حصاد عام 2008‏ ‏(2)‏ الهجرة غير الشرعية‏..‏ حلم الباحثين عن الثراء بأي ثمن‏!!‏

من طرف **سهر الليالى** السبت يناير 03, 2009 3:37 pm

حصاد عام 2008‏ ‏(2)‏
الهجرة غير الشرعية‏..‏ حلم الباحثين عن الثراء بأي ثمن‏!!‏

يكاد
لا يمر عام إلا وتسلط وسائل الإعلام الضوء علي حادث مروع يتعرض له فوج من
الشباب المصري الحالم بالسفر إلي‏'‏ شاطئ الثراء‏'‏ علي الجانب الآخر من
البحر المتوسط‏,‏ حيث تعود جثث هؤلاء إلي ذويهم ليواروها الثري بعد أن غرق
مركبهم وضاعت أموالهم وتلاشت أحلامهم‏.‏

شهد عام‏2008‏ كثيرا من
حوادث الشباب الذين راحوا ضحايا للهجرة غير الشرعية‏,‏ وحين نتخيل الصورة
نجدها موجعة جدا‏,‏ خاصة عندما أن يتيقن شخص من أنه قد يقابل الموت‏,‏ ومع
ذلك يصر علي المغامرة بعمره‏,‏ بالرغم من كل ذلك فإن عصابات الهجرة غير
الشرعية في مصر واصلت جذب الشباب من خلال العديد من بعض الأساليب في
مقدمتها العزف علي حلم الثراء والخلاص من عسر الحياة‏,‏ وهو ما تستعمله
عموما عصابات الهجرة غير الشرعية لاجتذاب الشباب العربي بمن فيهم الشباب
المصري‏,‏ باستخدام القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من
راغبي الهجرة‏..‏ مشهد يتكرر باستمرار في مصر‏,‏ حيث يستقل هؤلاء الشباب
بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلي ليبيا ومن هناك إلي أوروبا أو للسفر
بها إلي قبرص أو اليونان مباشرة‏,‏ مما أدي إلي احتلال قضية الهجرة غير
الشرعية كافة وسائل الإعلام في الشهور الأخيرة من العام الماضي‏2007‏ حتي
نهاية العام الحالي‏2008‏ عقب مصرع العشرات من الشباب المصريين قبالة
السواحل الإيطالية والأوروبية والتركية‏,‏

مما أدي إلي القبض علي
أخطر زعماء مافيا الهجرة غير الشرعية بكفر الشيخ‏,‏ و عودة‏520‏ قاصرا
مصريا سافروا إلي ايطاليا بطريقة غير شرعية‏,‏ بعد كارثة غرق عشرات
المصريين علي سواحل إيطاليا‏,‏ وهناك ناجون منهم ما زالوا قابعين في مناطق
الإيواء بايطاليا‏,‏ فعلي المركب الأول الذي عثر عليه عند سواحل مدينة
سيراكوزا كان علي متنه‏24‏ فردا‏,‏ تم إنقاذ‏7‏ أفراد منهم اثنان
قاصران‏,‏ وأما المركب الثاني الذي عثرت عليه السلطات الإيطالية قرب مدينة
كالابريا‏,‏ فكان علي متنه‏160‏ فردا‏,‏ نجا منهم‏126‏ بينهم‏12‏ قاصرا‏,‏
نجحوا في الهروب من مراكز الإيواء‏.‏ وفي أثينا اختفي مركب للهجرة غير
الشرعية وعلي متنه‏83‏ مصريا أمام السواحل اليونانية‏,‏ بعد أن غادر ميناء
دمياط المصري وانقطعت الاتصالات به‏,‏ ولم يرد ما يفيد وصوله إلي الشاطيء
اليوناني كما تكشف العديد من التقارير الدولية إلي زيادة عدد ضحايا الهجرة
غير الشرعية من البلدان العربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة‏300%,‏
مما يمثل استنزافا عربيا مستمرا‏,‏ وتوترا في العلاقات بين الشمال
الأوروبي والجنوب العربي‏,‏ فضلا عن سوء الأحوال المعيشية التي يعاني منها
المهاجرون العرب غير الشرعيين في حال نجاتهم من رحلة الهجرة‏,‏ التي أصبحت
رحلة إلي الموت‏.‏

