وزارة الثقافــة في عيدهــا الخمســـين بقلم‏:‏ سامح كريم

من طرف لميس الأربعاء فبراير 04, 2009 11:00 am

وزارة الثقافــة في عيدهــا الخمســـين
بقلم‏:‏ سامح كريم

يشتمل
معرض القاهرة الدولي للكتاب علي فعالية تخص العيد الخمسين لأول وزارة
ثقافة في العالم العربي‏,‏ هي وزارة الثقافة المصرية التي انشأتها حكومة
الثورة كاهتمام حضاري مستنير بالثقافة‏,‏ وذلك حين أضافتها إلي الارشاد
القومي في فبراير‏1958‏ تحت مسمي وزارة الارشاد والثقافة ـ التي تولاها
الراحل الكبير فتحي رضوان‏,‏ الذي اهتم بالشئون الثقافية برغم اضطلاعه
بالمهمة الإعلامية التي تتطلبها الثورة في سنواتها الأولي ـ فأنشأ مصلحة
الفنون‏,‏ وإدارة الثقافة والنشر‏,‏ ومركزا للفنون الشعبية‏,‏ والبرنامج
الثقافي بالاذاعة‏,‏ الا انه ترك هذه الوزارة بعد ثمانية أشهر‏,‏ ليتولاها
أحد رجال الصف الأول للثورة الدكتور ثروت عكاشة الذي قام بمهمة الارشاد
القومي والثقافة في نوفمبر‏1958,‏ ويبدأ عبء هذه الوزارة وهي تتلمس طريقها
الي المثقفين في ظل التبعية للارشاد القومي‏,‏ وليحولها من بعد الي عمل
مستقل‏,‏ موضحا الحد الفاصل بين رعاية الدولة للثقافة‏,‏ ووصايتها عليها
في ظل هذه التبعية‏,‏ ومؤكدا ان الأمرين مختلطان في التوجيه والسياسة‏,‏
ولذلك طالب بفصل الثقافة عن الارشاد القومي‏.‏

وكان علي هذه
الوزارة في ظل وضعها المستقل ان تتحمل عبء الانشاء والانتاج معا‏,‏ مدركا
أن الازدهار الثقافي يؤدي في مجال الفكر مثلما يؤدي التصنيع الثقيل في
مجال الصناعة‏,‏ وان انعاش الحياة الثقافية في الأمم الناهضة أصبح من
واجبات الدولة الحديثة‏,‏ وفي هذا الاطار وضع نصب عينيه ان السياسة
الثقافية ليست محاولة من الدولة لصنع ثقافة حكومية‏,‏ ولذلك حرص علي ان
يشترك معه كبار المثقفين في الرأي منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية‏,‏
حين التقي معهم حتي لا تكون السياسة الثقافية سياسة فوقية يتخذها الوزير
ونفر من أعوانه‏,‏ ولهذا رأي بعد عدة لقاءات ان أنسب شكل يستطيع من خلاله
التعرف علي الواقع الثقافي‏,‏ هو بحشد المثقفين في مؤتمر عام للثقافة كان
من نتائجه اكتشاف الرؤية الثقافية كاملة علي لسان أصحابها‏,‏ ومن هنا
تركزت لديه نظرية ثقافية مؤداها انه لا ازدهار لثقافة وطنية الا اذا عبرت
بصدق عن فئات المجتمع في المدن والقري والنجوع‏,‏ ولا يمكن قيام ثقافة
جامعة الا إذا أتيح للجميع الارتشاف من مناهل الثقافة العالمية‏,‏ ولا
وجود لتصور ثقافة قومية أصيلة في وضع تكون فيه ثقافة الحاضر منفصلة عن
ثقافة الماضي‏,‏ ووفق هذه النظرية بدأت وزارة الثقافة عملها مدركة ان
قيمتها ترتبط بمدي مساهمتها في تغيير حركة المجتمع‏,‏ وأن وجودها الحقيقي
يبدو في إيجاد التلاحم العقلي والوجداني بين أصحاب العطاء من المثقفين‏,‏
وبين أصحاب الحق من أبناء الشعب‏,‏ فكان عليها أن تحقق مهمة صياغة العقل
المصري‏,‏ بأن تستفيد من جهود المثقفين في إدارة مرافقها‏,‏ والربط بين
الدولة وبين هؤلاء المثقفين حتي يتهيأ المناخ المناسب لانتاجهم‏,‏ وعلي
هذا كانت لهذه الوزارة رؤية مؤداها ان للقلم رسالة في شحذ وجدان الأمة لا
تقل عن عمل المدفع في حماية حدود الوطن‏,‏ باختصار ان يكون للمثقفين دور
قيادي في معركة البناء والتغيير‏..‏ وهكذا تحولت هذه الأفكار الي واقع
ملموس‏.‏

فمثلا كان الاهتمام بأن يكون للكتاب مؤسسة هي التأليف
والنشر‏,‏ وأن يكون للمسرح مؤسسة تضم الفرقة القومية للفنون الشعبية ودار
الأوبرا والمسرح‏,‏ وان يتفرغ المبدعون لابداعاتهم بعيدا عن الوظائف
باستحداث مشروع التفرغ‏,‏ وان يهتم بالسينما فنا وفكرا فأنشئت مؤسسة
لها‏,‏ وأن تعني بتثقيف الريف بإنشاء قصور الثقافة الجماهيرية‏,‏ وان
تعتني بالحفاظ علي الآثار وانقاذها‏,‏ وان تهتم بتقديم كوادر فنية مسلحة
بالعلم والموهبة فأنشأت أكاديمية الفنون‏,‏ وأن ترعي ثقافة الابن الجديد
بانشاء مركز لثقافة الطفل‏,‏ وكان لابد من ان يستند الي اسلوب جديد لعله
في الاهتمام بالكيف الثقافي‏,‏ حيث بات يري اجراء تغيير في اسلوب الوضع
الثقافي‏,‏ لان تطبيق سياسة الكم أسفر عن نتائج ضارة بالثقافة‏,‏ فطالب
بسيادة الكيف الثقافي‏,‏ وبدأ مسئوليته عن الثقافة للمرة الثانية
عام‏1966‏ بالدعوة الي أربعة مؤتمرات للكتاب والمسرح والسينما والفنون
التشكيلية في حوار مفتوح بين المثقفين والعاملين في الوزارة‏,‏ الهدف منه
تحقيق اللحمة الضرورية بين منتجي الثقافة والذين يديرونها‏,‏ خدمة
للمستهلك من أبناء الشعب‏..‏

والسؤال الآن‏:‏ هل بقي هذا البناء الثقافي المؤسسي علي حاله أم تراجع أم تطور؟‏..‏ الاجابة في مقال آخر‏..‏