفة‏,‏ وولعه
بالقراءة‏..‏ وهو ما أعانه علي أن يغدو فصيحا وبليغا‏,‏ ومحاميا لامعا‏,‏
بعد أن سنحت له الفرصة عام‏1836‏ لدراسة القانون‏.‏

واشتبك المحامي
ابراهام لينكولن مع شغب الحياة السياسية وتياراتها‏,‏ وصار مرموقا‏..‏
وتزوج من فتاة جميلة ومثقفة‏,‏ هي ماري تود عام‏1842.‏ ورافقته في رحلة
صعوده‏,‏ حتي أصبح رئيسا لأمريكا‏..‏ وكانت تجلس إلي جواره‏,‏ وتمسك بيده
لحظة اغتياله عام‏1865.‏

ولم تكن مسيرة لينكولن سهلة ولا يسيرة‏..‏
فما إن أضحي الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة في مارس‏1861,‏ حتي
انفصلت ولايات جنوبية من الاتحاد‏,‏ احتجاجا علي معارضته للرق
والعبودية‏..‏ وسرعان ما اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال
والجنوب‏..‏ وأصدر لينكولن في أثناء معاركها الضارية‏,‏ اعلان تحرير
العبيد عام‏1863..‏

وعندما انقشع غبار الحرب بانتصار الشمال‏,‏ صار
لينكولن البطل القومي الموحد للأمة‏,‏ والمحرر للعبيد‏..‏ غير أنه لم تكد
تمر أيام علي هزيمة الجنوب حتي أطلق ممثل مسرحي عنصري طلقة أصابت لينكولن
اصابة مميتة بينما كان يشاهد مسرحية مع زوجته ونفر من أصدقائه‏..‏ ولفظ
أنفاسه الأخيرة صباح‏15‏ ابريل‏1865.‏

وغدا لينكولن بطل الأمة‏,‏
وقديسها‏..‏ وصارت كلمته ومواقفه السياسية قنديلا تهتدي بنوره‏..‏ ولأنه
محرر العبيد‏..‏ فقد احتشد الأمريكيون السود حول نصبه التذكاري في واشنطن
في الذكري المائة لاصداره بيان التحرير‏..‏ وقاد مارتن لوثر كينج مسيرة
كبري عام‏1963‏ للمطالبة بالحقوق المدنية‏,‏ التي أنكرها العنصريون عليهم
طوال تلك السنين‏.‏

وكانت المسيرة فتحا مبينا‏..‏ وحصل السود‏,‏ اعتبارا من عام‏1964‏ علي حق الاقتراع الانتخابي‏,‏ كما ألغيت القوانين العنصرية‏.‏

ولكن
حلم لوثر كينج الذي أفصح عنه عام‏1963,‏ وتصور فيه أن يجلس يوما معا أبناء
العبيد السابقين‏,‏ وأبناء مالكي العبيد السابقين إلي مائدة الاخوة لم
يكتمل تحققه إلا في‏20‏ يناير‏2009,‏ عندما تولي الأمريكي الأسود باراك
أوباما الرئاسة‏,‏ في زمن أمريكي جد عصيب‏..‏ زمن يطغي فيه القلق علي مسار
أمريكا ومصيرها‏..‏ عقب ثماني سنوات كارثية حكم فيها بوش الابن البلاد‏,‏
وأوردها بنزق سياساته مورد الأزمة الطاحنة‏..‏ وهي أزمة ينكشف في غمار
تداعياتها النظام الأمريكي‏,‏ وسط ركام تداعي اقتصاده‏,‏ وحربين فاشلتين
في أفغانستان والعراق‏..‏ وكراهية وغضبا يعصفان بهيبة أمريكا‏..‏

وفي
هذا الزمن الأمريكي المسكون بالهواجس العارمة‏,‏ والمخاوف الجامحة‏,‏
اعتلي أوباما المنصة التاريخية لإبراهام لينكولن‏..‏ ولوح بالأمل
والتغيير‏..‏ وبدا واثقا من إمكان تجاوز الأزمة العاتية‏..‏ عبء ثقيل
وعسير‏,‏ وتحديات خارجية وداخلية جسام‏..‏ ينوء بها كاهل ابن المهاجر
الافريقي من كينيا‏,‏ والأم البيضاء من تكساس‏..‏

لكن أمريكا‏,‏
التي نصبت أوباما رئيسا‏,‏ لاتزال‏,‏ فيما يبدو‏,‏ قادرة علي إثارة دهشة
العالم بامكان تجديد نفسها بالديمقراطية‏,‏ وإعلاء شأنها بالحرية‏..‏ وهذا
هو المعني الحقيقي لفوز أوباما ابن المهاجر‏,‏ الذي كان يري بعين خياله
إبراهام لينكولن وزوجته ماري وهما يشاركان القوم دهشتهم وفرحتهم بتوليه
الرئاسة‏..‏ ولعله كان يتذكر قول لينكولن للصحفيين إثر توليه الرئاسة‏..‏
لقد انتهت متاعبكم‏,‏ وبدأت متاعبي‏.‏

