عن الحكايات وتأصيلها‏1‏ من‏2‏ بقلم : إبراهيم أصلان

من طرف سعود الثلاثاء فبراير 03, 2009 12:12 pm

عن الحكايات وتأصيلها‏1‏ من‏2‏
بقلم : إبراهيم أصلان

هذا
كتاب ممتع نعاود قراءته‏..‏ وهو كان قد صدر عن المشروع القومي للترجمة تحت
عنوان‏(‏ نساء يركضن مع الذئاب‏:‏ الاتصال بقوي المرأة الوحشية‏)‏ الذي
وضعته الباحثة الاسترالية والروائية البارزة كلاريسا نيكولا‏,‏ وقام
بترجمته مصطفي محمود محمد‏,‏ وراجعه أحمد مرسي‏.‏

قد يوحي لك
العنوان بأنه يحمل إدانة ما للنساء لأنه يقرنهن هكذا بالذئاب‏,‏ ولكن
سرعان ما سنتبين أن الكاتبة اختارته بعدما قامت بدراساتها المتعمقة لتاريخ
الذئاب علي وجه الخصوص‏,‏ ووجدت أنها تشبه تاريخ المرأة من ناحيتين‏:‏
تميزها بالقوة الروحية ومعاناتها آلام الولادة‏,‏ وأنها تشترك مع الذئبة
في خصائص نفسية واحدة‏,‏ حيث تتسمان بصدق المشاعر والروح المرجوة والقدرة
العالية علي العطاء‏

‏ أي أن المرأة والذئبة بطبيعتهما ترتبطان
بعلاقة قرابة‏,‏ كلتاهما فضوليتان تتمتعان بقدر عظيم من الإخلاص والتفاني
تجاه صغارهما وأليفيهما وعصبيتهما‏,‏ كما تتوافر لهما خبرة التكيف مع
الظروف المتغيرة والشجاعة الفائقة والثبات بقوة علي المواقف‏,‏ لقد ظلت
كلتاهما مطاردتين ومعرضتين للإيذاء ومتهمتين ظلما بالنهم والميل
للمخادعة‏,‏ وأنهما أشد عدوانية وأقل شأنا من هؤلاء الذين يحطون من
قدرهما‏,‏ وهما متهمتان من هؤلاء الذين يكبحون المناطق الروحية في أعماق
الروح ويستأصلون منها كل ما هو فطري‏,‏ ومن المدهش أن من يسيئون فهم
النساء والذئاب هم أشد منهما ضراوة‏.‏

والكاتبة لا تستخدم كلمة
وحشية بمعناها الشائع‏,‏ بل بما يمكن أن نطلق عليه الطبيعة الفطرية أو
الأولية‏,‏ فالمرأة الوحشية ـ كما تعنيها ـ هي الساحرة والعرافة والصديقة
والأم لكل من فقد الطريق‏..‏ صحيح أننا لا نستطيع الإمساك بها في الواقع
وفي محاولة استعادتها قد تتحول إلي دخان‏,‏ ولكننا بإعطائها الاسم نوجد
لها وجودا بداخلنا‏.‏

كيف تؤثر هذه الطبيعة الفطرية في النساء؟‏..‏
تسأل مؤلفة هذا المعجم‏(600‏ صفحة من القطع الكبير‏)‏ وتجيب‏:‏ نحن مع
المرأة الوحشية نري ليس بعين واحدة‏,‏ بل نري بالعديد من عيون البديهة
والحدس‏.‏ وحين نوقن بالحدس‏,‏ نصبح مثل ليلة مرصعة بالنجوم‏.‏

المقصود
بالمرأة الوحشية إذن‏,‏ من وجهة نظر علم النفس وفي عرف الروائيين‏,‏ هي
روح الأنثي‏,‏ بل مصدر الأنوثة‏,‏ إنها ما هو فطري في كلا العالمين الظاهر
والباطن‏,‏ إننا جميعا نأخذ منها الخلية التي تحوي كل الغرائز والقلب
الأمين‏,‏ وهي فصيحة في لغات الأحلام والعشق والشعر‏,‏ إنها الأفكار
والمشاعر والذاكرة‏,‏ ورائحة الطين والخصب والصوت الذي يصرخ فينا‏:‏ هذا
هو الطريق والتي تصرخ في وجه الظلم‏,‏ وهي التي نهجر الوطن بحثا عنها
والتي نعود إليه من أجلها والحاضنة التي نرعي فيها براعم الأفكار
والعلاقات الوليدة‏..‏

ولكن أين نجدها؟ تسأل الكاتبة وتقول إنها
تجوب الصحاري والغابات والمحيطات والمدن والقلاع‏,‏ في المصنع‏,‏ في السجن
والجبل النائي‏,‏ مع الأقليات المعزولة‏,‏ في الشارع والجامعة‏,‏ تترك لنا
آثار أقدامها لنتبعها‏,‏ وهل هناك برهان علي وجودها؟

تجيب الكاتبة
أن‏:‏ نعم‏..‏ لقد قابلناها ملايين المرات وخبرناها في اشتياقاتنا
وإلهاماتنا‏,‏ إنها تعيش في قاع البئر وعلي سطح الماء‏,‏ في الأثير‏,‏
تعيش في الدموع والمحيطات‏,‏ يسمع أزيزها في لحاء الشجر عندما ينمو‏,‏
إنها آتية من المستقبل ومن فجر الزمان‏,‏ تعيش في الماضي وتحضر حين
نستدعيها‏,‏ تأخذ مكانها في مائدتنا‏,‏ تقف خلفنا في الصف وتقودنا إلي
الأمام عبر الطريق‏,‏ إنها تعيش في الجيوب الخضراء تحت الجلد‏,‏ في حفيف
عيدان القمح التي تموت عند الخريف‏,‏ تعيش علي رءوس الموتي عندما يقبلهم
الأحياء ويصلون عليهم‏,‏ تعيش في المكان الذي تصنع فيه اللغة‏,‏ تعيش في
الإيقاع والشعر والغناء‏,‏ في النوتة الموسيقية‏,‏ إنها اللحظة التي تسبق
تفجر الإلهام فينا‏.‏