حوارات معاصرة الرؤية الكونية والمعرفية للعلم الإسلامي بقلم‏:‏د‏.‏ أحمد عبدالجواد

من طرف سامح المسامح الإثنين فبراير 02, 2009 2:36 pm

حوارات معاصرة
الرؤية الكونية والمعرفية للعلم الإسلامي
بقلم‏:‏د‏.‏ أحمد عبدالجواد
أستاذ بجامعة القاهرة

أكد
الكاتب في مقاله السابق العلم العربي والمرجعيات الاسلامية علي ثوابت
وأصول العلم العربي‏,‏ ويواصل أن العلم الاسلامي يتميز بضوابط ثابتة
أبرزها أنه يعتمد علي مباديء ومرجعيات محددة تؤصل لمفهوم العلم للوجود
والكون واسلوب المعرفة‏,‏ كما تبين أدوات وآليات البحث العلمي التجريبي
للوصول الي الحكمة البينة والدليل الواضح علي عظمة الله‏.‏

هذا
المنهج يميز العلم الاسلامي عن غيره حيث قامت أفكار كل من افلاطون
وافلوطين‏(‏ الافلاطونية المحدثة‏)‏ علي الترتيب الهرمي‏.‏ ففي
الافلاطونية كان هناك ترتيب حسب درجة المعرفة قوامه العقل في الدرجة
الاولي وفي ادناه الخبرة الحسية والتجربة‏,‏ وفي الافلوطينية هناك ترتيب
آخر لمراتب الوجود حيث الانسان أسمي المخلوقات وفي أدناه عالم الحيوانات
وعالم الجماد‏.‏ وقد اختلطت هاتان الفكرتان بعقائد الكنيسة البيزنطية
الارثوذكسية وكنيسة روما الكاثوليكية بعد ذلك لتشكلان نسق الفكر العلمي
الرسمي للمراكز العلمية الموجودة في ذلك الوقت مثل بيزنطة والرها وانطاكيه
بعد تخريب مدرسة الاسكندرية وانهيارها في القرن الرابع الميلادي‏,‏ والفكر
العلمي للمتشغلين بالعلم بغرب أوروبا منذ القرن الثامن الميلادي‏.‏

شكلت
تلك الأفكار السابقة عقبة كبيرة امام تقدم المعرفة العلمية‏.‏ علي سبيل
المثال‏,‏ لم يعد طب جالينوس‏(129‏ ـ‏199‏ م‏)‏ قادرا علي تفسير أسباب
العديد من الامراض‏,‏ فقد توقف طب جالينوس عند نظرية الاخلاط الاربعة
لتفسير أسباب الصحة والمرض‏.‏ وحسب هذه النظرية فان الغذاء الذي يهضم
بالمعدة‏(‏ الكيموس‏)‏ ينتقل الي الكبد الذي يحوله الي دم ويحول جزءا منه
الي الصفراء ويتحول جزء آخر الي الطحال فيتكون السوداء‏,‏ أما الذي يذهب
الي الرئة فيتحول الي بلغم‏.‏ هذه الاخلاط توجد بنسب متوازنة داخل جسم
الانسان وهو سبب الصحة‏,‏ أما اذا حدث خلل في هذه النسب حدث المرض‏.‏

وينتج
عن الاخلاط الاربعة الامزجة الأربعة وهي‏:‏ المزاج الدموي والصفراوي
والسوداوي والبلغمي‏.‏ وكما تتحكم الاخلاط الاربعة في الحالة العضوية
للانسان تتحكم ايضا الازجة الأربعة في الحالة النفسية للانسان‏,‏ وتفسر
ايضا مجموعة من الامراض النفسية لدي الانسان‏.‏ إذا انتقلنا من مجال الطب
الي مجال الفيزياء فسوف نجد نظرية اخري مقابلة لنظرية الاخلاط الاربعة وهي
نظرية العناصر الاربعة التي كانت ضمن فيزياء ارسطو‏(384‏ ـ‏322‏ ق‏.‏م‏)‏
لتفسير الحركة والتغيرات التي تحدث في العالم‏.‏

وحب هذه النظرية
فهناك اربعة عناصر تترتب من الاثقل الي الأخف وهي التراب والماء والهواء
والنار‏.‏ ويتحرك كل عنصر من هذه العناصر حسب طبيعته الي المكان المخصص له
بقوة التكاتف والتخلخل‏,‏ فالتراب يتحرك الي اسفل ويرتفع الهواء الي اعلي
وكذلك النار‏.‏ فإذا قذفنا حجرا الي اعلي فإنه يتجه الي الارض أي الي
مركزه لا لشيء إلا لأن طبيعته دفعته الي اسفل‏.‏

