معاً للمستقبل بقلم :علي هاشم

معاً للمستقبل
بقلم :علي هاشم
E-mail:aly_hashem@gitc.com.eg
هل نتغير؟!

لا أتصور أن قادة إسرائيل من جنرالات
وساسة سوف تقر لهم عين. أو يغمض لهم جفن. ليس من تأنيب ضمائرهم ولا حزنا
وألما لما أصاب غزة من دمار هائل. بل خشية المطاردات القضائية. والملاحقات
الجنائية الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب. وهو ما لاحت إرهاصاته جلية في
الأفق. إذ سارع مجلس وزراء إسرائيل إلي حشد طائفة من كبار الحقوقيين
والسياسيين لديها لإجهاض وإفشال الدعاوي والمحاكمات التي تلاحقهم. بل
مارست إسرائيل ضغوطا هائلة علي بعض الدول مثل إسبانيا لإجبارها علي تعديل
بعض قوانينها ليفلت مجرمو الحرب الإسرائيليون من قبضة تلك المحاكمات.

ولا أحسب أيضا أن الكوابيس الحافلة بمشاهد أشلاء الضحايا الممزقة.
وصرخات الأطفال سوف تفارقهم بل ستلاحقهم لفرط بشاعتها وجسامتها. وهو ما
سيفضي - إن حدث - إلي أن تصبح المستشفيات النفسية والعصبية في إسرائيل
ملأي بهؤلاء القتلة المرضي وهو ما سيكون عقابا من السماء علي جرائمهم
اللاإنسانية.

وحشية المجازر الإسرائيلية في غزة دفعت القضية في طريقين. يجب
استثمارهما عربيا. الأول قانوني. إذ تصاعدت الحملة الدولية القانونية ضد
إسرائيل وتجسد ذلك في مطالبة البعض بمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب.
والثاني: سياسي جسدته دعوة 95 أستاذا أمريكيا إلي مقاطعة إسرائيل عقابا
لما اقترفته في غزة. وهو ما نتوقع أن ينضم إليه دعاة سلام جدد من أمريكا
وغيرها. إذ تصاعدت الغضبة الشعبية العالمية التي راعتها مشاهد القتل
والتدمير والتشريد لشعب أعزل.

يقيني أن ما يمر به العالم من حولنا فرصة ذهبية للعرب. لأخذ زمام
المبادرة والمبادأة وترك سلوك رد الفعل. وتغيير استراتيجيتنا السلبية.
ونسج علاقات جديدة في عالم يتحول من العولمة والقطب الأوحد إلي أقطاب
عديدة وشركاء جدد. عالم يعاد توجيه مسار علاقاته الدولية من جديد. وهو ما
يستدعي سرعة توظيف تلك المعطيات الراهنة لصالح القضية الأم. وهي حقوق
العرب التي دأبت إسرائيل ومن ورائها أمريكا علي انتهاكها والانتقاص منها..
ويحضرني هنا موقف جديد مشرف لرئيس وزراء تركيا "رجب طيب أردوغان" الذي
انسحب من منتدي دافوس العالمي احتجاجا علي أكاذيب رئيس إسرائيل "شيمون
بيريز" بشأن محرقة غزة ودفاع إسرائيل عن نفسها واعتبارها هي الضحية وليس
الجلاد واتهام حماس بأنها منظمة إرهابية. وقد نجح الرجل في دقائق معدودات
في دحض أكاذيب وافتراءات ومزاعم إسرائيل. وفند في كلمته للمنتدي التي
استغرقت نحو اثنتي عشرة دقيقة. تلك المغالطات التي دأبت إسرائيل علي
ترويجها بشأن صواريخ المقاومة وتهريب السلاح. ولا ينتقص من شجاعة الرجل
وموضوعيته وعفويته ما روجه البعض من أنه يبحث عن دور محوري إقليمي لبلاده
في المنطقة. وليس ما فعله خالصا لوجه غزة أو ضحاياها. لقد نال ما فعله
استحسان وإعجاب الشعوب العربية والإسلامية كافة. ولاقي قبولا لدي دول أخري
عديدة.. وتردد صداه لدي دوائر عالمية كثيرة سارع بعضها لاتخاذ إجراءات
حاسمة وعملية في طريق محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

لا يفوتني هنا أن أحيي قرار الأمانة العامة للحزب الوطني برئاسة
أمينه العام صفوت الشريف. وأشد علي يديه. لتكليف مجموعة عمل قانونية
لتوثيق جرائم إسرائيل في غزة. وإعداد تقرير مفصل بالأحداث والانتهاكات
ذخرا ويكون دعما لمساعي المؤسسات العربية والدولية التي ستطرق أبواب
المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة إسرائيل. وحبذا لو أشرف عليها خبير
القانون الدولي د. مفيد شهاب بما عرف عنه من خبرة قانونية واسعة شهدت بها
مفاوضات استعادة طابا من البراثن الإسرائيلية. وفي سياق آخر مواز يقوم
الحزب الوطني بمخاطبة أحزاب العالم لكسب تأييدها ودعمها لصالح ضحايا غزة
وهو ما يستدعي بالدرجة ذاتها تكاتف الدول العربية وراء ذلك الهدف الأسمي
الذي يزلزل قادة إسرائيل ويثنيهم عن معاودة العدوان ضد الأبرياء في
فلسطين.

لا أحد - مهما بلغ شأوه. وعلا صوته - يمكنه أن يزايد علي دور مصر
التاريخي والقائم تجاه قضية فلسطين. بل تجاه تحرير الشعوب العربية من
الاستعمار الحديث. فمصر بموقعها ومكانتها وحضارتها وثقلها السياسي
والثقافي قلب نابض للعروبة ودرع واقية. طالما اضطلعت. ولاتزال. بتوحيد
الصف ولم الشمل ومواجهة مخططات الأعداء. وهو ما يحملها دوما ما لا طاقة
لغيرها به من واجبات ومسئوليات. وهو ما لا ينبغي لأحد مهما صغر أو كبر أن
ينالها بالقول أو بالاتهامات المغرضة. فدورها محوري وحاكم في القضايا
العربية المشتركة. شاء المغرضون أم أبوا. وعليها أن تقود العالم العربي
لآفاق جديدة من العلاقات المتوازنة مع أمريكا وأوروبا وشتي دول العالم.
لخلق كيان عربي متماسك. يدافع عن قضايانا بتحضر ومنطق ولغة يفهمها الآخرون
في عالم يمر بمخاض جديد إثر الأزمة العالمية الطاحنة وتولي أوباما زمام
الحكم في أمريكا. وهو ما أحدث بالفعل تغييرا جوهريا في طبيعة العلاقات
الدولية ومستقبلها. والأدوار التي سوف يضطلع بها النظام العالمي الجديد
بمنظماته وهيئاته وكياناته ومصالحه وأهدافه وتفاعلاته. وهو ما ينبغي أن
يدفعنا - كعرب - في طريق وحدة القرار والهدف والمصير.

أوباما يطالب بالتغيير. صحوة شعوب العالم ضد مجازر إسرائيل. شهادة
الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بما حدث في غزة. رغبة بعض
المنظمات الدولية في القصاص من قادة إسرائيل. صمود شعب غزة في وجه العدوان
الأثيم.. ألا يدفعنا كل ذلك لنبذ الخلافات. وتفعيل ما نملكه من مقومات
البقاء والنجاح "الطاقة. وكل عناصر التنمية والبناء والموارد البشرية"
وإشاعة روح التضامن للحفاظ علي مصيرنا المشترك وحق الأجيال العربية
القادمة في حياة كريمة؟!.