من طرف قسمة ونصيب السبت يناير 31, 2009 1:42 pm

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

فتاة عند السور ويوم محرقة غزة

فتي
صغير‏,‏ تشير كل الظروف المحيطة به إلي أنه هالك لامحالة‏,‏ فقد زجت به
الأحداث في غيابات معسكر اعتقال رهيب‏,‏ ابان الحرب العالمية الثانية‏..‏
وكانت الممارسات الوحشية في ذلك المعسكر النازي الألماني‏,‏ توحي بأن
الفتي الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره سوف تزهق روحه‏,‏ ان عاجلا أو
آجلا‏..‏ وبينما كان ينتظر مصيره المحتوم‏,‏ ساقت الاقدار إليه فتاة في
مثل سنه‏..‏ ودأبت علي أن تلقي اليه كل يوم بتفاحة عبر سور المعسكر‏..‏
وعندما انتهت الحرب بانتحار النازي ادولف هتلر في أبريل‏1945,‏ وهزيمة
ألمانيا النازية هزيمة نكراء وساحقة‏..‏ تم إطلاق سراح الفتي‏..‏ وتمكن من
الهجرة إلي أمريكا‏,‏ واستقر به المقام في نيويورك‏,‏ وهناك التقي بفتاة
تفاحة السور‏,‏ ووقع في هواها‏,‏ وتزوجا‏..‏

تلك هي حبكة رواية
ملاك عند السور كتبها أحد الناجين اليهود من المحرقة النازية الهولوكوست
وادعي ان وقائعها حقيقية‏.‏ واجتذبت أنباء الرواية ومؤلفها هيرمان
روزنبلات‏,‏ أوبرا وينفري فاحتفت بها‏,‏ قبل صدورها‏,‏ في برنامجها
الشهير‏..‏ وهللت بأنها أعظم قصة حب‏!!‏

لكن ملاك عند السور سرعان
ماتبين انها اكذوبة مختلقة فقد أكدت صحيفة أمريكية‏,‏ في مقال نشرته لأحد
خبراء التاريخ أن وقائع الرواية لاتمت للحقيقة بصلة‏..‏ ولم يستطع المؤلف
المراوغة‏..‏ واضطر مرغما للاعتراف بأن ماكتبه عن قصة حبه للفتاة‏,‏ لم
يكن سوي محض خيال‏..‏ وبادرت دار النشر بوقف اجراءات اصدار الرواية‏..‏
واحتدم الجدل بين نخبة المثقفين والكتاب حول المحرقة النازية الألمانية‏,‏
وصناعة الهولوكوست‏!!‏ وقال كاتب في صحيفة أمريكية اننا نعيش في زمن أصبحت
فيه المحرقة النازية‏(‏ الهولوكوست‏)‏ تجارة تدر أرباحا طائلة‏..‏ واستشهد
آخر بموجة أفلام الهولوكوست التي أنتجتها هوليود لعرضها في دور السينما في
العام الحالي‏(2009).‏

وكان كاتب أمريكي يهودي هو نورمان فنكشتين
قد جرؤ عام‏2000,‏ ونشر كتابا عن صناعة الهولوكوست‏..‏ أشار فيه‏,‏ ضمن
وقائع وحقائق مهمة وخطيرة‏,‏ إلي اختلاق كاتب رواية سماها شذرات‏.‏ تماما
مثلما اختلق هيرمان روزنبلات ملاك عند السور والمفارقة المذهلة انه في
اليوم الذي كشفت فيه دار النشر أكذوبة رواية ملاك عند السور وهو يوم‏27‏
ديسمبر‏2008..‏ كان الثلاثي الصهيوني ايهود أولمرت‏,‏ وإيهود باراك‏,‏
وتسيبي ليفني يشرعون في صنع محرقة القرن الحادي والعشرين للفلسطينيين في
غزة‏.‏

ولاسبيل إلي الظن بأن المحرقة الصهيونية ضد الفلسطينيين سوف
تخمد نيرانها‏..‏ ذلك انها تمثل حلقة بربرية في مسلسل حرب الابادة
والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل علي الفلسطينيين منذ‏1948.‏ وهذا
مايكشف عنه مؤرخون إسرائيليون‏,‏ لعل من ابرزهم ايلان بابيه في كتابه
الوثائقي التطهير العرقي في فلسطين‏.‏

لكن المأساة حقا أن محرقة
غزة التي تمثل أوج العنف الصهيوني لطمس القضية الفلسطينية‏,‏ وتمزيق
ملفاتها‏,‏ وبعثرة أشلائها بين رام الله وغزة‏.‏ قد بدأت نيرانها عندما
أدرك إيهود باراك وتسيبي ليفني أن الافق الفلسطيني‏,‏ بل والعربي غائم
ومشوش بعنتريات البلاغة‏,‏ والرغبة المحمومة في الاضطلاع بأدوار وهمية‏..‏
والادهي والأمر أن الفخ الصهيوني لايزال منصوبا‏..‏ برغم محرقة غزة‏.‏

حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

رد: حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

رد: حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

رد: حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

رد: حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي