الدخان الأزرق

[tr][td dir=rtl align="right"]ارتسمت علي وجهها سطور تحكي بكل اللغات الحية مأساتها الإنسانية التي تمزق القلوب وتهز الصخور.. رضيت أن تكون زوجة له وكرست حياتهما لخدمته وطاعته واحتضان أطفاله الأربعة "اليتامي" اختطف الموت والدتهم.. لكنه أصر علي الانزلاق والاستمرار في عالم الإدمان واعتبرها "جارية" لخدمة أصدقاء السوء خلال السهرات في عش الزوجية حتي صارت تتنفس من بين ضلوعها الدخان الأزرق للمخدرات واختنقت حياتها الزوجية وبعدما ذاقت بين يديه "المر كاسات" أكلها لحماً ورماها عظما لتعيش رحلة التشتت والعذاب بين أروقة الشرطة والمحاكم وسط دوامة المشاكل التي تلاحقها ليل نهار وتهاجمها حتي في كوابيس أحلامها!!
نشأت في أسرة بسيطة.. في بيت تصرخ جدرانه من الفقر والعوز والحاجة.. وبعدما ترعرعت بين أحضان والديها طرق باب أسرتها قريب لها بصحبته عريس أغراها بدخله الوفير من عمله باحدي الشركات وحاجته الملحة إلي حياة الاستقرار الأسري بعدما ماتت زوجته وتركت أطفالها في عمر الزهور بين أحضانه يعيشون حياة التشتت في رعاية والدته العجوز.. رق قلبها لحالته رغم مشاعرها الدفينة بأنه ليس فتي أحلامها.
وتلفتت يمينا ويسارا من حولها فلم تجد سوي أخوتها الخمسة بطونهم تصرخ من الجوع أمام دخل والدها المحدود من عمله باليومية ووالدتها سجينة فراش المرض افترست قواها الأمراض المضنية.. رددت بين نفسها "ضل راجل ولا ضل حيط" وقالت هذا نصيبي وارتضيت بأن تصحبه إلي عش الزوجية والمنقولات المتهالكة لحياته الأولي.. وفي اليوم التالي لزفافهما أصرت علي إعادة أطفاله اليتامي لحياة الاستقرار بين أحضان أمومتها وكرست حياتها لرعايتهم ليل نهار كزوجة أصيلة صالحة تقف بجانب زوجها بحبها وعطائها المستمر.
وكر الملذات !
ومرت الشهور الأولي للحياة الوردية والسعادة الزوجية في البداية لتتكشف الحقيقة المُرة البشعة التي تحطمت فوق صخرتها أحلامها وآمالها وتحمل بين أحشائها جنينا في الشهر الثالث.. فوجئت ببعض الأشخاص يطرقون باب عش الزوجية في ساعة متأخرة من سكون الليل وبزوجها يتسلل من فراش نومه لمقابلتهم في هدوء ويصطحبهم إلي الغرفة الثانية بالمسكن التي يعيش بين جدرانها أطفاله اليتامي هرعوا من نومهم في فزع ورعب.. هدأت من روعهم واصطحبتهم إلي فراش نومها.. ولحظات وفوجئت بأصوات وضحكات أصدقاء زوجها مصحوبة بالدخان الأزرق الكثيف المنبعث من شيشة المخدرات وقد غطي سقف وجدران الشقة حتي ساعة الفجر.. تحملت الصدمة العنيفة التي مزقت صدرها عندما واجهته راح يضحك في هستيرية ويعلنها صراحة هذا حالي وحياتي "والباب مفتوح يفوت جمل!" لم تجد أمام جبروته وقسوته بعد أسبوع سوي ان تحمل همومها بين ضلوعها المعبأة بالدخان الأزرق وتهجر مسكن الزوجية إلي مسكن أسرتها.. راح والدها البسيط يحملق في ذهول في وجهها الحزين غير مصدق وفاجأها بالهمس بين أذنيها لما تعانيه والدتها من المرض اللعين بتوجيه