من يسرق العسل؟بقلم : عبدالله عبدالسلام

من طرف مشمشة السبت فبراير 07, 2009 1:11 pm

أفق جديد
بقلم : عبدالله عبدالسلام

من يسرق العسل؟

من
قلب القاهرة‏,‏ خرج السبق الصحفي العالمي الذي انفردت به أمس الأول محطة
التليفزيون الألمانية زد‏.‏ دي‏.‏ إف وصحيفة نيويورك تايمز عن طبيب الموت
النازي أريبرت هايم الذي لجأ إلي مصر هربا من الملاحقة وعاش فيها سنوات
طويلة إلي أن مات عام‏1992‏ دون أن يكتشف أحد حقيقته‏.‏

وبرغم أن
مكاتب الصحف ووسائل الإعلام المصرية لا تبعد سوي كيلو مترات قليلة عن
الأماكن التي أقام فيها هايم فإنها تعاملت مع هذا السبق مثل مئات وربما
آلاف الصحف والمحطات التي لم يطأ معظم صحفييها أرض مصر علي الإطلاق‏.‏

إذ جري إعادة نشر ملخص للقصة منقول عن وكالات الأنباء مع إضافات لا تسمن ولا تغني من جوع‏.‏

ولم
تسأل صحيفة أو وسيلة إعلام مصرية نفسها‏,‏ كيف فات عليها أن تكتشف هذا
الرجل الذي كان يسير يوميا في شوارع القاهرة مسافة‏25‏ كيلو مترا ويتردد
علي جروبي والجامع الأزهر بصورة دائمة؟

ولماذا سقط من أولويات
الصحف و الإعلام التقصي والبحث عن مثل هذه القصص الخبرية التي لا أشك لحظة
أن هناك العديد منها ويصلح لأن يكون سبقا عالميا؟ وليس مصادفة في هذا
السياق أن أفضل من تحدث عن قضايانا المهمة كأطفال الشوارع والتلوث وأزمة
رغيف الخبز هم الصحفيون الأجانب‏.‏

لقد اختفي أو كاد من الصحافة
المصرية فن صحفي هو الأبرز في صحافة العالم وهو التحقيق الاستقصائي الذي
يقضي الصحفي أو مجموعة من الصحفيين من أجله شهورا وربما أكثر من عام
للتحري وكشف ملابسات قضية معينة‏.‏ ولم يعد لدينا سوي أشباه التحقيقات
التي يغلب عليها عبارة‏:‏ ويقول فلان الفلاني‏.‏

وفي المقابل‏,‏
طغي المقال علي صحافتنا وتمدد فخرج من صفحات الرأي إلي الصفحات الأولي وكل
الصفحات‏..‏ بل إن هناك حاليا من يستعيض عن التغطية الخبرية في الصفحة
الأولي بمقال طويل عريض أساسه الرأي وليس المعلومة‏.‏

أما في
التليفزيون‏,‏ فقد أصبحت برامج التوك شو هي الصيحة الجديدة التي احتلت
ذروة أوقات المشاهدة يوميا ولأنها سريعة التحضير والهضم فقد تحلق الجميع
حولها واعتبروها الوسيلة المثلي لمعرفة ما يحدث‏..‏ وتلاشت أمامها الفنون
التليفزيونية الأخري‏.‏ إنها الآن ديوان العرب تماما كما كان الشعر
قديما‏!‏

ومن عجب أن الصحف تزايدت والفضائيات تكاثرت حتي تشابهت
علينا فلم نعد نميز بينها‏,‏ لأنها في حقيقة الأمر‏,‏ تقدم نفس الوجبة مع
اختلاف بسيط في نسبة البهارات وربما طريقة التقديم فكيف يمكن أن تجد هذه
الصحف والفضائيات الوقت والجهد والإمكانات لتقديم وجبة صحية مبتكرة علي
غرار قصة هايم؟

وقديما تساءل الريحاني في فيلمه سي عمر‏1941‏
مخاطبا ناظر العزبة الفاسد الحرامي‏:‏ عزبة طويلة عريضة‏,‏ النحل فيها يسد
عين الشمس ولا يوجد بها عسل‏!‏ والآن نتساءل‏:‏ عشرات الصحف والمحطات
وجيوش من الصحفيين والإعلاميين‏,‏ وليس هناك انفراد صحفي واحد تنقله عنا
وكالات الأنباء؟

aabdelsalam65@gmail.com