ومع تكرار الحوادث حذرت وزارة الخارجية‏,‏
الشباب المصري من الانسياق وراء الوسطاء وسماسرة التهريب والاتجار في
الهجرة غير الشرعية إلي الدول الأوروبية عبر دول إفريقية‏,‏ بما يعرض
حياتهم لجميع أنواع المخاطر والابتزاز من قبل عصابات التهريب الدولية‏,‏
كما وافق مجلس الوزراء برئاسة الدكتور أحمد نظيف في منتصف عام‏2008‏ علي
مشروع قرار رئيس الجمهورية بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون
رقم‏232‏ لسنة‏1989‏ بشأن سلامة السفن‏,‏ وتضمن التعديل وقع الغرامة
المالية للسفينة التي تسير بدون ترخيص بحيث لا تقل عن‏5‏ آلاف جنيه ولا
تتجاوز‏50‏ ألف جنيه‏,‏ كما تضمن التعديل المعاقبة بالحبس وبغرامة لا تقل
عن‏50‏ ألف جنيه ولا تجاوز‏200‏ ألف جنيه أو بإحدي العقوبتين علي كل من
استخدم أية وسيلة نقل ولو كان مرخصا بها لنقل مهاجرين هجرة غير مشروعة
ووافق المجلس علي مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون‏97‏ لسنة‏1959‏
بشأن جوازات السفر وعلي مشروع قانون رئيس الجمهورية بمشروع قانون بتعديل
بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا‏,‏

كل ذلك ساهم في وضع
قضية الهجرة غير الشرعية علي قائمة أولويات كافة الوزارات‏,‏ فجاء المؤتمر
السنوي الثامن والثلاثون لقضايا السكان والتنمية تحت عنوان الواقع
والتحديات حيث ناقش قضية الشباب والهجرة غير الشرعية وطالب كافة الجهات
بالتنسيق والتعاون مع بعضهم البعض من أجل القضاء علي ظاهرة الهجرة غير
الشرعية‏,‏ لأنها ظاهرة تدعو للقلق الشديد علي الأوضاع التي تردت لها
أحوال شبابنا‏,‏ بحيث يدفعهم اليأس إلي هذا الطريق المحفوف بالمخاطر‏,‏ إن
هذه الظاهرة موجودة منذ سنوات‏,‏ ولعل أول حادث كبير كان غرق‏47‏ شابا
مصريا متوجهين إلي إيطاليا من قرية‏'‏ ميت ناجي‏'‏ بالدقهلية سنة‏.2003‏
ولكن هذه الظاهرة في زيادة مخيفة‏,‏ وأن وقوع عدة حوادث متتالية في‏2008‏
مؤشر علي تنامي هذه الظاهرة وانتقالها إلي محافظات جديدة‏,‏ ولذلك وضع
المؤتمر بعض الاقتراحات التي ربما تساهم في إنقاذ الشباب من الوقوع في هذه
الكارثة‏.‏

الثقافة الفاسدة
في
هذه الندوة أوضح اللواء هاني الغنام رئيس جمعية الهجرة الداخلية والتنمية
وجود ثقافة فاسدة سيطرت علي هؤلاء الشباب بحيث يرون أن قيمة تهريبهم والتي
تبلغ سبعة آلاف دولار‏(‏ حوالي‏35‏ ألف جنيه‏)‏ غير كافية لهم ليبدأوا بها
حياة عملية كريمة في مصر‏.‏ وواقع الحال أن مبلغا كهذا يكفي بالفعل لأي
شاب ليبدأ تجارة معقولة تضعه علي بداية طريق حياته العملية‏.‏ لماذا يختار
الشباب أن يغامروا بهذا المبلغ الكبير في محاولة يائسة للسفر بدلا من
التوجه لاستخدامه في مصر؟ هناك سببان لهذا الفكر‏,‏ الأول أن لونا من
الثقافة قد يجتاح شبابنا يصور لهم أن التربح السريع وبناء الثروة السريع
هو أملهم الوحيد لحياة كريمة ومستقبل واعد‏.‏

