عملية الرصاص المصبوب بقلم : أمين هويدي

من طرف سعود الثلاثاء فبراير 03, 2009 12:13 pm

عملية الرصاص المصبوب
بقلم : أمين هويدي

الرصاص
المصبوب أو الرصاص المسكوب أو الرصاص المنهمر اسم كودي بايخ لعملية
قذرة‏,‏ أو إن أردنا الدقة لمجزرة بشعة ختمت بها إسرائيل العام المنصرم‏.‏
والغرض منها ــ كما قالوا ــ هو الحد من عمليات إطلاق صواريخ حماس علي
إسرائيل‏..‏ وبداية يعني الصواريخ توجع وتؤلم وليس كما يردد البعض أنها
مجرد لعب أطفال‏..‏ والعملية بالضبط هي مجرد معركة في حرب ممتدة لايعلم
أحد متي ولا كيف تنتهي‏,‏ لأن الانتصار الحاسم فيها لاينتهي بالضربة
القاضية‏

ولكن إن جاز التعبير فهي تنتهي بالنقط‏!!‏ إسرائيل تريد
حسم الموقف ولكنها تجد نفسها في واقع الحال تستعد لجولة جديدة باسم كودي
آخر‏,‏ بينما تستمر المقاومة ويقوي عودها ضد محاولاتها الفاشلة‏.‏ يعني هي
الحرب الدائمة‏.‏ التي يريدها الاسرائيليون‏..‏ فهل هذا ممكن؟‏!!!‏

والسبب
في ذلك يكمن في قادة اسرائيل‏,‏ فهم لايعرفون إلا القوة كوسيلة وحيدة
للصراع رغم تعدد وسائله‏..‏ تعني هذه العملية وغيرها من العمليات التي
سبقتها أو التي ستتلوها أن إسرائيل مازالت قلقة وأنها كالمستجير من
الرمضاء بالنار‏..‏ فالتهدئة لاتخفف من قلقها والدعوة إلي السلام لاتزيل
قلقها علي أمنها‏,‏ لأنها تريد الأمن المطلق وترفض الأمن المتبادل‏,‏
السلام والأرض‏,‏ وليس الأرض في مقابل السلام‏,‏ اتفاقيات أساسها توازن
القوي وليس توازن المصالح‏...!!!‏

هذه هي الأفكار التي تسيطر عليهم
رغم أن الأيام أثبتت أن استخدام القوة لم يحقق لها الأمن الذي تريده‏,‏
والغريب أننا نسمع بعد كل ذلك تصريحا لوزيرة الخارجية ليفني بأنهم يريدون
من عمليتهم هذه تغيير الواقع علي الأرض‏,‏ وفي هذا تمسك بنظرية إيجال آلون
عن أمن إسرائيل فلا يتحقق الأمن الاسرائيلي بالمعاهدات أو الضمانات
الدولية أو بنشر القوات الدولية‏

‏ ولكنه يتحقق فقط الأوضاع علي
الأرض‏..‏ علي القنوات ــ ويقصد قناة السويس ــ أو علي الأنهار ــ ويقصد
نهر الأردن ــ أو علي المرتفعات ــ ويقصد هضبة الجولان إنها لاتريد أن
تدرك بأن تغيرات كثيرة في أنواع الأسلحة والعمليات السياسية قد حدثت‏,‏
فقد أصبحت الصواريخ قادرة علي تخطي المساحات والمسافات وأن الاتفاقيات
السياسية مثل اتفاقياتها مع مصر والأردن حققت لها التهدئة علي حدودها منذ
توقيعها وحتي الآن‏..‏

وعلي اسرائيل أن تدرك أنها زرعت بالقوة في
منطقة كارهة رافضة‏,‏ أن سياستها العدوانية ستزيد من الكراهية لها وتجعلها
عضوا مرفوضا من العائلة الإقليمية وتعمل في الوقت نفسه علي ازدياد
المقاومة لوجودها بكل الوسائل ومن ضمنها الصواريخ بطبيعة الحال‏,‏ والأخطر
من كل ذلك أن حالة عدم الاستقرار في اسرائيل وفي المنطقة سوف تؤثر علي
الهجرة من اسرائيل وإليها فهو وضع غير مشجع لهجرة اليهود من الخارج‏,‏
ولكنه يشجع في الوقت نفسه علي هجرتهم إلي الخارج‏,‏ علما بأن الهجرة هي
العامل الرئيسي في الأمن القومي الاسرائيلي‏..‏

