هذا هو الإسلام بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف trm tarm الإثنين فبراير 02, 2009 2:22 pm

هذا هو الإسلام
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

الصــــــدق‏(2)‏

هذا هو الإسلام بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي 44618_2m

الصدق
صفة من صفات الرسل‏,‏ ومن صفات عباد الله الأخيار‏,‏ ومن الآيات القرآنية
التي اكدت ذلك‏,‏ قوله تعالي ولما رأي المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما
وعدنا الله ورسوله‏,‏ وصدق الله ورسوله ومازادهم الا ايمانا وتسليما‏(‏
سورة الاحزاب الآية‏22)‏

وحين رأي المؤمنون الصادقون جيوش الاحزاب
الظالمة وقد أقبلت نحو المدينة‏,‏ لم يهنواولم يضعفوا‏,‏ بل ثبتوا علي
ايمانهم وقالوا‏:‏ هذا الذي نراه من خطر داهم‏,‏ هو ما وعدنا به الله
ورسوله‏,‏ وأن هذا الخطر سيعقبه الفرج‏,‏ وهذا العسر سيأتي بعده اليسر‏..‏

وقالوا
ـ أيضا ـ علي سبيل التأكيد وقوة اليقين والتعظيم لذات الله ـ عز وجل ـ
ولشخص رسوله محمد ـ صلي الله عليه وسلم وصدق الله ورسولهأي‏:‏ وثبت صدق
الله ـ تعالي ـ‏,‏ في أخباره‏,‏ وصدق رسوله محمد ـ صلي الله عليه وسلم في
اقواله‏..‏

وما زادهم إلا ايمانا وتسليما أي‏:‏ ومازاد المؤمنين
ماشاهدوه من جيوش الأحزاب إلا إيمانا بقدرة الله ـ تعالي ـ وإلا تسليما
بقضائه وقدره‏,‏ وإلا أملا في نصره وتأييده كذلك من الآيات القرآنية التي
وصفت الرسل الكرام بالصدق‏,‏ قوله ـ تعالي‏:‏

ونفخ في الصور فإذا
هم من الأجداث إلي ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما
وعد الرحمن وصدق المرسلون‏(‏ سورة يس‏:‏ الآيتان‏52,51)‏ والمعني‏:‏ ونفخ
في الصور النفخة الثانية‏,‏ بأمر من الله ـ تعالي ـ لإسرافيل ـ عليه
السلام ـ‏,‏ فإذا بهؤلاء الكافرين الذين كانوا يستبعدون البعث وينكرونه‏,‏
يخرجون من قبورهم سراعا ـ وبدون اختيار منهم ـ متجهين إلي ربهم ومالك
أمرهم‏,‏ ليقضي فيهم بقضائه العادل‏.‏

قالوا بعد خروجهم من قبورهم بسرعة وفزع ياويلنا يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك‏!!‏

ثم يقولون بفزع اشد من بعثنا من مرقدنا أي‏:‏ من أيقظنا من رقادنا؟

وهنا ترد عليهم الملائكة‏:‏ هذا ما وعد به الرحمن‏,‏ وأخبركم به رسلكم الكرام الصادقون‏,‏ ولكنكم كذبتموهم فهذه هي عاقبتكم‏.‏

ومن
الرسل الكرام الذين وصفهم الله تعالي بالصدق‏,‏ سيدنا اسماعيل ـ عليه
السلام قال ـ تعالي ـ‏:‏ واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان
رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا‏(‏ سورة
مريم‏:55,54)‏

والمعني‏:‏ واذكر في هذا القرآن لقومك ـ أيها الرسول
الكريم ـ خبر جدك اسماعيل بن ابراهيم ـ عليهما السلام ـ انه كان صادقا في
وعده‏,‏ فلم يعد بشيء إلا وفي به‏,‏ وكان رسولا نبيا‏.‏ وكان يأمر أهله
بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة‏,‏ وكان عند ربه ـ عز وجل ـ مرضيا عنه‏.‏

وهكذا
نجد أن الله ـ عز وجل ـ قد وصف ذاته بالصدق‏,‏ ووصف رسوله محمدا ـ صلي
الله عليه وسلم ـ بالصدق‏,‏ ووصف انبياءه جميعا بالصدق ووصف الأخيار من
عباده بالصدق‏.‏

ولقد كان سيدنا وشفيعنا رسول الله ـ صلي الله عليه
وسلم ـ سيد الصادقين في جميع مراحل حياته‏,‏ فقد لقبه قومه بالصادق الامين
منذ صباه‏.‏

لقبه بذلك أعداؤه‏,‏ فقد كان من بين الاسئلة التي
وجهها هرقل ملك الروم‏,‏ الي ابي سفيان ـ وكان مازال علي الكفر ـ أن قال
له‏:‏ يا أبا سفيان‏,‏ هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فقال له أبو سفيان‏:‏ لا لم نكن نتهمه بذلك‏..‏ فقال له هرقل‏:‏ ما كان
ليترك الكذب علي الناس ويكذب علي الله‏.‏

وعندما وصف بعض المشركين
النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأنه ساحر‏,‏ سارع واحد منهم وقال لهم‏:‏ قد
كان محمد فيكم غلاما حدثا‏,‏ فكان أرضاكم فيكم‏,‏ وكان اصدقكم حديثا‏,‏
وأعظمكم أمانة‏,‏ حتي اذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به‏,‏
قلتم‏:‏ ساحر‏,‏ والله ماهو بساحر‏.‏

ولقد أمر ـ صلي الله عليه
وسلم ـ أتباعه أن يلتزموا الصدق في أقوالهم‏,‏ وفي اعمالهم‏,‏ وفي كل
ألوان سلوكهم‏,‏ وورد ذلك في كثير من أحاديثه ـ صلي الله عليه وسلم ـ

ومن
ذلك قوله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ عليكم بالصدق‏,‏ فإن الصدق يهدي الي
البر‏,‏ وان البر يهدي الي الجنة‏,‏ ومايزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي
يكتب عند الله صديقا‏..‏ وقوله ـ صلي الله عليه وسلم الصدق طمأنينة‏,‏
والكذب ريبة وقوله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ تحروا الصدق وإن رأيتم فيه
الهلكة فإن فيه النجاة

وشريعة الاسلام تطلق فضيلة الصدق علي كل
ماهو خير وجميل من الأقوال والأفعال‏,‏ وفي القرآن الكريم اية اشتملت علي
خمسة عشر نوعا من انواع البر الذي يهدي الي الحياة السعيدة في الدنيا‏,‏
وإلي رضا الله تعالي في الآخرة وذلك لأنها قد ارشدت الي ان البر انواع
ثلاثة‏:‏ بر في العقيدة‏.,‏ وبر في العمل‏,‏ وبر في الخلق‏..‏ وختمت بمدح
من استجمع هذه الانواع بالصدق والتقوي وهذه الآية الكريمة هي قوله ـ تعالي
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله
واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي
القربي‏,‏ واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب‏,‏ واقام
الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا‏,‏ والصابرين في البأساء
والضراء وحين البأس‏,‏ اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون‏(‏ سورة
البقرة‏:177)‏

وقد أمر الله ـ تعالي ـ نبيه محمدا ـ صلي الله عليه
وسلم ـ أن يسأله المدخل الحسن‏,‏ والمخرج الحسن في كل شأن من شئونه
فقال‏‏ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك
سلطانا نصيرا‏)(‏ سورة الاسراء‏:80).‏