عن الحكايات وتأصيلها‏2/1‏ بقلم : إبراهيم أصلان

من طرف حلفاوى الثلاثاء فبراير 10, 2009 11:17 am

عن الحكايات وتأصيلها‏2/1‏
بقلم : إبراهيم أصلان

هذه
الطبيعة الفطرية التي تحدثنا عنها في مقالتنا السابقة‏,‏ كيف تقوم مؤلفة
هذا المعجم الضخم‏(‏ نساء يركضن مع الذئاب‏)‏ التي انفقت عشرين عاما في
إنجازه بالبحث عن هذه الطبيعة واستنقاذها‏.‏

إنها تستعين بالحكايات
الشفاهية‏:‏ حكايات الجان والفلكلور والأساطير القديمة في عناصرها الأولي
قبل أن تضيف الثقافات والأيام عليها طلاء يبدل من مواضع العظام في
بنائها‏,‏ وهي من أجل ذلك تجوب البلدان تقارن بين النسخ المتعددة لنفس
الحكاية تجمع أكبر عدد من هياكلها القديمة والجديدة لتبحث عن الأصل الذي
تعلمت منه البشرية كل مايتعلق بالحب والزواج والميلاد والموت

فإذا
كانت هذه الحكايات القديمة لم يتبق منها إلا شظايا فإن في كل شظية من حطام
حكاية اي قصة‏‏ يكمن شكلها الكامل‏.‏ وهو نوع من البحث لا أظن أننا نعرف
عنه شيئا‏.‏

لقد ظلت تدرس الأنماط الأولية لهذه القصص علي مدي
عشرين عاما كما قلنا‏,‏ واستغرقت وقتا أطول في دراسة الأساطير حتي حصلت
علي قدر هائل من الهيكل العظمي لهذه القصص وباتت قادرة علي معرفة المواضع
التي تئن فيها هذه الشظايا بحثا عن عظامها الضائعة‏.‏

وتجميع
القصص‏,‏ هو نوع من التنقيب في الحفريات‏,‏ وكلما توفر لنا قدر أكبر من
عظام القصة كانت هناك فرصة أكبر للتوصل الي القصة الكاملة وبقدر ما يتوافر
قدر أكبر من القصص الكاملة تنكشف لنا ثنايا النفس الغامضة وحناياها‏,‏
وتتهيأ لنا فرصة أفضل لفهم أعماق الروح وحينئذ تفصح المرأة الوحشية عن
نفسها بشكل أكبر‏,‏ تقول المؤلفة إنها بحثت عن هذه الحكايات علي موائد
الطعام وتحت أشجار العنب وفي مزارع الدواجن وحظائر الماشية‏

وبينما
هي تقتفي آثار الحياة البرية أو تلضم بإبرة التريكو الغرزة المليون ـ تقول
إنها كانت محظوظة بالنوم تحت نجوم الليل في بيوت بلا سقوف وبالجلوس أمام
النيران علي العشاء مع من ايطاليا الصغري والمدينة البولندية وغيرها من
الجاليات العرقية المتجمعة في الغرب الأقصي وأنها استمعت الي حكايات عن
الارواح الشريرة من القادمين من جزر الباهاما‏,‏ واستخلصت هذه الحكايات من
قلوب وعقول الرواة وحراس الحكايات من قلوب وعقول الرواة وحراس الحكايات
القديمة وتعقبت خيوطها عند العجائز المجربات فالقصة لديهن هي الدواء الذي
يقوي الفرد والعشيرة‏.‏

تقول إنها حلمت يوما أنها كانت تروي
الحكايات عندما شعرت بمن يربت علي قدميها مشجعا وعندما نظرت إلي أسفل رأت
نفسها واقفة علي كتفي امرأة كانت تثبت كتفيها وهي تبتسم‏,‏ أرادت النزول
والوقوف مكانها وحملها لأنها عجوز بينما هي مازالت شابة ولكن العجوز رفضت
باعتبار أن ذلك مايجب أن يكون ونظرت هي ورأت أن العجوز كانت تقف بدورها
علي أكتاف امرأة طاعنة في السن والتي تقف بدورها علي أكتاف امرأة مكفنة‏..‏

هكذا‏,‏ المصدر الذي يغذينا بالحكايات يأتي من هؤلاء الذين ذهبوا من قبلنا‏.‏

والكاتبة
تنتهي إلي القول إن رواية الحكايات أو سماعها يستمد قوته من العمود الشاهق
للحلقات الانسانية المتصلة مع بعضها البعض‏..‏ المتصلة عبر الزمان والمكان
والمتدثرة بأسمال بالية والمكفنة بالأردية‏,‏ والمجردة من زمانها وهي
زاخرة تتدفق منها الحياة التي مازالت تنبض‏..‏ وإذا كان من مصدر وحيد
للقصة أو روحها‏,‏ فهو هذه السلسلة الطويلة من الحياة البشرية‏.‏

تبعث
القصة الحركة في أعماق الروح‏,‏ وتفتح لنا أبوابا رائعة ورحبة في الحوائط
المصمتة تؤدي‏,‏ إلي أرض الأحلام‏,‏ وتعود بنا إلي حياتنا الحقيقية‏.‏