هل أصبح العالم العربي فريسة....؟!بقلم : محمد أبو الحديد

آخر الأسبوع
بقلم : محمد أبو الحديد
E- mail: abuelhaded@eltahrir.net
هل أصبح العالم العربي فريسة....؟!

علينا ان نعترف الآن. أن "حرب غزة"- اذا
جازت هذه التسمية- كانت مجرد عدوان اسرائيلي مسلح علي هذا الجزء من
الأراضي الفلسطينية وسكانه.

فما أكثر ما اعتدت اسرائيل علي قطاع غزة.. وما أكثر ما هاجمت "كل الفلسطينيين".. في "كل" الأراضي الفلسطينية المحتلة.


حتي لو كان العدوان الأخير هو الأطول.. حتي لو كان هو الأعنف.. حتي لو كانت خسائره البشرية والمادية بالنسبة لسكان القطاع هي الأفدح.


انه سيناريو إسرائيلي واحد. يتم تعديله فقط في كل مرة. وفق ما يتم صياغته من ذرائع ودوافع.


لكن ما سبق هذا العدوان. وصاحبه. ولحقه حتي الآن. من تحركات اقليمية
ودولية. يحتاج إلي "إعادة قراءة" هادئة ومتأنية. من جانب كل مراكز البحوث
السياسية والأمنية المصرية. ومن صناع السياسة الخارجية في مصر. لاستخلاص
النتائج الصحيحة التي يمكن- في تقديري- ان يتغير بمقتضاها الكثير.

فالقضية- بعد ان سكنت المدافع. ولو سكوتاً مؤقتاً أو متقطعاً.. تبدو الآن أكبر بكثير من مجرد عدوان.


بل وأكبر- في تقديري- من مجرد تسابق قوي اقليمية معينة علي تقديم
نفسها في صورة مختلفة. في بلاط إدارة أمريكية جديدة هي ادارة أوباما.

لدي. في هذه النقطة الأخيرة تحديداً. سببان:


الأول- ما أكثر ما تغيرت الادارات الامريكية. دون ان يصاحبها هذا الصراع الاقليمي داخل العالم العربي نفسه. أو حوله.


الثاني- اذا كانت ادارة الرئيس أوباما تعطي للبعض انطباعاً بالقوة..
أو الحيوية.. أو توحي بانتهاج سياسات مختلفة. فان العبرة في النهاية ب
"الأدوات" المتاحة لها.. فهي تتسلم أمريكا في أسوأ وضع اقتصادي شهدته علي
مدي قرن من الزمان.. تتسلم أمريكا وهي تنسحب من العراق.. وتصارع الهزيمة
في أفغانستان.

وهذا الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري ينعكس علي المباديء
والشعارات التي تستمد منها أمريكا قوتها. وطالما بشرت بها. وهي الاقتصاد
الحر. والديمقراطية وكل ما يتعلق بهما أو يتفرع عنهما.

أمريكا- إذن- ليست في "الوضع الأفضل" وأي ادارة لها- مهما بلغت قوتها
وحيويتها ونزاهة قصدها أو رؤيتها- محكومة بهذا الوضع. وبالتالي لا يجب ان
ينتظر أحد منها ان تفعل المعجزات.


***



إن علينا. انطلاقاً من ذلك. ان نسأل أنفسنا أولاً:


* لماذا تكالبت "دول الجوار العربي". وأقصد تحديداً إيران وتركيا. علي
ان تصنع لنفسها أدواراً في العالم العربي. وتقدم نفسها باعتبارها "وسيطاً
مقبولاً" في قضاياه؟!

ولماذا تضخمت أدوار بعضها إيران تحديداً حتي بدا أنها تنافس علي زعامة المنطقة؟!


* هل يوجد حقاً "فراغ إقليمي" في المنطقة. أو "تراجع أدوار" و"غياب زعامة" شجع الدولتين علي ذلك؟!


* أم أنهما تصورتا وجود هذا الفراغ وذلك التراجع أو الغياب وأرادتا اختباره؟!


وما الذي يتيح لإيران هذا النفوذ المتزايد في المنطقة. ويسمح لها في
ظل اتفاق أكبر دولتين وهما مصر والسعودية. وتصديهما لها. أن تكسب كل يوم
أرضاً جديدة أو تكون قادرة علي شق العالم العربي. والعبث باستقراره؟!

لقد جاء وقت علي إيران. لم يكن لها ذراع في المنطقة سوي حزب الله في لبنان.. فأصبحت هناك حركة حماس.. وأصبحت سوريا.. وأصبحت قطر.


