كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف فواكة الأربعاء فبراير 11, 2009 10:47 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

3

علينا
أن نجدد الثقة بأنفسنا وأن نزداد يقينا بأن التاريخ هو خير شاهد وهو الذي
يقول عكس مايراد الترويج له من سخافات لتشويه تاريخ الإسلام والعرب من
جانب بعض دوائر الدس والتحريض في بعض الصحف الأوروبية والأمريكية‏.‏

وربما
يكون صحيحا أن المؤرخين وعلماء الاجتماع احتاروا في تعليل سرعة الفتوحات
والانتصارات التي حققها العرب والمسلمون الأوائل والتي عكست واقع التفوق
العسكري الهائل للعرب والمسلمين في هذه العصور‏..‏ فمنهم من قال‏:‏ إن
أخطر العوامل التي ساعدت العرب في نصرهم الخارق هو أخلاق العرب وتعاليم
رسالة محمد وشريعة الإسلام والحالة العامة التي كان عليها المشرق العربي
آنذاك‏..‏ وهناك آخرون قالوا‏:‏ إن السبب في تلك الانتصارات الكاسحة التي
حققها العرب رغم قلة عدد جيوشهم بالقياس إلي أعدائهم‏,‏ هو أن قوة الايمان
ونهضة الحماسة الروحية كانتا متصلتين بغريزة الانتماء المتأصلة في الفرد
العربي‏,‏ ولكن كافة المؤرخين المحايدين نفوا عن العرب والمسلمين أنهم
كانوا مجرد غزاة مستعمرين‏,‏ وأكدوا في شهاداتهم أنهم كانوا دعاة سلام وحق
وخير ونشر للحضارة الإنسانية‏.‏

والحقيقة أن العرب والمسلمين
تعلموا من خلال هذه الفتوحات أشياء كثيرة‏,‏ فقد أثبتوا لأنفسهم قبل أن
يثبتوا ذلك لغيرهم أن المنبع الأساسي لقوتهم هو استمرار استمساكهم
بطبيعتهم البدوية التي أكسبتهم صبرا بغير حدود واقتناعا لا يضعف أمام
الشهوات وحسن تصرف أمام الشدائد وإيمانا بأن النصر قادم مابقوا علي وحدتهم
والتزموا بطاعة الله وتعاليم الإسلام‏.‏

ولعل ذلك هو الذي دفع
زعيما وفيلسوفا حكيما مثل الزعيم الهندي جواهر لال نهرو إلي أن يقول في
وصفه للعرب وتلك الحقبة التاريخية الناصعة‏:‏ إن من المدهش حقا أن نلاحظ
هذا الشعب العربي‏,‏ الذي ظل منسيا لأجيال عديدة بعيدا عما يجري حوله‏,‏
قد استيقظ فجأة ووثب بنشاط فائق أدهش العالم وقلبه رأسا علي عقب‏..‏ إن
قصة انتشار العرب في آسيا وإفريقيا وأوروبا والحضارة الراقية والمدنية
الزاهرة التي قدموها للعالم هي أعجوبة من أعجوبات التاريخ‏.‏

والذي
يراجع صفحات كتاب العالم العربي والإسلامي لمؤلفه الدكتور ماكس مايرهوف‏,‏
أستاذ التاريخ والحضارات بجامعة ميونيخ‏,‏ لابد أن يشعر ـ كعربي ـ بالزهو
والفخار عندما يطالع مثل هذه السطور المضيئة يكاد يكون مستحيلا أن يفهم
الناس في الغرب كيف تم للعرب مثل هذه الإنجازات العسكرية الفذة‏..‏ إنه
النبأ الأعجب الذي جري تدوينه في تاريخ الإنسانية‏.‏

وبهذا المعني
وفي الإطار نفسه تجئ شهادة الفيلسوف الألماني أسوالد شبنجار التي يقول
فيها بالحرف الواحد‏:‏ إن النفس الأولية للأمة العربية ذات قومية متفتحة
لا تسعها إلا الإنسانية ولا تنظمها إلا الأخلاق الحميدة التي تغلب الحق
علي المصلحة والوجدان علي العقل والعدل علي الظلم والروية علي الاندفاع
والعفة علي السفه‏..‏ إنها أخلاق تنبذ الميكافيللية وهي كقوة إنسانية تسمو
وتتسامي فوق كل مذهب‏..‏ أما التاريخ العربي فهو بالنسبة للرجل العربي
يعني التحقق المتتالي لخطة كونية أرادها الله‏,‏ ففكرة الأمة في الوطن لدي
الأمة العربية هي فكرة تعتبر أن الوطن هو كل مكان تنتشر وتنشر فيه
عقيدتها‏.‏

التاريخ لا يموت وأحداثه لايمكن أن تضيع هباء مهما اشتدت حمي حملات الدس والتحريض‏!‏

attalla@ahram.org.eg