هذه الهدايا المجانية بقلم‏:‏ عماد عريان

سياسة خارجية
بقلم‏:‏ عماد عريان
هذه الهدايا المجانية
ما الفرق بين حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش‏,‏ وثورة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وجه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز خلال منتدي دافوس؟ من حيث المضمون يبدو أنه لا فارق كبيرا بين التصرفين‏,‏ فالرجلان أرادا اطلاق صيحة غضب احتجاجا علي ممارسات دموية من الجانب الأمريكي ضد العراقيين بالنسبة لحالة الزيدي‏,‏ ومن الجانب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بالنسبة لحالة أردوغان‏,‏ ولكن هناك بالقطع فارقا كبيرا من الناحية الشكلية‏,‏ فحذاء الزيدي بدا للكثيرين خروجا عن المألوف وانحرافا عن السلوك المهني القويم‏,‏ أما ثورة أردوغان فجاءت ـ ربما بحكم طبيعة منصبه ـ مطابقة للسلوك الحضاري السليم الذي يعلي من شأن اللسان لا الحذاء‏,‏ أما الشئ المؤكد في الواقعتين فهو اختلاف مواقف وآراء الكثيرين في إطار ردود الفعل علي الحادثتين‏,‏ فهناك من يعتبرهما عملا بطوليا‏,‏ وهناك من يري أنهما إقدام علي تصرفات انفعالية تقترب من حد الغوغائية‏.‏

هذه أمور اجتهادية يري البعض أنها قد تفيد العدو أو الخصم أكثر مما تضره‏,‏ وهناك بالتأكيد من يري عكس ذلك علي أساس أن إظهار الغضب أمر مطلوب كموقف احتجاجي علي ممارسات دموية وهو أضعف الإيمان‏,‏ ولكن هناك بالقطع تصرفات أخري لا يجوز الاجتهاد فيها أو إخضاعها للأهواء الشخصية بل يمكن رصدها في خانة الهدايا المجانية التي تخدم الخصوم‏,‏ وأبرز تلك الهدايا في الأيام الماضية تحركات حركة حماس ـ برغم تراجعها بعد ذلك ـ للإعلان عن مرجعية سياسية جديدة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية‏,‏ وبرغم أن الثوابت لا مجال لها في عالم السياسة وأن دوام الحال من المحال في إدارة الصراعات المستدامة‏,‏ إلا أن مثل تلك التحركات تأتي علي رأس الهدايا المجانية الخطيرة التي تقدمها حركة حماس لخدمة الخصوم‏.‏

هذه التحركات أيضا تقترب من حد الانتحار السياسي في ضوء الظروف الإقليمية والدولية الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية‏,‏ وهي بحق أحرج وأدق مرحلة في تاريخ تلك القضية‏,‏ ليس لحجم الخسائر البشرية أو الأضرار المادية التي يتكبدها الجانب الفلسطيني‏,‏ ولكن لأن حالة التشرذم الفلسطينية الراهنة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي في ظل تفسخ عربي يزيد من الأزمة تعقيدا‏,‏ ومن المؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست مقدسة ولكنها‏,‏ وفي هذه المرحلة علي وجه الخصوص‏,‏ رمز للوحدة الفلسطينية‏,‏ ومن الضروري الالتفاف حولها وتكريس مفهوم الوحدة بدلا من التوجه نحو مزيد من الانقسامات وتقديم المزيد من الهدايا المجانية للجانب الإسرائيلي‏.‏