كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه
ماذا عن المستقبل في ضوء تحديات الأزمة المالية العالمية الراهنة؟‏!‏

هذا هو السؤال الذي فرض نفسه علي منتدي دافوس الاقتصادي الأخير‏,‏ بينما أصوات المتظاهرين خارج المنتدي كانت تتعالي وتتهم المشاركين في المنتدي بأنهم هم سبب الأزمة ومن ثم فإنهم غير مؤهلين لحل هذه الأزمة العويصة وما كشفت عنه من تحديات ومخاطر ربما تمتد لسنوات مقبلة‏,‏ بينما نري عندنا من مازالوا مصرين حتي اليوم علي محاولة ربطنا بالماضي وجذب أنظارنا إلي الخلف وإشغال الرأي العام بقضايا وملفات قديمة لا طائل من وراء إعادة تقليب أوراقها سوي تعطيل أي تصحيح أو إصلاح تتطلبه معطيات أزمة طاحنة لن يسلم أحد من شرورها‏.‏

ولعل ذلك ما يدفعني إلي القول إن المسئولية الوطنية والقومية تحتم علي الجميع أن يغلقوا هذه الملفات تماما وأن تجتمع الأمة كلها علي قلب رجل واحد‏,‏ من أجل الوصول إلي تصور مشترك حول آفاق المستقبل ومتطلباته لمواجهة هذه الأزمة‏...‏ وذلك بأن نضع خطوطا فاصلة بين ما نتمناه و بين ما نتوقعه وأن نفرق تماما بين ما نستطيع إنجازه وبين ما يستحيل أن نقفز إليه دفعة واحدة‏!‏

إن من واجبنا أن نجتهد جميعا في طرح ما ينتظرنا في المستقبل من تحديات ومصاعب مع مراعاة أن هناك مساحة واسعة بين الطرح الأمين بهدف التنبيه ودق أجراس الخطر مبكرا‏,‏ وبين الرغبة في التخويف وإطفاء الأنوار وفتح أبواب اليأس والقنوط علي مصراعيها‏!‏

وأتذكر أنني قرأت منذ سنوات بعيدة تعبيرا للفيلسوف العالمي برتراند راسل يقول فيه‏:‏ إن من يتصدي للحديث عن المستقبل يجب أن يتجنب الطرح بأسلوب اليقين وأن يلتزم بحدود الاعتقاد فقط‏...‏ والمعني واضح‏,‏ فعندما أتحدث عن المستقبل فإن من الصواب أن أقول إننا نعتقد كذا وكذا ولا نجزم بإمكانية حدوث أي شيء‏!‏

وفي اعتقادي أن بامكاننا أن نتخطي معظم مصاعب وتداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة إذا بدأنا مبكرا في الاستعداد لها‏..‏ وأقول أعتقد لأن ذلك ليس أمرا مؤكدا‏,‏ فلا ما أجتهد في طرحه من مصاعب وتحديات أمر مؤكد ولا القدرة علي تخطي هذه المصاعب والتحديات أمر مؤكد‏..‏ وإنما هو مجرد اعتقاد‏!‏

والحقيقة أننا نحسن صنعا إذا حرصنا علي عدم التوقف طويلا بالتركيز المبالغ فيه حول عمق المصاعب وشدة التحديات التي تنتظرنا لأن مثل هذا التوقف يفرز أجواء اليأس والتراخي‏,‏ ومن ثم يستحسن أن يتركز الاجتهاد حول السبل والوسائل التي تيسر لنا قهر هذه المصاعب والتحديات بحسابات دقيقة وآليات متوفرة‏!‏

أريد أن أقول بوضوح إننا بحاجة إلي أطباء يعرفون جيدا كيف يصفون الدواء السليم بأكثر من حاجتنا إلي أطباء مهرة في التشخيص‏..‏ ودائما فإن الفرق بين طبيب وآخر يكمن في مدي الخبرة التي تؤهله لكتابة أسهل وأرخص روشتة تكفل شفاء المريض‏..‏

ومن حسن الحظ أن لدينا مؤشرات مشجعة في السياسات المالية والاقتصادية المصرية التي لاتصادر الطموح وتتجنب المغامرة‏!‏
attalla@ahram.org.eg