في إطار هذه
الأفكار نستعرض في عجالة الخطوات التنفيذية لهذه العملية‏:‏ فقد صدرت
الأوامر للاعداد لها من وزير الدفاع باراك منذ‏6‏ أشهر‏,‏ في الوقت الذي
كانت إسرائيل تتفاوض فيه لعقد اتفاقية وقف إطلاق النيران مع حماس‏!!!!‏
وتلي ذلك مرحلة جمع المعلومات حول البنية التحتية لفصائل المقاومة في
غزة‏,‏ وكذلك عن مخابئ السلاح‏,‏ ومعسكرات التدريب‏,‏ والانفاق‏,‏ ومنصات
الصواريخ‏,‏ ومنازل كبار المسئولين‏..‏

ثم وضعت خطة الهجوم علي غزة
ورفعها رئيس الأركان جابي اشكناز إلي وزير الدفاع باراك للتصديق عليها
في‏2008/11/19‏ الذي رفعها بدوره إلي رئيس الوزراء أولمرت للتصديق
عليها‏,‏ وتم ذلك في‏2008/12/18‏

ولعلنا نلاحظ الآتي‏:‏
‏*‏ قصر سلسلة القيادة بعدم وجود منصب قائد عام للقوات المسلحة والاكتفاء بمنصب رئيس الأركان‏.‏
‏
*‏ إن وزير الدفاع مدني ورئيس حزب سياسي كديما لايقود قواته ولا يتحمل أي مسئوليات أخري حتي يتفرغ لمسئولياته الجسيمة‏.‏
‏
*‏ أغراض محددة بدقة في خطط مبكرة تنفذ في الوقت المناسب وقدرة علي تغيير الأغراض السياسية حسب التطورات العسكرية‏.‏
‏
*‏
بدأت العملية بالخطوط التقليدية بالهجوم الجوي الكاسح وتمهيد بالمدفعية
دون احترام للقانون الدولي‏,‏ فالعالم لايحترم إلا لغة القوة وفرض الأم
الواقع علي الأرض‏.‏ وتحركت قوات إسرائيل في مواجهة مقاومة شرسة من
الفصائل الفلسطينية ووسط انقسامات مؤسفة بين الفلسطينيين والعرب لدرجة
التشابك بالأسلحة أو مقاطعة الاجتماعات والمؤتمرات‏.‏
‏
*‏ الجانب
العربي يردد المنولوج المعتاد‏:‏ المناداة باجتماعات لمؤتمر القمة دون
اجتماعها مع التنديد والشجب والمظاهرات‏,‏ وكلها وسائل لاتضيف شيئا إلي
القدرة القتالية لمواجهة العدوان‏...‏

وبعد محاولات كثيرة من أطراف
عديدة صدر قرار مجلس الأمن المنتظر بإيقاف إطلاق النيران ومحاولات غامضة
لإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه‏.‏ ولم يحترم أحد تنفيذ القرار إذ تقدمت
إسرائيل إلي غزة لتدميرها للقضاء علي ما تبقي من المقاومة‏,‏ والمقاومة
تطلق صواريخها علي بئر السبع واسدود وعسقلان‏,‏ وعدد القتلي والجرحي
يتزايد‏,‏ مما أثار الرأي العام العالمي‏.‏

واسرائيل وقد أصبحت
محاطة بصواريخ حزب الله في الشمال وصواريخ حماس في الجنوب والقوات
العسكرية العربية في القلب في انتظار القرار السياسي في الوقت المناسب‏,‏
وأخطر من كل ذلك نيران مشتعلة علي حدودنا في ظلها تفكر إسرائيل في تنفيذ
خطة الترانسفير‏Transfer‏ من قطاع غزة‏,‏ والبعض الآخر يفكر في المبادلة
بأماكن أخري‏,‏ لأن النظرات دائما مركزة علي المعابر وسيناء مما يوجب
الاستعداد بعين الصقر ودهاء الثعلب وقوة الأسد‏.‏

واختتم بتوجيه
رسالتين‏:‏ الرسالة الأولي إلي أصحاب القرار عندنا بضرورة عقد مؤتمر قمة
يبحث موضوع بناء القوة الرادعة العربية‏,‏ إذ بدون ذلك سيستمر الولد الشقي
في شقاوته‏.‏

والرسالة الثانية إلي أصحاب القرار في اسرائيل بأنهم
إن فكروا في تشكيل لجنة تقصي حقائق كما فعلوا بعد حرب أكتوبر بتشكيل لجنة
القاضي إجرانات ولجنة فينو جراد بعد حرب لبنان لبحث الأداء العسكري
والادارة العسكرية للعمليات أن يجعلوا هذه اللجنة تبحث في تغيير السياسة
الخارجية الاسرائيلية‏,‏ فالعيب هنا وليس في المجال العسكري‏.‏

وفي
انتظار عمليات تالية سوف تتطور الأوضاع‏,‏ لأن القضية لم تحسم بعد‏,‏
فمازال كل جانب قادرا علي الحصول علي بعض النقاط‏,‏ لان أحدا لم يصب الآخر
بالضربة القاضية‏.‏