صفقة شاليط والإعمار أموال قطر.. ومؤامراتها بقلم : محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم : محمد علي إبراهيم
من باريس
صفقة شاليط والإعمار
أموال قطر.. ومؤامراتها

تتصور قطر أن أموالها يمكن أن تصنع كل
شيء.. استثماراتها في سوريا جعلتها تضغط علي دمشق لتحقيق تسوية في لبنان
أيام مؤتمر الوفاق الذي عقد في الدوحة وخرج بعده الفرقاء اللبنانيون
ليعتمدوا اختيار الرئيس اللبناني.

أموالها التي تدفعها علي صورة مساعدات للسودان وجزر القمر وجيبوتي هي
التي أقنعتهم بالمشاركة في قمة الدوحة الطارئة.. حالياً تفكر في دفع أموال
علي سبيل الفدية أو ربما "الرشوة" لحركة حماس كي تطلق سراح الجندي
الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط وتكسب بذلك عدة كروت منها استرضاء إسرائيل
وإنجاز ما عجزت الحكومة الإسرائيلية عن تحقيقه. وإعطاء أحزاب بعينها في
الدولة العبرية كارتاً قوياً في الانتخابات القادمة.. وكارتاً آخر في
فرنسا حيث إن شاليط فرنسي الجنسية وإطلاق سراحه يساهم في تلميع صورة
الرئيس ساركوزي ويضيف إلي "الشو" الإعلامي الذي يحرص عليه والذي تحقق له
عند إطلاق سراح الممرضات البلغاريات اللاتي كن محتجزات في ليبيا. وكانت
قطر أيضاً هي التي دفعت فدية الممرضات!! وثالث الكروت التي تلعبها قطر
أنها يمكن أن تتحول إلي ممول لحركات المقاومة في العالم العربي "حزب الله"
و"حماس" خصوصاً وأنهما قد يواجهان صعوبات مالية قريباً نتيجة للظروف
الاقتصادية الداخلية السيئة في طهران وفشل حكومة نجاد في تخفيف معاناة
المواطنين الاقتصادية.

كروت الأموال كثيرة.. فقطر التي أنفقت 3 مليارات دولار لأمريكا كي
تقيم قاعدة عسكرية أمريكية علي أراضيها هي العيديد وأخري في السيلية.
يهمها أن تكون في قلب الصورة السياسية في الشرق الأوسط.. اختارت قطر محور
الممانعة تشد أزره بالنقود وتسلحه بالأموال ليزداد تعنتاً وتطرفاً طالما
يخدم الأهداف السياسية لقطر ويعتمدها مرجعية للثوار الباحثين عن حقوق
شرعية أو غير شرعية.

قطر علي استعداد مثلاً أن تدفع لسوريا مقابلاً مادياً كبيراً جداً
لإنهاء صفقة الجولان مع إسرائيل. وذلك إذا طلبت إسرائيل شراء حق الانتفاع
بمياه طبرية لأن الدولة العبرية تعاني من ندرة المياه والجفاف يمثل لها
مشكلة غاية في الصعوبة.

الدوحة تستطيع طبقاً لمفهومها أن تحل أي مشكلة بالأموال. لكن هناك
أشياء لا يمكن شراؤها بالنقود.. قد تكون السياسة "سوبر ماركت" يمكنك شراء
بعض السلع الموجودة عليها. لكن ليس كل ما يمكنك شراؤه تستطيع استخدامه..
هناك أشياء قد تشتريها وتنفجر في وجهك وأشياء أخري ربما لايمكنك التعامل
معها. والمثال الذي سأطرحه هنا بسيط وهو محاولة قطر عقد مؤتمر دولي لإعمار
غزة يكون بديلاً ومنافساً لمؤتمر إعمار غزة الذي يعقد في القاهرة في 2
مارس القادم.

تتقافز قطر لتحصل علي شيء تستطيع به مزاحمة مصر وجعلها في الخلفية..
رأت مصر تطرح مبادرة لوقف إطلاق نار وتهدئة ومصالحة. فدعت إلي قمة الدوحة
الطارئة.. شاهدت السعودية والكويت تتبرعان بمليارات لإعادة إعمار غزة وطرح
الرئيس مبارك مبادرته بإنشاء مؤتمر دولي لإعمار غزة لإزالة الوضع المأساوي
الذي يعيشه الفلسطينيون.

هنا ظهر حمد بن جبر بن جاسم رئيس الوزراء القطري وقرر مزاحمة مصر في
المؤتمر وذهب إلي فرنسا وبريطانيا وتركيا لحشد التأييد لمؤتمر الدوحة
للإعمار.. حاول في فرنسا أن يعلن من قصر الإليزيه موافقة باريس علي مؤتمر
الدوحة. لكن الرئيس ساركوزي نصحه ألا يفعل ذلك في فرنسا.

حاول في بريطانيا ونجح جزئياً. إلا أنه لم يحظ بالمساندة الكاملة
والمأمولة. وقد حصل عليها في تركيا بعد لقائه مع أردوغان وأعلن حمد بن
جاسم دعوته لمؤتمر دولي لإعمار غزة من تركيا.. ويبقي السؤال الهام هل قطر
وصلت بأموالها إلي إزاحة مصر عن دورها وثقلها ومكانتها ؟! "لا أعتقد".

الأموال تستطيع شراء كل شيء. لكنها لا تشتري المكانة أو التاريخ أو
الحضارة.. لو كانت الأموال تشتري شيئاً. لاستطاعت أمريكا مثلاً رهن القرار
السياسي المصري لصالحها بعد 28 عاماً من المعونات!

مصر لا تنظر بحساسية شديدة إلي المؤتمر القطري لإعمار غزة. فهناك
المؤتمر الدولي الذي دعت إليه مصر ويعقد في 2 مارس القادم وحظي بدعم
وموافقة الدول المانحة والاتحاد الأوروبي. لكن علي افتراض أن الدوحة قررت
عقد مؤتمرها. فما الذي سيضير مصر؟! في النهاية سيكون المواطن الفلسطيني هو
المستفيد.. مصر تهتم بالمواطن الذي ذاق الأمرين.. مصر يهمها أن تذهب
الأموال للشعب وليس إلي حماس أو فتح.. مؤتمرات الإعمار تخدم أهدافاً نبيلة
ولا تعرف انتماءات أو فصائل.. مصر تسعي لطمأنة الفلسطينيين.. الإعمار لا
يكون لصالح فتح أو حماس.. من أجل ذلك يثق بها العالم ويسترشد برؤيتها
وببوصلتها.. قطر تريد مؤتمراً تدعم به حماس وتنتصر لما تقوله إيران بأنه
إذا كانت المقاومة دمرت غزة. فإنها أصلحتها وعمرتها بجهود دولية حركتها
قطر وكانت ركيزتها باعتبارها الداعم والممول لمحور الممانعة.

لو خلصت النوايا وحصل المواطن الفلسطيني علي نصيبه من أموال الإعمار.
فإن هذا أقصي المني والطموحات. أما إذا كانت قطر قررت أن تجمع أموالاً
تعطيها لحماس لتعيد تسليح نفسها وندخل في دوامة الحرب والتهدئة والمفاوضات
مرة أخري. فهذا يضر بالقضية ونترفع عن انتقاده أو التلميح إليه. لأنها في
هذه الحالة تصبح جزءاً من مخطط خبيث تنفذه قوي إقليمية تستهدف رهن القضية
الفلسطينية بأجندة مصالحها ومشاكلها وأزماتها مع المجتمع الدولي.