النصيحة لها بالعودة لحياتها الزوجية.. وفي صمت قاتل رضخت لمطلبه وعادت لحياة العذاب والضياع.. وعندما حاولت توجيه النصيحة إليه وتستجدي انسانيته نهرها بغلظة وكبرياء لتفاجأ يطالبها بإعداد متطلبات سهرة أصدقاء السوء والدمار.. وانتابتها حالة من الصمت القاتل وفوجئت به وقد تحول إلي وحش كاسر إنهال عليها بالضرب المبرح وأسرع الأصدقاء لإنقاذها من بين يديه ولكنهم لم يغادروا المكان.. ووسط الدماء التي انسابت من جسدها وحررت ضده محضرا بالشرطة وكشف طبي من المستشفي بالإصابات والكدمات والسحجات التي أصابتها بيد القسوة.. وعندما استدعته الشرطة لسماع أقواله في المحضر ومواجهته بأفعاله اللاإنسانية هرول إلي والدها مستغلا طيبته الفطرية وسماحته وقلة حيلته فأجبر ابنته وقلبه يتمزق حسرة وألم بالتصالح والتنازل عن المحضر.. واستجابت علي مضض وقلبها يئن ويتوجع واصطحبت زوج الشر إلي "وكر" الدمار وتعاطي المخدرات ورضخت علي مضض لمطالبه غير الإنسانية في خدمة أصدقاء الخراب حتي أعياها المرض وشدة آلام الحمل وصارت طريحة الفراش.. وهنا.. أصدر زوجها فرمانا قاسيا بأن تغادر مسكن الزوجية إلي منزل والدها الذي وقف أمامها في ألم وحيرة ودموع الحسرة والندم تنساب فوق خديه.. ومرت شهور الحمل ووضعت مولودها الذي دوت صرخاته بين جدران مسكن جده وكأنها انذار لحياة القسوة والآلام والحرمان التي تنتظره من أب باع نفسه للمغريات ولشيطان المخدرات.. وبالفعل ضرب بكل القيم الإنسانية والأخلاقية عرض الحائط امتنع عن زيارة ورؤية ابنه أو الانفاق عليه تحجرت مشاعر الأبوة في قلبه وصار لا يرحم ولا يلين كل همه ادمان السموم.
طريق العدالة..
لم تجد الزوجة المخدوعة أمام صرخات طفلها الذي يتلوي من الجوع عاونها أهل الخير في دفع أتعاب محام أقام دعوي قضائية بنفقة للصغير أمام محكمة الأسرة التي قضت بالزامه بدفع نفقة شهرية لها وللطفل أربعمائة جنيه.. راح يماطل ويتهرب حتي الآن من سداد النفقة التي صارت مجمدة.. واعتاد الاختفاء والهروب من أعين مباحث تنفيذ الأحكام.
اللطمة الكبري
جاءت اللطمة الكبري للزوجة المخدوعة بعدما فوجئت من إحدي جيرانه راحت تهمس بين أذنيها بأنه تزوج من أخري.. ولضيق ذات اليد لوالدها لم تستطع حتي الآن رغم مرور سنوات من اقامة دعوي تطليق "للضرر".. صارت معلقة بين السماء والأرض وانتابت ابنها الأمراض لفقدانه الحنان والرعاية بعدما صار في عمر الزهور وأمه أمامه دموعها تبلل همومها تعيش وابنها علي معاونة الجيران وأهل الخير من حولها.. أصبحت تكلم نفسها في جنون.. نهارها حزن وليلها بكاء وكوابيس وأنين.. طعامها قليل ليس إلا لقيمات من أهل الخير تغمسها بالدموع لتحفظ الروح بالجسد.
"طعنة" الخداع
أصعب شيء علي الانسان في هذا الزمان أن يفاجأ بشموع المودة والمحبة وقد انطفأت في قلوب بعض البشر.. أمضي سنوات عمره الذي تجاوز الأربعين بين ربوع قريته وهو يحاول الابتعاد عن الشر وأربابه بشتي الطرق.