هذا اللون من التفكير
ساهم فيه إعلام فاسد وغير مسئول‏'‏ يزغلل‏'‏ عيون الشباب ليل نهار
بإعلانات عن منتجعات وقصور ومقتنيات وأسباب الرفاهية‏,‏ التي تغسل أدمغة
الشباب وتثيرهم بحيث لا يتصورون الحياة التي يحلمون بها إلا علي هذه
الشاكلة المترفة‏,‏ وبذلك لا يرون في أي وظيفة في مصر طريقا لتحقيق ولو
جزء يسير مما يعرض عليهم في الإعلام‏,‏ أيضا عرض أفـلام‏(‏ مثل فيلم همام
في امستردام والنمر الأسود‏).‏ إن مسئولية الحكومة عن السياسة الإعلامية
مسئولية أصيلة‏,‏ ولكنها للأسف الشديد مسئولية منسية تماما ـ إلا في
النواحي السياسية والأمنية ـ مما ترك شبابنا نهبا لإعلام هابط وغير مسئول
يعبث بعقله وفكره‏,‏ خاصة أن الشباب يتخرجون في الجامعات غير محصنين
بتعليم أو ثقافة‏.‏

والسبب الثاني في عزوف الشباب عن استثمار تلك
المبالغ في مشروعات معقولة في مصر‏,‏ أن هذا اللون من التجارة أو الأعمال
لا يروج له في مصر بالشكل المناسب وإن وعيا عاما يجب أن يقدم للشباب من
أجل ترغيبهم في الأعمال والمشروعات الصغيرة‏.‏ وهذا يتطلب من الحكومة أن
تقيم لهم ورش عمل تدربهم علي هذا التوجه‏,‏ وتقدم لهم دراسات جدوي جاهزة
لمشروعات واقعية وعملية متنوعة في حدود تلك الإمكانيات‏,‏ وتذهب إلي حد
دعم الجادين منهم ماديا حتي تنجح هذه المشروعات الصغيرة وتكون مثلا وحافزا
ودعاية لغيرهم‏.‏

ويؤكد اللواء الدكتور عزت الشيشيني مستشار المركز
القومي الديموجرافي أن حجم الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا أرتفع ابتداء من
سنة‏1990,‏ وإن كانت هذه الظاهرة متواجدة منذ الستينيات والسبعينيات‏,‏
فبروز هذا النوع من الهجرة واكب إيقاف الهجرة الشرعية ابتداء من سنة‏1973‏
كإجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي عرفتها أوروبا إثر الطفرة
البترولية‏,‏ حيث تشير الدراسات إلي أن أكثر البلدان العربية تصديرا
للهجرة غير الشرعية‏)‏ المغرب ومصر والسودان والصومال‏),‏ فقد ارتفعت
الهجرة في تلك البلدان إلي ما نسبته‏280%‏ في الفترة من عام‏1995‏
وحتي‏2007.‏

من أين تبدأ المواجهة
يري
اللواء عزت الشيشيني أنه إذا تعرضت شريحة الشباب لمجموعة من المدخلات
الايجابية فان ذلك سيؤدي إلي وجود نوعية متميزة من الشباب‏,‏مثل التربية
السليمة والتعليم المتميز ذي الجودة العالية بحيث يبني قدرات الطالب
ويجعله قادرا علي الابتكار والإبداع‏,‏ كما يجب أن يرتبط التعليم باحتياج
سوق العمل من التخصصات المختلفة‏,‏ لكي يكون الشاب مؤهلا للالتحاق
بالوظائف والأعمال المختلفة‏,‏ فالتعليم وحده ليس كافيا ليكون الخريج
مؤهلا في التخصصات المختلفة‏,‏وخلق فرص عمل كافية لمواجهة التدفقات
المتتابعة من الشباب إلي قوة العمل‏,‏ حيث تشير الإحصائيات في مصر إلي
دخول حوالي نصف مليون شاب علي قوة العمل سنويا‏.‏أيضا يجب أن يكون هناك
عدل في المجتمع ويشعر كل فرد بالمساواة أمام القانون وأنه سيأخذ حقه كاملا
دون اللجوء إلي وساطة أو محسوبية‏,‏ وأن يكون المعيار هو الكفاءة فقط‏.‏
مع ضرورة توفير نماذج ناجحة أمام الشباب ليحتذي بها‏,‏ وأن تكون هذه
النماذج عصامية وصلت للنجاح بجهدها الشخصي وطرق مشروعه‏.‏

