أوبامــا والتغييـــر بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

من طرف سعود الثلاثاء فبراير 03, 2009 11:48 am

أوبامــا والتغييـــر
بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

بدأ أوباما معركته الحقيقية التي ستكون أكثر شراسة من المعركة الانتخابية ويتطلع العالم بأكمله لنجاحه فيها‏.‏

جاء
الشعب الأمريكي به رئيسا رغم تحديات لم تكن في صفه‏..‏ جاء به لأنه رفع
الشعار الذي جسد آمال وتطلعات الشعب وهو التغييرنجح ليس فقط بسبب
ايجابياته بل أيضا بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها سلفه‏,‏ فاز بأعلي
نسبة مشاركة بلغت‏66%‏ وهي الأعلي منذ مائة عام ولم يأت به الأمريكيون
الأفارقة‏,‏ بل صوت له البيض بنفس نسبة تصويتهم للمرشحين الثلاثة
الديمقراطيين قبله‏.‏

مجرد نجاحه جاء بتغييرات ايجابية أمريكيا
ودوليا‏,‏ وأعلن أوباما بعد فوزه مباشرة أن التغيير قادم وان عبقرية
أمريكا تكمن في أنها يمكن أن تتغير‏.‏
‏
***‏
إن
ملف أوباما ـ أمريكا ـ والتغيير ملف يبدو سلسا لكنه غير سهل متعدد
الجوانب‏,‏ فهو يشمل قضايا العصر المتراكمة ويثير تساؤلات عديدة‏:‏ فلماذا
التغيير؟ وما جوهره ومجالاته وأولوياته؟ وما تحدياته وصعوباته؟ وما موقف
أوباما وطاقمه من خلال تصريحاته أثناء الحملة الانتخابية وبعد توليه؟
لماذا رفضت شعوب العالم أمريكا ولماذا عادت لقبولها؟

والسؤال هو‏:‏
هل سيتمكن أوباما من الوفاء بوعوده وتحقيق التغيير المنتظر؟ وما هي
المجالات التي تتطلب تغييرا كاملا؟ وهل الشعب الأمريكي يدرك صعوبة الموقف
أم ان الآمال ـ التي تفوق الامكانات ـ سوف تسبب الاحباط وخيبة الأمل؟
الأسئلة كثيرة لن ترد عليها سوي الأحداث القادمة‏,‏ لكنها من اليوم ـ بل
منذ الأمس ـ محل الدراسة والتمحيص‏.‏

إن التركة التي ورثها أوباما
ثقيلة‏:‏ حربان في العراق وأفغانستان‏,‏ وصراعات أخري معلنة أو خفية‏,‏
مأساة فلسطين والشرق الأوسط‏,‏ وماتضيفه اليها ايران من مشاحنات
وتهديدات‏,‏ الي جانب صعود النمور الآسيوية وما تمثل من ثقل اقتصادي أو
انتاجي‏,‏ وصحوة الدب الروسي وعودته الي الشغب أو المنافسة‏,‏ يتصدرها
جميعا أسوأ كارثة اقتصادية جرت سياسات واشنطن العالم اليها‏.‏

وهناك
بالاضافة للحالة الاقتصادية والسياسة الخارجية قائمة طويلة تشمل تطوير
النظام الانتخابي‏,‏ وتصحيح النظام القضائي لتوفير العدالة الجنائية‏,‏
وقضية حقوق الانسان التي كانت واشنطن ترفع رايتها وتنادي بها بينما هي
تنتهكها بشراسة‏.‏

