من الواقع محمد فوده

من الواقع
محمد فوده

بعض زملائنا الكتاب حاولوا أن يقللوا من
موقف رئيس وزراء تركيا أردوغان عندما انسحب من مؤتمر دافوس بعد مشادة
كلامية عنيفة مع شيمون بيريز رئيس إسرائيل واحتجاجه علي ادارة المؤتمر
لأنها اعطت بيريز وقتا مضاعفا عن كل الحاضرين قائلا: كأن المؤتمر عقد
للدفاع عن مجزرة تل أبيب في غزة.

البعض قال ان هذا الانسحاب اداري وليس سياسيا.. وصاحب هذه الفكرة أو
المقولة السيد عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية.. أي أن أردوغان انسحب
لعدم اعطاء إدارة المؤتمر الوقت الكافي له للكلام والتعبير عن وجهة نظر
بلاده وهنا يجب أن نتساءل: ما هي القضية التي كان يتحدث فيها أردوغان ولم
تتح له الفرصة للتعبير؟! هل كان يتحدث مثلا في صادرات وواردات تركيا من
دول العالم؟! أو كان يشكو من عدم قبول بلاده عضوا في الاتحاد الأوروبي؟!

الحقيقة أنه كان يتحدث ويشرح للمؤتمر بشاعة المجزرة الإسرائيلية في
غزة.. إذن الكلام علي أنه انسحاب إداري لا محل له وفيه تقليل من جهد تركيا
المؤيد للحق الفلسطيني وبدلا من ان نشجعها فإننا نعمل علي احباطها ليتراجع
حماسها في الوقت الذي يجب أن نكسب فيه كل يوم مناصرا جديدا للقضية تركيا
بلد لا يستهان به اقليميا ودوليا.

البعض الآخر قال ان اردوغان بهذا الانسحاب أراد أن يكسب حزبه "حزب
التنمية والعدالة" جماهيرية أكبر وأوسع ليكون سندا له في الانتخابات
القادمة خصوصا وأنه يعرف ان الشعب التركي الشقيق روحه وقلبه وعقله مع
الإسلام رغم النظام العلماني الذي أسسه مصطفي كمال أتاتورك في هذا البلد
والشعب الفلسطيني يضم أغلبية مسلمة ولذلك فإن الأتراك يتعاطفون معه
والدليل الاستقبال الجماهيري الحافل الذي قوبل به أردوغان في المطار عند
عودته إلي بلده.

ورأيي ان هذا اختزال لموقف تركيا الايجابي من القضية الفلسطينية وحتي
لو كان ذلك صحيحا فلماذا لا نأخذ هذه الناحية الايجابية ونركز عليها؟!
ولماذا نفكر في الجانب السلبي فقط؟!

لقد نسي هؤلاء وهؤلاء ان الفضل في هذا التحول الكبير من جانب تركيا
لمناصرة القضية الفلسطينية يرجع إلي الرئيس حسني مبارك واتصالاته المستمرة
مع الزعماء الأتراك والعمل علي كسب هذا البلد المؤثر في المنطقة إلي جانب
الشعب الفلسطيني.

لقد حدثت في الفترة الأخيرة زيارات متبادلة بين كبار القادة في
البلدين وكانت المبادرة للرئيس مبارك وقد تكلل هذا السعي بنجاح باهر.. ولا
أدل علي ذلك من ان الرئيس عندما قرر القيام بجولته الخارجية الحالية قصرها
علي ثلاث دول لها تأثيرها القوي وهي فرنسا وايطاليا وتركيا.

فعلام يدل ذلك؟! انه يدل علي ان فكر الرئيس مبارك أعمق وأوسع وان
نظرته للأمور ليست نظرة سطحية وإنما هي نظرة عميقة وثاقبة في كسب الرأي
العام الدولي إلي جانب مصر في دفاعها عن قضية العرب الأولي وهي القضية
الفلسطينية.

ولننظر معا إلي فكر الرئيس الذي عبر عنه السفير سليمان عواد المتحدث
الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عندما قال ان التحرك المصري ويقصد جولة
الرئيس الحالية هدفه الاساسي القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال واقامة
دولة مستقلة.

لقد مسَّ الرئيس الوتر الحساس لدي كل مصري عندما أعلن صراحة - بلسان
المتحدث الرسمي - ان مصر أبلغت الجانب الفرنسي بأن أولويات المرحلة
الحالية لا تدعو إلي التركيز علي الاتحاد من أجل المتوسط وانه من الصعب
جدا جمع الدول العربية جنوب المتوسط حاليا مع إسرائيل والجانب الأوروبي.

هكذا وضع الرئيس مشروع الاتحاد من أجل المتوسط في حجمه الحقيقي طبقا
للرؤية المصرية وأنه لا يمكن لهذا الاتحاد ان ينجح مادامت إسرائيل تحتل
الأراضي العربية.