مبــــارك والبحــث العلمــي بقلم: د‏.‏ هاني الناظر

من طرف لميس الأحد فبراير 01, 2009 11:37 am

مبــــارك والبحــث العلمــي
بقلم: د‏.‏ هاني الناظر
رئيس المركز القومي للبحوث

مبــــارك والبحــث العلمــي بقلم: د‏.‏ هاني الناظر 44617_29m

في
بداية القرن الماضي أدركت الدولة المصرية أهمية قيام صناعة قومية تعتمد
علي الرأسمالية الوطنية فبدأت في تشريع القوانين التي تشجع رجال الأعمال
علي إقامة شركات ومصانع تحولت لصروح انتاجية ضخمة‏,‏ وكان ذلك سببا لان
تدرك الدولة أهمية وجود منظومة للبحث العلمي المصري‏,‏ لكي تكون قاطرة
للتنمية والنهوض والتطوير لتلك الصناعة وكانت البداية في الثلاثينيات
عندما صدر مرسوم ملكي بإنشاء مجلس فؤاد الأول للبحوث والذي تحول بعد قيام
الثورة للمركز القومي للبحوث‏,‏ وكان ذلك عام‏1956‏ والذي كان الهدف منه
هو دعم القطاعات الانتاجية في مجالات الصناعة والزراعة والصحة من خلال
البحوث العلمية التي يقوم بها العلماء والباحثون بالمركز‏.‏

ثم
تلاه عام‏1957‏ إنشاء المركز القومي للبحوث الاجتماعية لكي تكتمل المنظومة
البحثية المصرية بعنصريها العلمي والاجتماعي وهكذا بدأت مسيرة البحث
العلمي في الانطلاق بظهور العديد من مراكز البحوث في المجالات العلمية
المختلفة‏.‏

ومع بداية الثمانينيات ومنذ تولي الرئيس محمد حسني
مبارك رئاسة الجمهورية تم إنشاء أكبر عدد من المراكز البحثية في تاريخ مصر
وذلك لادراك الرئيس أهمية وجود تلك المراكز لبناء قاعدة علمية مصرية تقود
نهضة صناعية وزراعية علي جميع المستويات‏.‏ ومنذ ذلك الوقت قدمت تلك
المراكز العديد من المشاريع البحثية وساهمت بل لعبت دورا كبيرا في تطوير
الصناعة المصرية وحل مشكلاتها المختلفة وساهمت علميا في العديد من
المجالات الزراعية والصحية والبيئية والاجتماعية‏.‏

وخلال تلك
الحقبة الزمنية وحتي الآن صادفت تلك المراكز العديد من المشكلات الروتينية
والبيروقراطية التي تؤثر علي سير العملية البحثية وكبلت من قدرتها علي
التفاعل والعطاء مع المجتمع‏,‏ فتارة تتبع تلك المراكز وزارة البحث
العلمي‏,‏ وتارة أخري تتبع أكاديمية البحث العلمي وثالثة تتبع وزارة
التعليم العالي والدولة للبحث العلمي‏,‏ وهناك مراكز بحثية تتبع وزارات
مختلفة وهكذا أدي ذلك إلي تشتيت الجهود والوقوع في براثن الروتين
والبيروقراطية اللعينة‏.‏ ورغم هذا التحدي فقد تمكنت تلك المراكز من اثبات
وجودها‏,‏ وتقديم الكثير لمصر وافرزت كوادر علمية متميزة‏,‏ ويحضرني هنا
نموذج ناجح للغاية عندما تولي المرحوم الدكتور محمد كامل إدارة المركز
القومي للبحوث في فترة الثمانينيات وحول هذا الصرح الكبير إلي قلعة علمية
تقدم برامج ومشاريع بحثية تخدم قطاعات الدولة المختلفة وتقدم نموذجا ناجحا
للإدارة القادرة علي تطوير المؤسسات البحثية لكي تكون قاطرة للتنمية‏,‏
واثبتت أن مراكز البحوث المصرية بخير وتستطيع تقديم الكثير كما يمكن
الاعتماد عليها في عمليات التطوير والتحديث‏.‏

وخلال السنوات
الأخيرة بدأ الاهتمام بالبحث العلمي يتنامي لدي المجتمع المصري وبدأ
الجميع يدرك أهمية تطوير وتحديث تلك المنظومة واشتركت الاحزاب الوطنية
المصرية في مناقشة تلك القضية‏,‏ وبدأت في وضع رؤي مختلفة في هذا
المجال‏,‏ ولعلي أذكر هنا تلك الورقة السياسية لتطوير البحث العلمي التي
قدمتها أمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي من خلال لجنة التعليم
والبحث العلمي‏,‏ كذلك فقد قامت كل من لجنتي التعليم والبحث العلمي بمجلسي
الشعب والشوري باعداد دراسات مهمة لتطوير منظومة البحث العلمي المصري‏.‏

