بداية عهد جديد في أمريكا بقلم‏:‏ د‏.‏ أحمد إبراهيم الفقيه

من طرف لميس الأربعاء فبراير 04, 2009 10:59 am

بداية عهد جديد في أمريكا
بقلم‏:‏ د‏.‏ أحمد إبراهيم الفقيه

جاء
وصولي إلي واشنطن هذه المرة متوافقا مع الاحتفالات التي غمرت العاصمة
الأمريكية بمناسبة تنصيب باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات
المتحدة الأمريكية‏,‏ وبرغم الجهد الذي بذله صديق دبلوماسي في الحصول لي
وله علي دعوتين لحضور الاحتفالات‏,‏ فان بطاقتي الدعوة لم تقدرا علي أخذنا
إلي اي مكان قريب من قاعة الكابيتول التي جرت فيها احتفالات التنصيب‏,‏
وانما إلي الاطراف والميادين التي تحيطها اعداد من افراد الشرطة السرية
والعلنية واللجان التي تجعل الانتقال شديد الصعوبة من مكان إلي آخر‏,‏
خاصة ان عشرات الالاف طبعت من هذه التذاكر والبطاقات‏,‏ وكنا نعوم في بحر
من البشر مقداره مايقرب من مليوني شخص‏,‏ خرجوا برغم البرد يزحمون شوارع
واشنطن احتفالا بوصول أول رئيس امريكي اسود إلي البيت ابيض‏,‏

وكانت
اجواء من الفرح والبهجة تغمر هذه الحشود التي تتحلق حول الشاشات العملاقة
المنتصبة في الميادين تنقل مراسيم التنصيب بدءا بحلف اليمين‏,‏ إلي كلمة
الرئيس اوباما‏,‏ التي يفتتح بها عهده ويلامس بها مختلف القضايا التي تهم
المواطن الأمريكي‏,‏ في لغة راقية واسلوب رفيع‏,‏ يلقيها بفصاحة دون
ورق‏,‏ حيث لايضاهي مستواها الادبي الجميل‏,‏ غير مضمونها الانساني وعمق
معانيها ودلالاتها‏,‏ تحدث فيها عن الاقتصاد وأزمته التي عزاها إلي الطمع
والهلع والاستغلال‏,‏

وتحدث عن فرص العمل للعاطلين وتوفير الاماكن
في الجامعات لابناء المحتاجين‏,‏ وتطوير التعليم وتوفير العلاج وقضايا
العلم والطاقة‏,‏ ولم ينس العراق وضرورة الوصول إلي صيغة لاخراج الجنود
الأمريكيين من هناك‏,‏ وسبق ان وعد باغلاق سجن جوانتانامو قبل نهاية العام
وبدا واضحا انه تعمد ان يحمل خطاب التنصيب اشارات واضحة للتخلص من إرث
الماضي‏,‏ ملحا علي الجوانب الاخلاقية والانسانية فهو يرفض ان يضع الدفاع
عن مصالح بلاده موضع التناقض والتعارض مع العدل والانصاف وحقوق الشعوب
الأخري‏,‏ ويرفض ان يقوم الأمن القومي الأمريكي علي ظلم الآخرين وانما علي
عدالة القضايا التي يتبناها‏,‏ مؤكدا ان الازدهار الاقتصادي لن يصمد طويلا
اذا اصبح احتكارا للمزدهرين اقتصاديا فقط‏,‏ واشار إلي ان بلاده أمة من
المسيحيين والمسلمين والهندوس والبوذيين واليهود ومن لادين لهم‏,‏ شركاء
متساوون في الوطن‏,‏ وتواصلت الاحتفالات بعد انتهاء الخطاب‏,‏ حيث خرج
الرئيس الجديد إلي الشارع يحضر طرفا من الاستعراضات العسكرية‏,‏ ويلتقي
بالناس في الساحات‏,‏ وانتشرت كذلك المعارض الفنية تسهم في احياء هذا
اليوم‏,‏ ثم بدأت مع حلول المساء حفلات الغناء والموسيقي التي شملت مختلف
احياء واشنطن‏,‏