وخريطة الطريق الي التغيير‏,‏ لها في الولايات المتحدة اعتبارات معينة لابد أن تؤخذ في الحسبان‏,‏ نذكر بعض معالمها‏:‏
‏
***‏
‏
*‏
إن الرئيس الأمريكي لا ينفرد بالقرار‏,‏ يشاركه فيه عدد من المؤسسات
والأفراد متباينة التوجهات والمسئوليات‏,‏ صحيح ان لديه مجالا للحركة لكن
داخل ذلك الاطار‏.‏
‏
*‏ الاعتبارات الحزبية التي قد لا تتفق مع
تطلعاته وهو ما أشارت اليه بعض الأبحاث التي نخشي ان سياسات الحزب قد تبتر
بعض آمال أوباما‏.‏
‏
*‏ وهناك القوة الهائلة والسيطرة التي تسمي
مجموعات الضغط سواء تلك التي تصنع أسلحة الدمار وسوف يؤرقها الجنوح
للسلام‏,‏ أو جماعات اللوبي السياسي‏,‏ وأكثرها تأثيرا الصهيونية التي
نجحت ـ لأهداف سياسية ـ في أن تربط نفسها بالمسيحية فروجت لفكرة المسيحية
الصهيونية مع مابين الاثنين من تناقض جذري يستحيل معه التوفيق بينهما‏.‏
‏
*‏
هناك ملايين لم تصوت لأوباما عليه أن يحاول كسبها عن طريق الانجاز وليس
الكلمات‏,‏ وبأسلوب يوفق بين مسئوليته لمن أعطوه صوتهم وينتظرون ارضاءهم
وبين الجمهوريين الذين عليه استمالتهم وقطاعات منهم متحفزة له‏.‏
‏
*‏
التوفيق بين اعتبارات قد تبدو متناقضة وتحتاج لحنكة سياسية ودبلوماسية
فائقة مثل حماية المجتمع الأمريكي ـ والدولي ـ من الإرهاب مع الالتزام
بمبادئ حقوق الانسان‏,‏ والتوفيق بين اختيار الدبلوماسية والتنمية أو
القوة العسكرية في السياسة الخارجية‏!‏
‏
*‏ إن المشاكل التي
يواجهها تحتاج لوقت حتي تظهر ثمارها‏,‏ وعليه في نفس الوقت إحراز تقدم ما
محسوس فور تنصيبه وإلا فإن الحماس سوف يفتر والقوة الشعبية الهائلة التي
تسانده قد يصيبها الوهن‏.‏
‏
*‏ انهيار بعض جوانب الخدمات العامة
مثل التعليم والعلاج والأمن بالاضافة الي المشاكل البيئية من فيضانات
واعاصير ونتائج التغير المناخي‏,‏ وكلها تأتي بها سياسات صناعة رأسمالية
لا تحافظ علي توازنات البيئة بل تهدرها‏.‏
‏
*‏ إن أوباما رئيس
أمريكا وسوف تأتي مصالح شعبه ـ الذي دعمه بقوة ودفعه للرئاسة ـ قبل كل
شيء‏,‏ ومصالح واشنطن لا يمكن أن تتفق في جميع الأحوال مع مصالح جميع
الشعوب التي تؤيده ورحبت به‏,‏ لقد نجح في تصحيح صورة أمريكا وخفف من
كراهية شعوب العالم لها‏,‏ لكن هل من الممكن الحفاظ علي ذلك الرضا الدولي
العام؟
‏
*‏ وهناك القطاعات الرجعية‏,‏ ومدرسة ريجان‏,‏ أو الجماعات
ذات المشاعر العنصرية أو اليمين المتطرف التي سوف تشكك في قدراته
وخبرته‏,‏ وقد تتهمه بأنه رومانسي غير واقعي‏,‏ مثالي غير عملي‏,‏ خاصة
فيما يتعلق بالقضايا الشائكة مثل إغلاق جوانتانامو أو مد جسور الحوار مع
ايران أو الإصلاح المالي‏..‏

وغيره‏,‏ وهم يتناسون أن البدائل التي
اختارها اسلافه لم تأت إلا بالخسائر والدمار وتدهور مكانة الولايات
المتحدة‏,‏ وقد يحاول البعض سوء استخدام جذوره الافريقية أو روابطه
الاسلامية وأعضاء أسرته المتشعبة‏.‏
‏
*‏ وقد تكون إسرائيل ذلك
الحليف التقليدي سببا في بتر جهوده وعرقلة مساعيه‏,‏ فهي تعودت الانحياز
الكامل لها وأي موقف عادل أو متوازن يتخذه أوباما قد يثير غضبها ويدعوها
لتحريك مؤسساتها وعملائها داخل أمريكا وخارجها ضده‏.‏
‏
***‏

هذه
هي بعض المعالم الأساسية للخريطة العامة التي دخل اليها أوباما بشخصيته
الجذابة التي جمعت بين أجمل الصفات البشرية ومقومات القيادة لتبعث الأمل
والثقة‏,‏ ونجاحه في تحقيق آماله يقتضي دعمه بتفهم الواقع الذي سيتعامل
معه‏,‏ فماذا فعل للآن؟ وماذا فعلوا به؟ وله؟ والحديث مستمر‏.‏