وقد
أكدت كل تلك الدراسات أهمية وجود قاعدة علمية مصرية من مراكز بحوث وكوادر
بحثية متميزة ذات سمعة علمية عالمية‏.‏ واظهرت تلك الدراسات أيضا أهمية
تطوير مراكز البحوث المصرية ودعمها ودفعها للامام من خلال إيجاد مناخ علمي
جديد محفز وجاذب للباحثين وتوفير كل الامكانات المعملية والأجهزة الحديثة
والارتقاء بمستوي الباحثين من خلال التدريب المستمر وارسال البعثات‏,‏
والعمل علي حل مشاكلهم الاجتماعية ورعايتهم اجتماعيا وماديا وأدبيا وأوضحت
تلك الدراسات ان تطوير البحث العلمي المصري يأتي من البناء علي قاعدة ما
تم من انجازات وما هو متوفر من امكانيات بتلك المراكز البحثية ووضع أفكار
وآليات جديدة غير تقليدية لربط تلك المؤسسات العلمية بالقطاعات الانتاجية
المختلفة‏.‏ وإيجاد مناخ جاذب لرجال الأعمال لتمويل ودعم الابحاث العلمية
بتلك المراكز‏.‏

أقول هذا بمناسبة ظهور اتجاه جديد يتبناه البعض
بإنشاء مراكز بحوث جديدة بعيدا عن المراكز الحالية يتم توفير امكانيات
مالية هائلة من ميزانية الدولة المخصصة للبحث العلمي للانفاق علي بنائها
وتجهيزها وامدادها الباحثين المتميزين الذين يتم اجتذابهم من المراكز
القائمة وذلك مقابل مرتبات عالية‏,‏ وهكذا يتم تفريغ المراكز البحثية
الكبيرة من علمائها المتميزين لصالح تلك المراكز الجديدة والسؤال الذي
يطرح نفسه الآن هل هذه هي الطريقة التي يتم بها تطوير البحث العلمي
المصري؟ هل تحجيم دور مراكز البحوث الحالية والبدء من جديد في إنشاء مراكز
بحثية جديدة واستنزاف الملايين من ميزانية الدولة هو الحل؟ اظنني أري ان
دعم المراكز الحالية وتخليصها من القيود الإدارية البيروقراطية وتطوير هذه
المراكز هو بداية وضع منظومة حقيقية وواقعية للعلوم والتكنولوجيا بمصر
تعتمد وتبني علي ما هو قائم بالفعل‏.‏ ان نجاح الإدارة يأتي من التعامل مع
المشاكل ووضع رؤي لحلها وتطوير وتحديث ما هو قائم‏,‏ كما يأتي من قوة
الإرادة والصدق والشفافية والقدرة علي تخطي العقبات‏,‏ فالإدارة هي فن
التعامل مع الاشخاص والمشكلات والقدرة علي الانجاز‏.‏

إننا مع
إنشاء مراكز بحوث جديدة وخاصة بالتوسع في إنشاء مراكز بحوث عملية
بالمحافظات‏,‏ بعيدا عن القاهرة‏,‏ مراكز تكون متخصصة وليست تكرارا
للموجودة حاليا‏.‏ فاننا نتطلع بلاشك لإنشاء مراكز لبحوث النسيج
بالمحلة‏,‏ وأخري بمحافظة دمياط لصناعة الاثاث والبويات‏,‏ وثالثة للطاقة
بأسوان والبحر الأحمر ورابعة للصناعات الغذائية بمحافظة المنيا وسوهاج‏,‏
وخامسة للبحوث الزراعية والبيئية بمحافظات الوجه البحري وغيرها وغيرها من
أجل التطوير والنهوض بتلك المحافظات‏.‏ هكذا يكون فكر الإدارة العلمية
بالبناء والتطوير‏,‏ ان تطوير الموجود والارتقاء به وتفعيله جنبا إلي جنب
مع التوسع المدروس والبناء خير داعم للبحث العلمي‏.‏ في النهاية فإنه
لاقلق ولاخوف علي صروحنا وقلاعنا العلمية مادام هناك زعيم وطني اسمه محمد
حسني مبارك كان ولايزال راعيا للبحث العلمي وداعما لمراكز البحوث
المصرية‏,‏ ان الرئيس الذي قاد هذه الأمة العظيمة طيلة هذه الاعوام متجنبا
شرور الحروب والأزمات الطاحنة وحافظ علي أمان الشعب المصري والذي احيا عيد
العلم وقدر العلماء وقام بالأمس القريب بتكريم العالم المصري الكبير
الدكتور مصطفي السيد أنه هو نفسه صمام الأمن والراعي الأمين لمراكزنا
البحثية والبحث العلمي المصري‏.‏

‏elnazernrc@hotmail.com‏