هذا هو الإسلام بقلم‏:‏ د‏.‏ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهــر الشريف

من طرف soso الإثنين فبراير 09, 2009 1:14 pm

هذا هو الإسلام
بقلم‏:‏ د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

مفردات قرآنية الصــــــدق‏3‏

ما
أجمل هذا الدعاء الذي تضرع به سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلي خالقه
والذي قصه علينا القرآن الكريم في قوله ـ عز وجل‏:‏ واجعل لي لسان صدق في
الآخرين‏,[‏ سورة الشعراء‏:84].‏ أي‏:‏ قال إبراهيم ـ عليه السلام ـ في
دعائه‏:‏ يارب اسألك ان تجعل لي تاريخا مشرفا‏,‏ وسمعة طيبة‏,‏ واثرا
كريما‏,‏ في الأمم التي ستأتي بعد وفاتي وموتي‏.‏

وقد اجاب الله
سبحانه وتعالي ـ دعاء خليله إبراهيم‏,‏ فجعل اثره خالدا‏,‏ وجعل من ذريته
جميع الأنبياء الذي جاءوا من بعده‏,‏ وعلي رأسهم إمامهم وخاتمهم محمد صلي
الله عليه وسلم‏.‏

وهكذا نري ان فضيلة الصدق‏,‏ تضاف إلي كل ماهو
حسن وجميل من ألوان السلوك الإنساني وفضلا عن كل ذلك فإن كلمة الصدق‏,‏
وماتفرغ عنها من كلمات‏,‏ كلها تدل علي ماهو حق وعدل وبر وخير‏.‏

ومن
تلك الكلمات التي تفرغت عن الصدق كلمة الصدقة‏,‏ وهي مايقدمه الغني
للمحتاج من خير علي وجه التقرب إلي الله بالطاعات كما في قوله تعالي‏:‏ خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏,[‏ التوبة‏:103].‏

ومنها‏:‏
كلمة التصديق ومعناه‏:‏ تحقيق صحة الخبر‏,‏ وتقبله من سامعه ومن قائله‏,‏
كما في قوله تعالي‏:‏ والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون‏[‏
الزمر‏:33].‏

والمراد بالذي جاء بالصدق‏:‏ رسول الله ـ صلي الله
عليه وسلم ـ والمراد بالذي صدق به‏:‏ كل من آمن بالرسول ـ صلي الله عليه
وسلم ـ وصدقه فيما جاء به من عند ربه‏.‏

ومنها كلمة مصدق‏,‏ وقد وردت في القرآن خمس مرات وكلمة مصدق وقد وردت في القرآن ثلاث عشرة مرة‏.‏

قال تعالي‏:‏ وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه‏,[‏ الأنعام‏:92].‏
أي‏:‏
وهذا القرآن الذي أنزلناه عليك ـ يامحمد ـ من صفاته أنه كتاب مبارك‏,‏
فوائده لاتحصي‏,‏ لاشتماله علي كل ماينفع الناس في دينهم وفي دنياهم وفي
آخرتهم‏.‏

ومن صفاته كذلك‏:‏ أنه موافق ومؤيد للكتب التي قبله في
إثبات ان المستحق للعبادة هو الله وحده وقال سبحانه وتعالي‏:‏ نزل عليك
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه‏,[‏ آل عمران‏:3].‏

والمعني‏:‏
الله ـ عز وجل ـ وحده‏,‏ هو الذي نزل عليك هذا القرآن مقترنا بأمرين
ومتصلا بهما أما أولهما‏:‏ فهو أنه ـ سبحانه وتعالي ـ انزل عليك هذا
القرآن تنزيلا ملتبسا بالحق ومصاحبا له ومقترنا به‏,‏ مشتملا عليه‏..‏

وأما
ثانيهما‏:‏ فهو ان هذا الكتاب مواف ومؤيد لما جاء في الكتب السابقة من
وجوب إخلاص العبادة لله الواحد القهار‏,‏ ومن وجود التحلي بمكارم
الأخلاق‏.‏

ومن هذه الكلمات التي تدل علي كل خير وجمال‏:‏
الصديق‏,‏ والصديقة‏..‏ وهاتان الكلمتان تدلان علي التزام الصدق في
الأقوال والأفعال في جميع الأحوال‏.‏

قال ـ سبحانه وتعالي‏:‏واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا‏,[‏ مريم‏:41].‏

وقال ـ سبحانه وتعالي ـ‏:‏ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا‏,[‏ مريم‏:56].‏

فقد وصف الله ـ سبحانه وتعالي ـ هذين النبيين الكريمين بالملازمة للصدق في كل أمورهما‏:‏

ـ وقال ـ سبحانه وتعالي‏:‏ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل‏,‏ وأمه صديقة‏,[‏ المائدة‏:75].‏

والمعني‏:‏
ان المسيح عيسي ابن مريم امره مقصور علي صفة الرسالة لايتجاوزها إلي
غيرها‏,‏ وقد سيقه عدد كبير من الرسل الذين امرهم الله ـ سبحانه وتعالي ـ
بدعوة الناس إلي إخلاص العبادة لله وحده وأم عيسي وهي مريم صديقة‏,‏ أي‏:‏
ملازمة في كل احوالها للصدق والطهارة والعفاف وهكذا نجد ان مادة الصدق وما
اشتق منها تدل علي كل ماهو حسن وجميل‏.‏

والنحب‏:‏ النذر وهو ان يلتزم الإنسان الوفاء بأمر تعهد به‏.‏ وقضاؤه‏:‏ الفراغ منه والوفاء به علي اكمل وجه‏.‏

وكان رجال من الصحابة قد نذروا‏,‏ أنهم إذا صاحبوا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في حرب ان يثبتوأ معه‏,‏ وألايفروا عنه‏.‏

والمعني‏:‏
من المؤمنين رجال كثيرون‏,‏ وفوا أكمل وفاء بما عاهدوا الله ـ سبحانه
وتعالي ـ ومن التأييد لرسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومن الثبات معه في كل
موطن‏.‏

فمنهم من وفي بوعوده حتي أدركه أجله فمات شهيدا‏,‏ كحمزة
بن عبد المطلب‏,‏ ومصعب بن عمير‏,‏ وأنس بن النضر‏,‏ وغيرهم ـ رضي الله
عنهم جميعا‏.‏

ومنهم من هو مستمر علي الوفاء‏,‏ وينتظر الشهادة في
سبيل الله ـ سبحانه وتعالي ـ في الوقت الذي يشاؤه ـ سبحانه وتعالي ـ
ويختاره‏,‏ كبقية الصحابة الذين نزلت هذه الآية وهم مازالوا علي قيد
الحياة‏,‏ وماغيروا ولابدلوا شيئا مما عاهدوا الله ـ سبحانه وتعالي ـ
عليه‏.‏