بل إن إيران ما كانت لتتشجع. وتدفع برئيسها أحمدي نجاد لحضور قمة
الدوحة. إلا بعد أن نجحت قبلها في أن تحضر القمة العادية لمجلس التعاون
الخليجي. ولأول مرة منذ إنشاء هذا المجلس عام 1981. وفي حضور زعماء الدول
الخليجية الست وموافقتهم.

لقد مر الظهور الإيراني في تلك القمة يومها مرور الكرام.. لكنه
بالنسبة لإيران كان خطوة بالغة الأهمية للعبور إلي بقية المنطقة. ومحاولة
الإمساك في يدها بخيوط قضاياها.. فمن ذا الذي يمكنه الاعتراض بعد أن وافقت
دول الخليج العربي علي حضورها وهي تحتل أراضي لإحدي هذه الدول وهي
الإمارات.. ولاتزال تصر علي تسمية الخليج العربي.. بالخليج الفارسي؟!

ولقد شجعها سكوتنا علي أن تمضي في مخططها.


والمسألة بالنسبة لإيران لا تتعلق فقط بالملف النووي.. ولا بالإدارة
الأمريكية الجديدة.. ولا بنشر الثورة الإسلامية أو المذهب الشيعي.. إنها
جميعاً مجرد "طرق" تؤدي إلي "روما".. وروما بالنسبة لإيران. هي تتويجها
زعيماً للعالمين العربي والإسلامي.. وعلي حساب مصر والسعودية.


***



تركيا.. قصة أخري.


فبينما إيران تتبع سياسة "فرّق تسد" لشق الصف العربي وتأليب بعض العرب
علي بعضها حتي تتمكن. في اللحظة المناسبة من القفز إلي الزعامة.. تنتهج
تركيا سياسة العلاقات الطيبة مع كل الأطراف قدر الإمكان.

طموحها يتجه إلي أن تصبح جزءاً من أوروبا.. لكن الاتحاد الأوروبي أوقف مفاوضاته معها.


صعود النزعات الطائفية والعرقية في العراق تحت الاحتلال الأمريكي. ولد
عند تركيا مخاوف من تصاعد مطالب الأكراد فيها. في أن تكون لهم دولة.

لم تجد أمامها سوي بوابة العالم العربي لتدخل. وتلعب دوراً وتبني
نفوذاً. مطمئنة إلي عضويتها في حلف شمال الأطلنطي بزعامة أمريكا.
وعلاقاتها القوية بإسرائيل.

ودخلت من خلال سوريا. التي كان بينهما منذ سنوات ما صنع الحداد.
وكادت تركيا يومها أن تغزو سوريا لولا وساطة الرئيس مبارك التي أطفأت
الفتيل المشتعل بين البلدين قبل أن تنفجر القنبلة.

ولعبت تركيا دور الوسيط في مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل علي الأراضي التركية.


ووثقت تركيا علاقتها - في نفس الوقت - مع إيران.. ومع حركة حماس
وطالبت بتمثيل حماس في المحافل الدولية.. بل وتوسطت بينها وبين "فتح" في
نفس الوقت الذي تحتفظ بعلاقات لا بأس بها مع مصر.

وقام الطيب أردوغان رئيس وزراء تركيا ب "الشو" السياسي والاعلامي
الذي ظهر به في دافوس أمام شيمون بيريز. ليرد اتهاما بأنه - أي أردوغان -
ربما كان يعلم بالعدوان الإسرائيلي علي غزة قبل وقوعه. لأن إيهود أولمرت
رئيس وزراء إسرائيل كان يزور تركيا قبل العدوان مباشرة. وأنه اجتمع
بأردوغان خلال هذه الزيارة.

وبعد أن صفق له شعبه واستقبله لدي عودته من دافوس استقبال الأبطال
وصفق له الكثيرون في العالم العربي. بعث بعدة رسائل إلي إسرائيل يؤكد فيها
ان انسحابه من دافوس لم يكن احتجاجا علي بيريز. وإنما احتجاج علي منسق
الجلسة الذي لم يسمح له بالوقت الكافي للحديث.

وأنه لم يقصد بموقفه إسرائيل ولا شعبها ويريد أن تستمر العلاقة الطيبة لتركيا معها.


إن المواقف عديدة.. والتشابكات بالغة التعقيد.. وما جري - كما قلت -
يستحق "إعادة قراءة".. بل وإعادة تقييم لكثير من المواقف الراهنة..
والسياسات المستقبلية.

ولنا - في هذا الموضوع - عودة