درس المحنة‏!‏ بقلم : د‏.‏ وجدي زيد

من طرف نونو الخميس فبراير 05, 2009 10:06 am

درس المحنة‏!‏
بقلم : د‏.‏ وجدي زيد

من
بين كل الدروس والمعاني التي يمكن الخروج بها مما يحدث ومازال يحدث في
غزة‏,‏ هناك معني ودرس فرض نفسه وبقوة علي الواقع‏...‏ لقد عرف وتعلم
العالم إنه لا أحد يستطيع جر المصريين إلي مواقف مفروضة من الخارج ووفق
حسابات من أدمنوا العنتريات والهروب وترك لمصر وشعبها دفع الثمن‏,‏ وكأن
قدر مصر الذي لا فكاك منه هو أن تدفع دائما ثمن المتناقضات في العالم
العربي وما أكثرها‏!!‏

أول هذه المتناقضات هو هذا الانشقاق داخل
البيت الفلسطيني ذاته‏,‏ هناك السلطة وحماس‏,‏ وهناك فصائل معهما وضدهما
في سوريا وايران ولبنان‏,‏ والجميع في صراعات ومواقف متباينة أوقعت الشعب
الفلسطيني في مأساة دامية والعرب في محنة كشفت ازدواجية ومزايدات البعض
منهم‏!‏

والغريب أن الفلسطينيين قد اعتادوا هذا الانشقاق داخلهم
واستطاعوا أن يدخلوا غيرهم في دوائر ومتاهات هذا الانشقاق‏,‏ وأصبح الجميع
يتعامل مع هذا الانقسام والفرقة الفلسطينية كحقيقة لا مفر منها ولا حل
ويجب التعايش معها‏,‏ فانقسم العرب بدورهم إلي من يؤيد ويدعم السلطة
وآخرين يؤيدون ويدعمون حماس وطرف ثالث يؤيد ويدعم السلطة وحماس وكل
الفصائل حيثما تكون وحسبما يتفق ومصلحته‏

وبدلا من أن يحاول
الفلسطينيون توحيد صفوفهم تحت قيادة واحدة تحدد أهدافهم وأولوياتهم‏,‏
وبدلا من أن يصر العرب علي حل الصراع الفلسطيني أولا دخل الجميع هذا
الصراع‏,‏ وكانت مصر هي الدولة العربية التي أدركت ذلك من بداية هذا
الصراع فخصصت دولاب عمل واعيا ومتمرسا وصاحب خبرة واسعة شهد بها الجميع
لمعالجة هذا التفرق الفلسطيني ورأبه والخروج بالفلسطينيين إلي طريق واحد
وواضح وله لغة خطاب مفهومة يمكن أن يستمع إليها العالم ويستجيب‏.‏

التناقض
الثاني الذي يعيشه العرب ومطلوب من مصر أن تدفع ثمنه هو هذا الانفصال
الحاد بين ما يقوله بعض العرب وما يفعلونه‏,‏ فهناك من العرب من يتعامل
وبشكل حميم مع اسرائيل في الخفاء‏,‏ لكنهم يقولون غير ذلك‏,‏ ودويلة قطر
مثلا تأتي إليها الشركات الاسرائيلية لتحلية مياهها‏,‏ ويذهب حكامها إلي
مصايف اسرائيل ومشاتيها للاستمتاع بينما يمنعون منح تأشيرات دخول
الفلسطينيين إلي قطر‏,‏ ومع ذلك يتحدث مسئولو قطر وإعلامها بغير ذلك؟‏!‏
بل ويتهمون مصر بالتقصير؟‏!‏

وكما اختزلت قطر وجودها في محطة
تليفزيونية‏,‏ حاولت ومازالت تحاول اختزال هذه المأساة التي نعيشها جميعا
في مسئولية مصر وبالتحديد عن معبر رفح‏!!‏

إنها حالة فريدة من
الكذب علي النفس والمخاتلة كشفها العالم ومنذ اللحظة الأولي‏,‏ لأن
الحقيقة يعرفها الجميع وفي عالمنا المعاصر من المستحيل أن يبتلع عقلاؤه
أكاذيب محطة تليفزيونية‏,‏ بل إن ما تبثه هذه المحطة ـ وعلي عكس ما تخطط
له ـ أوضح بشكل كامل حجم الجهد والعطاء الذي قدمته ومازالت تقدمه مصر
لمعالجة آثار المأساة في غزة‏.‏

وأغرب من كل ذلك أن يحاول بعضهم
الآن مخاطبة الرأي العام المصري وفئاته ومحاولة استمالته‏,‏ متوهمين أن
موقف الحكومة المصرية لا يطابق أو يستجيب لما يشعر به حقيقة جموع المصريين
تجاه الأزمة‏,‏ وفي هذا قراءة خاطئة وساذجة لا تعرف أن مصر ومنذ زمن ـ
وعبر تجارب تاريخية ـ تخطت هذا الانفصال بين آراء الناس ومشاعرهم والقرار
السياسي‏,‏ لقد ولي الزمان الذي تساق فيه الشعوب لتحقيق أحلام وأوهام
زعامة فردية يدفع ثمنها في كل الأحوال الشعوب وليس الحكام؟‏!‏

‏wagdy.zied@gmail.com‏