أزمة النحو العربي بقلم : محمد قطب

من طرف trm tarm الإثنين فبراير 02, 2009 2:20 pm

أزمة النحو العربي
بقلم : محمد قطب

اثار
كتاب لتحيا اللغة العربية‏.‏ ويسقط سيبويه لشريف الشوباشي جدلا في الاوساط
اللغوية والادبية‏,‏ وذلك لجرأة الكاتب علي القواعد والنظام النحوي الذي
هو اداة الضبط اللسانية حتي يستقيم الكلام وتتضح الدلالات‏,‏ ولاشك ان
المناداة بسقوط سيبويه ـ كما يقول رجاء النقاش ـ معناه الوحيد الدعوة إلي
هدم النظام النحوي والتركيبي الذي تقوم عليه اللغة العربية والذي بدونه
لاتكون لغة ولايكون لاي كلام بها معني اودلالة‏.‏

وفي الحقيقة فإن
العمل علي تيسير النحو لم يتوقف‏..‏ لكن نظرة الي حالة اللغة العربية
ونحوها ونظامها الصرفي توقفنا علي ان ثمة ازمة تمر بها‏,‏ ومع ان مناهج
اللغة علي تنوع مستوياتها تحرص علي الاهتمام باللغة العربية لارتباطها
بالدين ولدلالتها علي توحد الامة عقلا ولسانا‏,‏ الا ان المؤسسات
التعليمية ابدت عجزا واضحا وقصورا بينا‏,‏ حتي اصبح اتقان لغة القرآن
كتابة وحديثا يمثل مشكلة لغوية تؤثر في المجتمع وتطول سلامته اللغوية
والفكرية معا‏.‏

ولقد ظهرت مظاهر العنف اللغوي حتي طالت المتخصصين
انفسهم وكذلك خطباء المساجد والكتاب‏,‏ وباتت اللغة العربية مذبوحة في
الإعلام وقاعات الدرس‏,‏ فضلا عن الاستخفاف به في مجالات التخصص العلمي‏.‏
ولخطورة الاعلام قدم المجمع اللغوي في دورته الخامسة والستين توصية جاء
فيها‏..‏

ان يعمل وزراء الاعلام في مصر والبلاد العربية علي ان
يكون الاعلام جميعه باللغة العربية الفصيحة السليمة لابالعامية‏..‏ اذ
العربية الفصيحة لغة العلم والتعليم‏,‏ والثقافة ولغة القرآن الكريم وقوام
وحدتنا العربية‏..‏

والنحو العربي يمثل جزءا مهما من ازمة اللغة
العربية وهي أزمة تجعل اثرها في تقويم اللسان وضبط الجمل اثرا باهتا‏,‏
ويصبح المجهود في تدريس النحو والتركيب اللغوي عبئا مادام اثره التثقيفي
للسان يكاد ينعدم‏.‏

والنحو نشاط ذهني يعتمد علي دقة الملاحظة وحسن
المقارنة‏,‏ وهو يوقظ ملكات ذهنية ترتبط بالتعليل والتأويل والاستنتاج مما
يجعله ينمي الحس الادراكي لسلامة التركيب اللغوي‏,‏ مما يساعد علي اكتساب
المهارة اللغوية والتي يجب ان يرفدها المران والممارسة والتدريب بنوعيه
المدرسي والحياتي‏,‏ وهذا يساهم في سد الفجوة بين النحو كمعيار للضبط
اللغوي والسلامة التركيبية‏,‏ وبين البيئة في احتياجاتها اليومية من حوار
ومتابعة في مظانه‏,‏و تعامل يومي‏.‏

ولقد اصابت النحو جراح كثيرة
جعلته ينزف‏..‏ مما ادي به الي العزلة بين كتاب عتيق وقاعة درس محصورة‏.‏
واذا كانت دراسة النحو علي يد المتخصصين تعتبر من المباحث العلمية فإن
النحو في مجال التعليم العام يجب ان نعمل علي تيسيره وفق القواعد حتي
يستقيم اللسان بعيدا عن المماحكات النحوية والصرفية التي يضيق بها المتعلم
وينصرف عنها‏.‏ ولعل الانفصال بين المواد العربية يكون احد اسباب
الازمة‏,‏ ذلك ان النشاط اللغوي متعدد وتجزئته يخل بالضوابط النحوية
والمران عليها‏,‏ ولعل محصلة مدارسة علوم اللغة ـ وأبرزها علم النحو ـ هو
القدرة علي القراءة والفهم والاستيعاب‏,‏ ذلك ان السلامة في الضبط والوعي
بالنظام اللغوي والمران عليه هو صنو الفهم وطريق المعني‏.‏

ولو
القينا نظرة علي الإعلام المرئي في قنوات التليفزيون المختلفة فإننا نلاحظ
أن المحصلة اللغوية السليمة تكاد تنعدم في ظل انحسار الحديث باللغة
السليمة‏,‏ المنضبطة‏,‏ الميسرة‏,‏ وكذلك التجرؤ الفاحش علي النظام
النحوي‏,‏ مما يثير الدهشة‏,‏ ذلك ان سنوات التعلم الطويلة عجزت عن أن
تقدم متحدثا بالعربية الصحيحة بالقدر الكافي‏:‏

ـ ومع ندرة الحديث
اللغوي السليم فإن سيطرة اللهجة في ادائها اللغوي الجزئي ونظامها الصوتي
المرتبط بالبيئة‏,‏ والتي لايفهمها غير أهلها‏..‏ أحد أهم معاول العدم في
بناء اللغة العربية‏.‏

وهذا التجرؤ علي اللغة في أجهزة الإعلام
الرسمية سهل التجرؤ عليها في الإعلان الذي قد تتدني لغته إلي الإسفاف‏..‏
ولو توافر باحث علي لغة الإعلان لخرج بمعجم لغوي جديد وبانحرافات لغوية
خطيرة تبتعد عن النظام والقواعد اللغوية المرعية‏.‏

وهو تجرؤ ادي
إلي انحسار الحروف العربية من واجهات المحال‏,‏ حيث سيطرت الحروف
الإنجليزية وحتي بات الأمر مخجلا حين يكتب باللفظ الأجنبي بالحرف
العربي‏..‏ وهو مايؤدي إلي ازدياد هجر اللغة وسيطرة العجمة‏.‏ ولعل أحدا
من الباحثين ـ أيضا ـ يرصد ويحصي العبارات والألفاط‏,‏ والإعلانات
الموجودة بالمركبات العامة‏,‏ وعربات السرفيس وكذلك لغة الأغاني التي
تبثها إذاعة الـ‏F.M,‏ فقد يضع يده ـ بحثيا علي الكارثة‏.‏ تفعل أجهزة
الإعلام ذلك كله ـ ولم تفكر في إقامة برامج لتعليم اللغة ـ اللغة العربية
ـ وفق مستويات لغوية تتسم بالصحة واليسر معا‏.‏