السلاملك وكتابة التاريخ بقلم : مرسي سعد الدين

من طرف حلفاوى الثلاثاء فبراير 10, 2009 11:18 am

السلاملك وكتابة التاريخ
بقلم : مرسي سعد الدين

التاريخ
لا يكتبه المؤرخون فقط‏,‏ واذا أخذنا مصر كنموذج لوجدنا أن تاريخنا كتبه
الكثير من الرحالة والكتاب والفنانين‏,‏ فكتاب‏,‏ لان عادات وتقاليد
المصريين المحدثين تعطينا صورة دقيقة لمصر في عهد محمد علي وكتب علماء
الآثار نعرف منها تاريخ مصر الفرعوني والجريكورمان والقبطي والإسلامي
والحديث‏,‏ والتاريخ ليس مجرد سرد لحياة الملوك والحكام‏,‏ أو سلسلة
تواريخ ومعارك‏,‏ وانما هو تعريف بحياة الشعوب‏,‏ وهو أيضا ذكريات ومذكرات
من عاشوا في فترات مختلفة‏.‏

دارت هذه الأفكار في مخيلتي وأنا أقرأ
كتابين في نفس الوقت‏,‏ كتابا باللغة العربية السلاملك بقلم الأديبة رشيدة
تيمور‏,‏ وكتابا باللغة الانجليزية نابليون في مصر بقلم بول ستراذرن‏,‏
وهو أستاذ فلسفة في احدي جامعات بريطانيا‏,‏ وبرغم أن المؤلفين ليسا
مؤرخين إلا أن كلا منهما قدم لنا تاريخا مفصلا عن مغامرة نابليون في
مصر‏,‏ كانت سنه لم تتجاوز الثامنة والعشرين‏,‏ وحين كان يسعي ليعيد ما
حققه الاسكندر الأكبر من غزوات‏.‏

وبرغم أن الكتابين يعالجان نفس
الموضوع‏,‏ إلا أن هناك فرقا بينهما‏,‏ فكتاب رشيدة تيمور علي لسان محمد
تيمور أحد جدودها العظام الذي كان يعمل مترجما رسميا لولاية الموصل في
أثناء الامبراطورية العثمانية‏,‏ ومن ثم فيعد عرضا لاحدي الأسر العريقة من
خارج مصر والتي وجدت في مصر ملاذا فاتحا ذراعيه والتي قدم بعض أعضائها
أدبا في صورة شعر وقصص تفخر به مصر‏.‏

ويعد كتاب رشيدة تيمور‏,‏
كما يذكر في العنوان‏,‏ قصة تاريخية افتقدها الأدب العربي الحديث‏,‏ وهي
فعلا قصة قبل أن تكون تاريخا‏,‏ وفيها يصبح التاريخ شماعة يعلق عليها
تاريخ الأسرة التيمورية‏,‏ وتبدأ القصة في قرة ـ جولان الكردية
يوم‏1798/12/15‏ بعد أن وصلت الحملة الفرنسية الي مصر بقيادة نابليون
بونابرت‏,‏ وفي السلاملك الذي يقابل فيه محمد تيمور أحد أعمامه علي تيمور
تبدأ القصة علي لسان علي وهو تاجر تقوده تجارته الي الترحال وتعد مصر محطة
مهمة لأعماله‏

ويذكر علي لمحمد أنه كان موجودا في الاسكندرية في
أثناء نزول الفرنسيين اليها‏,‏ وكيف أنه في عصر أحد أيام شهر يونيو
وتحديدا يوم الجمعة الثاني والعشرين منه‏,‏ ذهب الي صديقه محمد كريم حاكم
الاسكندرية‏,‏ ومن هنا تأخذنا رشيدة الي رحلة مع هذا المناضل العظيم الذي
قاوم المستعمرين من فرنسيين وانجليز وفي النهاية حكم عليه بالاعدام‏.‏

وتأخذنا
الكاتبة في رحلة مع نابليون في غزواته الي سوريا وحصار عكا والمعارك
المختلفة بين الفرنسيين والانجليز ومقاومة الشعب المصري‏,‏ وفي كل تحركات
نابليون تعطينا المؤلفة معلومات قيمة عن الأماكن التي يمر بها والعادات
والتقاليد‏,‏ فنعرف أن الاحتفال بوفاء النيل يقام منذ عهد الفراعنة ونعرف
عن بعض عادات الأكراد واحتفالهم بانتهاء موسم الرعي ومراسم الاحتفال‏,‏
وكيف تسرع الفتيات اللاتي بلغن سن الزواج لاختيار أزواجهن‏

وعلاقة
أهله بالمسيحيين وصداقته للأب جورج وهو راهب مسطوري وكان يلجأ إليه علي
تيمور ليناقش مشكلاته ونعرف أيضا مشكلات الأكراد والذين بدأت مشكلاتهم منذ
تولي الحكم السلطان سليم الأول‏,‏ الذي استولي بالقوة علي العراق وخراسان
وديار بكر وكردستان‏,‏ ثم كيف وقع الأمراء الأكراد مع السلطان ميثاق عدم
تدخل مما منحهم حق أداء صلاة الجمعة في المساجد باسم أمرائهم وسك نقودهم
الخاصة‏,‏ ولكن بسبب حروب أهلية ضعفت القبائل الكردية‏.‏

ويحدثنا
القاص بعد ذلك عن طائفة اليزيديين الذين يقدسون الطاووس مالك ويعيشون في
معقلهم في جبل ببخار‏,‏ كما أن بعض اتباعها يقطنون الموصل وبغداد وحلب
وروسيا وكتبهم المقدسة هي الجلفة وكتاب راخ وزعيمهم الروحي هو الشيخ عادي
ابن مظفر ويؤمنون بتناسخ الأرواح وبأنهم يوم القيامة لن يحاسبوا علي
أفعالهم وسيذهبون مباشرة الي الجنة‏.‏