حضر بعضها اوباما واسرته‏,‏ وبعضها الآخر نائب
الرئيس وزوجته‏,‏ وبعض هذه الحفلات اقيم خارج سيطرة لجنة الاحتفالات
وتوزعت بلا حسيب ولارقيب حتي فاضت علي أرض العاصمة‏,‏ غير تلك التي نظمتها
سلطات الحكم المحلي في الولايات‏,‏ ويتفق الجميع في الاعلام المرئي
والمقروء والمسموع علي ان هناك روحا جديدة تغمر البلاد‏,‏ وان هناك فرصة
غير مسبوقة بهذا التنصيب‏,‏ وان الحشود التي خرجت للتعبير عن فرحتها فاقت
في اعدادها الخروج في اية مناسبة سابقة في التاريخ الأمريكي‏,‏

وقد
بدا أوباما خلال يوم التنصيب‏,‏ وقبله وبعده من خلال لقاءاته ومقابلاته
واحاديثه وخطاباته‏,‏ شخصا يوحي بالثقة‏,‏ ويبعث الأمل في القلوب‏,‏ يتحدث
بعلم ومقدرة وثبات وعمق‏,‏ ويستعمل لغة ادبية في الحديث‏,‏ صاحب فصاحة
وبلاغة وقدرة علي التعبير والخطابة‏,‏ يقول الكلمة المناسبة في الوقت
المناسب‏,‏ ويقدم بما يقوله ويفعله‏,‏ مثالا ينال الاعجاب والرضا للقائد
الذي يحالفه التوفيق في كل كلمة يقولها‏,‏ وفي كل تصرف يقوم به‏,‏ بل في
كل نامة أو همسة تصدر عنه‏,‏ وكان هذا ما يؤكده سجل حياته السياسية قبل
الحملات الرئاسية‏,‏ فقد تعرضت حياته للفحص والتدقيق والتمحيص من الخصوم
والمنافسين‏,‏ فلم يعثروا علي شيء يمكن ان يضع ذرة سواد علي ثوبه السياسي
والانساني الناصع البياض‏,‏ وإلي حد ان اصحاب البرامج الفكاهية التي تقوم
علي انتزاع الضحكات من خلال تقليد الرؤساء واقتناص ما يرتكبونه من اخطاء
ومايجدونه في حياتهم من هنات‏,‏ يقفون عاجزين عن انتاج برامج ساخرة حوله
لانهم لايجدون في سلوكه المستقيم وشخصيته التي تفرض الاحترام ما يبنون
عليه فكاهاتهم كما اعلن احد اصحاب هذه البرامج‏.‏

التقيت في اثناء
اقامتي في أمريكا بأكثر من صديق صحفي وسياسي‏,‏ قابل اوباما في اثناء
حملته الانتخابية وتعاون معه في هذه الحملة‏,‏ وجميعهم تكرر معهم الموقف
نفسه‏,‏ ان لحظة لقائهم به كانت لحظة حاسمة كاشفة فاصلة في تحديد موقفهم
معه‏,‏ فقد انتهي اي شك عند هذا اللقاء في قوة وقدرة الرجل علي القيادة‏,‏
ويؤكدون جميعهم ان لقاءهم بالرجل كان تجربة معنوية جعلتهم يؤمنون
بقيادته‏,‏ ويثقون في حكمته‏,‏ ويجدون لديه من الأمانة والنزاهة والمعرفة
والخبرة والإلهام ما يؤهله ان يقود بلادهم إلي طريق جديد وأفق مشرق يسهم
في إيجاد عالم أكثر ازدهارا وسلاما وامانا حسب اعتقادهم‏.‏

انه رجل
يأتي للمشهد السياسي في العاصمة الأمريكية‏,‏ من المجهول‏,‏ فيضع تلك
العاصمة في ضوء جديد‏,‏ وامل جديد‏,‏ وفي وقت تحتاج فيه امريكا‏,‏ لنزع
هذه الصورة القاتمة التي اكتسبتها في قلوب وعقول الشعوب الأخري‏,‏ كما
تحتاج فيه الشعوب الأخري إلي قوة روحية ومعنوية تعيد لهم أمريكا باعتبارها
قوة للخير والعدل والأمن والسلام‏,‏ غابت عنهم اعواما كثيرة‏,‏ فهل حقا
تحدث المعجزة علي يد هذا الرئيس الجديد؟

‏fagih@hotmail.com‏