أما عن
دور وزارة القوي العاملة والهجرة في مواجهة الهجرة غير الشرعية فيقول
مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون القنصلية السفير فاروق غنيم ومعاون
وزيرة القوي العاملة‏:‏أن هذه الظاهرة أصبحت تمثل مصدر قلق عالمي في ظل
الظروف الأمنية الدولية الراهنة لارتباطها بالجريمة المنظمة والعصابات
التي تقوم بأعمال التهريب عبر الحدود الدولية‏,‏ والاتجار في البشر
وانعكاساتها السلبية علي الصعيد الداخلي‏.‏ لذلك نحن نسعي لمواجهة ظاهرة
الهجرة غير الشرعية‏,‏ وانعكاساتها السلبية‏,‏ والإجراءات التي تم اتخاذها
حتي الآن في هذا الصدد‏.‏ وحذر السفير غنيم من خطورة الظاهرة مشيرا في نفس
الوقت إلي أهمية التعامل بحذر معها‏,‏ نظرا لأن مصر دولة سياحية‏,‏ يهمها
استمرار تدفق السياح وتشجيع الاستثمارات الأجنبية لدعم الاقتصاد الوطني‏,‏
وتوثيق علاقاتها الودية مع مختلف دول العالم‏.‏

وعن دور المجلس
القومي للشباب في مواجهة الظاهرة يقول الدكتور محمد أبو الخير‏:‏ إن
العنصر الاقتصادي والبطالة وعنصر التشغيل هم رقم واحد للقضاء علي
الظاهرة‏,‏ وقد قام المجلس القومي للشباب بقيادة الدكتور صفي الدين خربوش
بتوفير‏7‏ آلاف فرصة عمل حقيقية للشباب في مختلف المحافظات‏,‏ بالإضافة
إلي التعاون مع جهات أخري لإيجاد فرص عمل لهم‏,‏ كما قام المجلس بعقد عدة
ندوات في محافظة الشرقية والقليوبية والمنوفية لمواجهة الظاهرة وتغيير
مفاهيم الشباب تجاه الهجرة غير شرعية وتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل من أجل
خلق فكر جديد يتناسب مع احتياجاتهم‏.‏

إجراءات أمنية وقانونية وإعلامية
أما
المواجهة الأمنية للقضاء علي هذه الظاهرة السلبية فيطرحها اللواء نجاح
فوزي مدير إدارة مكافحة جرائم التزييف والتزوير قائلا لقد تم مجابهة هذه
الظاهرة بالتنسيق مع الجهات الأمنية المعنية‏,‏ حيث اتخذت الحكومة المصرية
مجموعة من الإجراءات الأمنية والقانونية والإعلامية للتعامل مع هذه
الظاهرة‏,‏ فنشطت وزارة الداخلية في توعية الشباب بمخاطر التحايل وإتباع
وسائل غير شرعية في السفر‏.‏ والمشاركة في الندوات التي يتم تنظيمها
بالمحافظات والجامعات لتبصير الشباب بأبعاد الظاهرة وخطورة محاولات الهجرة
غير المشروعة‏,‏ وتشديد الرقابة من قبل دول الاتحاد الأوروبي علي سواحلها
وعدم تقنين أوضاع المهاجرين وإعادتهم ترحيلا‏.‏

ويؤكد الدكتور عبد
الغني محمد عبد الغني مدير المركز الديموجرافي ضرورة إجراء المزيد من
الدراسات عن الهجرة غير الشرعية للوقوف علي العوامل النفسية والاجتماعية
والاقتصادية التي تدفع الشباب إلي مثل هذه المخاطــــر‏,‏ وإدراك أن
المهاجر بشكل غير قانوني ليس مجرما‏,‏ وأن هناك ظروفا دفعته للمخاطرة
بحياته للحصول علي فرصة عمل أفضل في دولة أخري‏,‏ ومن ثم فإن سياسة
المواجهة يجب أن تقوم علي أساس احترام حقوق هؤلاء المهاجرين الأساسية
ومكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار في الأفراد‏,‏ وضرورة قيام كل من
وزارة الداخلية ووزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة القوي العاملة بتنظيم
وتكثيف حملات إعلامية مستمرة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية عبر كافة
وسائل الإعلام‏,‏ وضرورة تنظيم الهجرة من خلال وزارة القوي العاملة
والهجرة لتصبح مقننة وبعقود رسمية وموثقة مع الاهتمام بعقد الاتفاقات
الدولية التي تتيح فتح مجالات العمل مع الدول العربية والأوروبية علي أن
تكون الوزارة هي مصدر التعاقد لضمان عدم تلاعب الوسطاء والسماسرة وعصابات
النصب والاحتيال بالمواطنين وللحد من مخاطر الهجرة غير الشرعية‏.‏