وهكذا في خضم تاريخ الحملة
الفرنسية الذي تقدمه الكاتبة بكل تفاصيله ومعاركه وثورة الشعب المصري ضد
الفرنسيين والانجليز تجد معلومات عديدة مما يجعل الكتاب نوعا من المعاجم
التي تحتوي علي حقائق عديدة‏.‏

وبينما يبدأ كتاب رشيدة بوصول
الحملة الفرنسية الي مصر‏,‏ فإن كتاب ستراذرن يأخذنا الي ما قبلها‏,‏
ويبدأ بمقدمة عن تاريخ مصر وحكامها وكيف أصبحت عام‏1517‏ تحت حكم
العثمانيين‏,‏ وكيف أن الباب العالي في القسطنطينية عين باشا حاكما في
القاهرة ثم حكم المماليك‏,‏ وبعد هذه المقدمة يكتب المؤلف عن اهتمام فرنسا
بمصر وزيارة كونستانين فولني لمصر عام‏1783‏ حيث عاش لثلاث سنوات وكان
يرتدي الملابس المصرية وأتقن اللغة العربية ونشر عند عودته كتابه الشهير
رحلة الي مصر وسوريا الذي جعل نابليون يفكر في غزو مصر‏.‏

ويستمر
الكاتب ليقول إنه في‏13‏ سبتمبر‏1797‏ ارسل نابليون وكان في ذلك الوقت
قائد الجيش الفرنسي في ايطاليا‏,‏ ارسل الي تاليران وزير الخارجية
الفرنسية خطابا جاء فيه‏:‏ يجب أن نحتل مصر فهي لم تكن تابعة لأية دولة
أوروبية‏,‏ ولكي نستولي عليها نحتاج الي‏25‏ ألف جندي وعشر سفن‏,‏ وانه
ليسعدني سعادة الوزير اذا رتبت مقابلة لي في باريس لأعرف رد فعل الباب
العالي لمثل هذه الحملة‏,‏ ومن المعروف أن العلاقات بين فرنسا وتركيا كانت
ودية‏.‏

يقول المؤلف إنه كان من الواضح أن نابليون كان لديه عقدة
الشرق منذ أن كان طالبا في سن صغيرة في المدرسة الحربية‏,‏ وكان يحلم بأن
يكون مثل الاسكندر الأكبر الذي بدأ فتوحاته في سن العشرين‏,‏ وبعد عودة
نابليون من ايطاليا قدم الي الحكومة الفرنسية خطته لغزو مصر‏,‏ والتي
احتاجت الي‏30‏ ألف جندي وثلاثة آلاف حصان يمكن الحصول علي بعضها بعد
وصوله الي مصر‏,‏ وذكر أنه يحتاج أيضا الي‏1500‏ مدفعي والعديد من المدافع
وذكر أن الاسطول الفرنسي يمكن أن يرسي في أربعة موانئ‏.‏

ويعطي
الكاتب كما فعلت رشيدة تيمور تفاصيل المعارك التي خاضها الجنود الفرنسيون
وما واجهوه من مشكلات وعن ثورة علماء الأزهر ودخول الجنود الفرنسيين
بخيولهم الي ساحته‏,‏ ويذكر الخلافات بين القادة الفرنسيين وفي وصفه
للمعارك والأحداث وصف الجبرتي لها‏,‏ كما يذكر رغبة نابليون في إعادة شق
القناة التي كان البطالسة قد حفروها وطلب من أحد العلماء الذين صحبوه
واسمه لبير أن يقوم بمسح للمنطقة‏,‏ وكان تحمسه لهذا رغبته في الوصول الي
الهند والاستيلاء عليها من الانجليز‏

وفي فصل يتحدث الكاتب عن كيف
تخلي نابليون عن جيشه وعاد الي فرنسا‏,‏ ويذكر ما قاله نابليون وهو في
منفاه في جزيرة سانت هيلانة كان من الأوفق لو بقيت في مصر ولو كنت فعلت
لأصبحت الآن امبراطور الشرق‏..‏ ولو أن عكا كانت استسلمت للجيش الفرنسي
لحدثت ثورة عظيمة في الشرق وكنت سأقيم امبراطورية هناك ولكان مصير فرنسا
يأخذ اتجاها آخر‏.‏

شادية‏:‏ صوت مصر
كلما
استمعت الي أغاني شادية التي لحنها لها أخي بليغ حمدي ـ وأنا أفعل ذلك طول
الوقت ـ أشعر بنبض مصر ودفئها وحبها وأجد أن بليغ كان علي حق حين اختارها
لتكون صوت مصر‏,‏ لحن لها بليغ أغاني تعبر عن المعاناة‏,‏ والله يازمن
وولا لينا أهالي يسألوا علينا واشهدوا ياناس علي ظلم الناس‏,‏ ولحن لها
للشباب الذين يذهبون للدفاع عن مصر في قولوا لعين الشمس وخدني معاك ومسافر
مسافر‏,‏ ولحن لفؤادة في رائعة ثروت أباظة شئ من الخوف وعلي قمة هذه
الأغاني ياحبيبتي يامصر التي لا أشبع من سماعها‏

مصر النيل في
أحضان الشجر‏,‏ مصر المواويل في ليالي القمر‏,‏ مصر الولاد السمر
الشداد‏,‏ لقد أحب بليغ مصر بل مثلما عشقها وكانت شادية هي التي اختارها
لتغني لمصر وعن مصر‏.‏