ولكن ماذا يفعل عندما يسعي إليه الشر بأقدامه.. هذا الشر يتمثل في جاره الذي تناسي العشرة الطيبة وحسن الجوار زج به بالمحاضر الكيدية إلي المبيت داخل جدران حجز الشرطة أياما وليالي دون ذنب اقترفه .. وزاد من آلامه خداع محام وكله للدفاع عنه لكنه باع ضميره لشيطان الأتعاب وتناسي مهنته السامية في الدفاع عن المقهورين.. وجعله لقمة سائغة بين أنياب خصمه!!
بدأت مأساته الانسانية منذ حوالي عشرة أشهر عندما اشتري بكد وعرق السنوات قطعة أرض زراعية مساحتها ستة قراريط لتتسع مساحة أرضه ليواجه متطلبات الحياة بحصادها الوفير.. طرق باب مكتب محام وثق في أمانته وشطارته لاتخاذ الاجراءات القانونية لنقل الملكية واستجاب لمطلبه في إعطائه توكيلا عاما موثق بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق وأغدق عليه بسخاء لأتعاب المحاماة ورسوم القضية.. وبالفعل استصدر له حكما من المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع للأرض المشتراه وعمت الفرحة العارمة قلوب أسرته.. ولطيبته المفرطة لم يتخذ الاجراءات لإلغاء التوكيل.. لم يمر سوي شهرين وفوجيء برياح الشر وقد هبت من حوله من جار السوء لخلافهما علي ري الأرض.. التف وأقاربه من حوله وإنهالوا عليه بالضرب المبرح وحررت الشرطة محضرا بالواقعة مشفوعا بالتقرير الطبي للمستشفي حول الاصابات الجسيمة بجسده..وأحالت النيابة العامة المتهم أمام محكمة الجنح بتهمة الاعتداء بالضرب.. وهرول المجني عليه إلي محاميه ولديه التوكيل للمطالبة بحقه في الدفاع والادعاء له مدنيا بمبلغ كتعويض مؤقت أمام منصة العدالة لما أصابه من أضرار جسمانية ونفسية وأدبية علي مرأي ومسمع من أهل القرية.. ورضخ لمطلب المحامي في تقاضي الأتعاب بسخاء بالاضافة إلي رسوم الادعاء المدني.. ووقع مالم يكن في الحسبان تقاعس المحامي عن حضور الجلسة ولم يقم بالإعلان في الدعوي المدنية ولم يسدد رسوم الادعاء المدني المقررة لتصدر المحكمة حكمها بحبس غريمه المتهم لمدة شهر دون أن يتضمن الدعوي المدنية مما يعد إخلالا وخيانة أمانة واستهتار بحقوق العباد.. وفي مساء يوم صدور الحكم أسرع المجني عليه إلي مكتب محاميه وما أن راح يعاتبه علي فعلته اللا إنسانية مستغلا طيبته وجهله بخبايا القانون نهره بغلظه وطرده من المكتب.
تحريض للشر!
وجاءت اللحظة التي أسودت فيها الدنيا من حوله يوم اكتشف بأن محاميه متواطيء مع خصمه قبل وبعد صدور الحكم.. وحرضه علي تحرير محاضر كيدية ضده لإجباره علي التصالح والتنازل عن القضية أمام محكمة الاستئناف وتقاضي الأتعاب بالزيادة متناسيا مهنته السامية في الدفاع عنه والمطالبة بحقه.. ونزل عليه خبر الخداع نزول الصاعقة.
وبالفعل نفذ المحكوم عليه النصيحة الشيطانية.. استعان بأقاربه في تحرير عدة محاضر كيدية ضده من بينها اتهامه وشقيقه بالاعتداء علي أحدهما بالضرب بقسوة لتقضي المحكمة بحبسه وشقيقه لمدة شهر.. وصارت حياته بين أروقة الشرطة والمحاكم ليعيش رواية مأساوية عنوانها "جار الشر" ومحامي السوء الذي اتخذ من حاجة العباد طريقا لجمع المال الحرام!!
[/td][/tr][tr][td valign="top" align="right" height="17"][/td][/tr]

شكرا على نقلك الخبر بارك الله فيك

شكرا على نقلك الخبر

يعطيك العافية