يبدو من المثالين
السابقين ان كلما النظريتين‏,‏ الاخلاط الاربعة والعناصر الاربعة‏,‏ ما هي
إلا فروض وتصورات مسبقة من نتاج العقل فقط ولم تكن نتيجة لإجراء
التجارب‏.‏ والمعرفة هنا هي المعرفة العقلية القائمة علي المنهج الفرضي
الاستنباطي‏,‏ فنحن نستدل علي سبب المرض لا بملاحظة تجريبية ولكن بمدي
مطابقة حالة مرض ما بمباديء النظرية التي افترضناها وسلمنا بصحتها سلفا‏,‏
وبالتالي فقد عجز الطب اليوناني عن تفسير اسباب الأمراض الوبائية كما
فسرها الطب العربي بعد ذلك‏,‏ كما عجزت نظرية ارسطو في الحركة التي يمكن
ان تفسر حركة الاجسام الكبيرة بحركتها الرأسية من اعلي الي أسفل او العكس
عن تفسير حركة الاجسام الصغيرة التي لايمكن رؤيتها مثل حركة الضوء الذي
يمكن ان ينعكس او ينعطف في كل الاتجاهات‏.‏

علي خلاف العلم
اليوناني وعلم مدرسة الاسكندرية القائم علي أفكار كل من أفلاطون ـ
افلوطين‏,‏ كان للعلم الاسلامي مبادئه ومرجعياته ونسقه الفكري الذي استمد
منه العلم الاسلامي تصوراته وفروضه بالنسبة لمفهوم الوجود واسلوب
المعرفة‏,‏ وكذلك منهجه وايضا أدواته في إثبات صحة نتائجه‏.‏ فقد الغي
القرآن هذا الانفصال الحاد بين الله والانسان من جانب وبين الانسان
والموجودات الاخري‏,‏ فالكل مخلوق لله‏.‏ فكل مخلوق او موجود له وجوده
الانطولوجي كدليل وعلامة علي وجود الله‏,‏ لذلك فكل مخلوق يستحق الملاحظة
والاعتبار لعلاقة الكل بالخالق‏.‏ فالنمل والنحل والطيور والاشجار والجبال
والانهار كلها من خلق الله علي درجة متساوية من الاعتبار‏,‏ فليس هناك
ماهو أعلي في المرتبة والمكانة وماهو أدني واقل في المرتبة والمكانة‏.‏

ومن
الناحية الاخري يؤكد القرآن حضور الله الخالق في كل مخلوقاته‏(‏ أفلا
ينظرون الي الأبل كيف خلقت ـ والي السماء كيف رفعت ـ والي الجبال كيف نصبت
ـ وإلي الأرض كيف سطحت ـ فذكر انما إنت مذكر‏88:17‏ ـ‏21)‏ ويذكر ايضا‏(‏
وما من دابة في الارض الا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في
كتاب مبين‏11:6)‏ يتضح من تلك الآيات ان السماء والارض والجبال والماء
والأبل والنباتات والنخل والفواكه كلها مخلوقة لله وشاهده علي عظمته‏,‏ لا
فرق بين هذا وذاك‏.‏

ويؤكد القرآن ايضا ان الحيوانات الكبير منها
والصغير تعيش في جماعات مثل الجماعات البشرية‏,‏ ولها لغة تتحدث بها وتتصل
بها ببعضها البعض والتي تماثل لغة البشر‏.(‏ وما من دابة في الأرض ولا
طائر يطير بجناحه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم الي ربهم
يحشرون‏6:38)(‏ وحشر لسليمان جنود من الجن والإنس والطير فهم يوزعون‏.‏
حتي اذا اتوا علي واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم
لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون‏27:17-‏ وتشير تلك الآيات إلي ان
الحيوانات مثلها مثل البشر من حيث المكانة فهي تعيش في جماعات فلا فرق في
المكانة‏,‏ فقد خصص القرآن سورا باسماء النمل والنحل والعنكبوت والبقرة
والانعام‏.‏

الأمر الثاني الذي يؤكده القرآن هو دعوة القرآن
الانسان الي النظر والتأمل كمسئولية اخلاقية تجاه الخالق من اجل إدراك
وجوده في كل شيء‏.‏ بتوسط ما خلقه الله في الانسان من حواس كالسمع والبصر
والعقل وذلك لإدراك المحسوسات والظواهر التي تحيط به‏.(‏ ان في خلق
السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب‏3:190),(‏ الذي
خلق سبع سموات طباقا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من
فتور‏67:3).‏

تظهر الآيات السابقة أن القرآن عارض النموذج الوجودي
لافلوطين القائم علي تدرج مراتب الموجودات‏,‏ فكل الموجودات في العقيدة
الاسلامية علي درجة متساوية والكل مخلوق لله‏.‏ ثانيا‏:‏ إن الانسان مكلف
بالاستدلال علي عظمة الخالق وادراك نظامه الكوني عن طريق النظر والمشاهدة
والاعتبار‏,‏ وهو نموذج معرفي جديد يعارض نموذج افلاطون القائم علي
الافكار المجردة وتأمل عالم المثل‏.‏

من طرف صفاء الإثنين فبراير 02, 2009 6:22 pm

شكرا لك وجزاك الله خير

حوارات معاصرة الرؤية الكونية والمعرفية للعلم الإسلامي بقلم‏:‏د‏.‏ أحمد عبدالجواد

حوارات معاصرة الرؤية الكونية والمعرفية للعلم الإسلامي بقلم‏:‏د‏.‏ أحمد عبدالجواد

رد: حوارات معاصرة الرؤية الكونية والمعرفية للعلم الإسلامي بقلم‏:‏د‏.‏ أحمد عبدالجواد