النازي الهارب وجرائم إسرائيل بقلم‏:‏ شريف الشوباشي

من طرف صفاء الأربعاء فبراير 11, 2009 4:23 pm

النازي الهارب وجرائم إسرائيل
بقلم‏:‏ شريف الشوباشي

كنت
علي ثقة تامة بأن إسرائيل سوف تطلق قنبلة دعائية إعلامية لمحاولة التعتيم
علي الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة أخيرا‏.‏
فالاستراتيجية الدعائية الصهيونية تقوم علي إثارة قصة أو تلفيق قضية تؤدي
إلي إحياء ذكري الهولوكوست واضطهاد اليهود واستحضارها في ذاكرة الشعوب
الغربية‏,‏ وذلك في كل مرة تقترف فيها جرائم عسكرية تحرك ضدها مشاعر الرأي
العام العالمي أو تتخذ قرارات غير مقبولة من المجتمع الدولي‏.‏ فذكري
اضطهاد اليهود علي يد ألمانيا النازية هي البلسم السحري والعذر الجاهز
دائما الذي يجعل المجتمعات الغربية تبتلع كل جرائم إسرائيل إزاء الشعب
الفلسطيني‏.‏

لذلك لم أستغرب كثيرا عندما قامت صحيفة نيويورك تايمز
والتليفزيون الألماني بتحقيق مشترك حول النازي السابق أريبرت هايم وإثارة
شوشرة إعلامية ضخمة في الغرب حول موضوع وفاته أو عدم وفاته في مصر
عام‏.1992‏ وفي اليومين التاليين لتفجير هذه القضية المصطنعة قامت الصحف
الغربية بنشر أكثر من‏1200‏ مقال حول هايم مع أوصاف وحكايات مروعة لما
صنعه مع اليهود في معسكر اعتقال ماتهاوزن الذي كان رئيس أطبائه خلال الحرب
العالمية الثانية‏.‏ وتفننت الصحافة والإعلام الغربي في تصوير هذا الرجل
في صورة سادي مجنون يبقر بطون ضحاياه من اليهود ويجري عمليات جراحية خطيرة
دون تخدير‏,‏ ويقطع أعضاء يهودي أغضبه بنيانه الجسماني القوي‏,‏ كما
يستخدم رأس أحد اليهود الذين قتلهم في تثبيت الأوراق علي مكتبه وقصص أخري
تجعل اليهود‏'‏ يصعبون علي الكافر‏'.‏

ومن يقرأ هذه القصص المفزعة
لا بد أن يشعر بالتعاطف مع الضحايا اليهود ويجد لإسرائيل الأعذار فيما
تفعله للدفاع عن نفسها ضد الفلسطينيين‏.‏ ولا بأس في نفس الوقت من توجيه
أصابع الاتهام إلي مصر التي آوت مثل هذا الجزار الذي أطلقوا عليه اسم‏'‏
طبيب الموت‏'.‏ وتلك أيضا جزء من استراتيجية الابتزاز التي كثيرا ما
تنتهجها إسرائيل‏.‏ وهناك في المقالات التي قرأتها في الصحافة الغربية
تجريح وتأنيب ضمني أو علني لمصر منذ عهد الملك فاروق علي أساس أنها كانت
ملاذا للنازيين الذين هربوا من العدالة الغربية‏.‏ فقد ادعت بعض الصحف أن
فاروق استخدم الضباط النازيين الهاربين لتطوير الجيش المصري كما استخدم
عبد الناصر الألمان الفارين كعلماء وخبراء في مجالات الأمن والإعلام وكذلك
في الميدان العسكري‏.‏

وللأسف أن مساحة هذا المقال لا تسمح لي
بإعطاء خلفية تاريخية كافية عن موضوع هروب النازيين السابقين بعد انتهاء
الحرب العالمية الثانية‏.‏ وباختصار فقد كانت هناك جهات عديدة تساعد أقطاب
وكوادر الحكم النازي علي الهرب‏,‏ خاصة إلي دول أمريكا اللاتينية وعلي
رأسها السي آي إيه وهي المخابرات الأمريكية والفاتيكان وذلك باعتراف
الجميع‏.‏ وقد تولت جهات غربية عديدة عملية إخفاء وتهريب النازيين
المطلوبين فيما أطلق عليه اسم‏'‏ عملية أوديسا‏'.‏

وفي المقابل
كانت هناك جهات صهيونية وإسرائيلية تكرس كل جهودها لعملية مضادة وهي
العثور علي النازيين للانتقام من جرائمهم ضد اليهود‏.‏ وكان أشهر‏'‏ قفائي
الأثر‏'‏ يهودي نمساوي يدعي سيمون فيزنتال أنشأ تنظيما هدفه رصد وتعقب كل
من ساهم في قتل أو اضطهاد اليهود في الحرب العالمية الثانية وسماه مركز
سيمون فيزنتال وهو أمبراطورية تفتح لها جميع الأبواب في العالم الغربي‏.‏

وقد
وضع فيزنتال قائمة تضم‏27‏ نازيا هربوا إلي مصر وأقاموا بها‏.‏ فما الجديد
في قضية هايم التي أصبحت فجأة الشغل الشاغل للإعلام الغربي ؟ يقولون إن
هذا الرجل كان يعيش بفندق متواضع بشارع بورسعيد وأنه أسلم وكان يصلي بجامع
الحسين بانتظام‏.‏ وكلها إيحاءات تؤثر في الرأي العام الغربي المشبع
بموضوع المحرقة واضطهاد اليهود‏.‏

لكن لماذا لم تجتريء إسرائيل علي
اتهام أمريكا والفاتيكان بأنهما لعبا الدور الأول والأساسي في تهريب
النازيين السابقين؟ بل إن هايم نفسه وقع في أيدي الأمريكيين عام‏1946‏
وقاموا بالتحقيق معه ثم أطلقوا سراحه‏,‏ ولا شك في أنهم ساعدوه علي
الهرب‏.‏ ولا يخفي علي أحد أن أمريكا كانت تستغل خبرات النازيين السابقين
في جميع المجالات وكان أشهرهم العالم فرنير فون براون وهو الأب الشرعي
للبرنامج الفضائي الأمريكي‏.‏

لماذا يثيرون الشبهات الآن حول دور
مصر في إيواء النازيين منذ عهد الملك فاروق؟ ولماذا يحيكون رواية بوليسية
سخيفة حول هايم وما إذا كان قد مات في القاهرة بمرض السرطان أم أنه افتعل
الوفاة ليتمكن من الهرب إلي أمريكا اللاتينية ؟

وإذا كان لا بد من
فتح ملف النازيين الذين أفلتوا من العقاب علي جرائمهم فلنبدأ بالدول
والقوي الكبري التي عاونتهم إما تعاطفا معهم أو من أجل استغلال كفاءاتهم
وخبراتهم العالية‏.‏ وحيث إن الأحياء منهم لا تقل أعمارهم عن‏90‏ عاما
الآن وأنه مر علي جرائمهم أكثر من ستين عاما فمن باب أولي أن نحاكم من
يقترفون الجرائم اليوم ضد الأبرياء والمدنيين بدعوي محاربة الإرهاب بدلا
من نبش القبور من أجل الحصول علي ترخيص بالقضاء علي الشعب الفلسطيني‏.‏

cherifchoubachy@yahoo.fr
‏