كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف لميس الجمعة فبراير 13, 2009 3:39 pm

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من
بين المصطلحات الشائعة بالخطأ في الثقافة الشعبية اقتران اسم قراقوش عند
نعت أي مسئول بالظلم والاستبداد وأحيانا بالغباء وعدم المرونة في التعامل
مع الأشخاص ومع الأحداث علي حد سواء‏!‏

إن بهاء الدين قراقوش الذي
عاش في القرن السادس الهجري أمضي مايزيد علي ثلاثين عاما من عمره في خدمة
القائد العربي والإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي وابنيه ولكنه شأن غيره
من علماء التاريخ تعرض للظلم والتشويه عمدا وبالتالي أصبح ـ مثل كثيرين ـ
ضحية من ضحايا تزييف المؤرخين‏,‏ وإن كان ذلك لايعفيه من أنه لم يدرك
حقيقة مهمة هي أن الاخلاص والتفاني في العمل لايكفيان الرجل العام لتدوين
بيانات سجله وسيرته‏,‏ وإنما يرتهن ذلك في المقام الأول بمدي اتقانه
للأسلوب الأمثل للتعامل مع وسائل الإعلام‏..‏ وقد كانت هذه الوسائل في عصر
قراقوش ممثلة في الأدباء والشعراء الذين لا يكتبون ولا ينطقون إلا بقدر ما
يستفيدون‏!‏

لقد أسند صلاح الدين الأيوبي إلي قراقوش مهمة القيام
بإنشاء سور دفاعي حول مدينة عكا‏,‏ وعندما أنجز الرجل مهمته انبهر صلاح
الدين الأيوبي بما تم إنجازه وألقي خطبة لتحيته قال فيها‏:‏ ما أري لكفاية
الأمر المهم وكف الخطب الملم‏..‏ غير الشهم الماضي السهم‏..‏ والمضيء
الفهم‏..‏ الهمام المحرب‏..‏ النقاب المجرب‏..‏ المهذب اللوذعي‏..‏ المرجب
الألمعي‏..‏ الراجح الرأي‏..‏ الناجح السعي‏..‏ الكافيء الكافل بتذليل
الجوامح‏..‏ وتعديل الجوانح‏..‏ وهو الثبت الذي لايتزلزل‏..‏ والطود الذي
لا يتحلحل‏..‏ بهاء الدين قراقوش الذي يكفل جأشه بما لاتكفل به الجيوش‏.‏

ومع
أن المؤرخين لم يذكروا شيئا واضحا عن ظروف نشأة قراقوش‏,‏ إلا أن بعض
المصادر أشارت إلي أنه فتي رومي خصي أبيض‏,‏ ولد في بلاد آسيا الوسطي
وفيها عاش فترة طفولته‏,‏ ثم في ظروف غامضة اتصل بأسد الدين شيركوه عم
صلاح الدين الأيوبي‏..‏ وبعد وفاة شيركوه سنة‏564‏ هجرية التحق قراقوش
بخدمة صلاح الدين الأيوبي حيث برزت مواهبه منذ أول يوم تولي فيه صلاح
الدين الوزارة في مصر حيث أسند إلي قراقوش إدارة القصر الفاطمي الذي كان
مصدر ازعاج له بسبب الحاشية الكبيرة التي كان قد تعاظم نفوذها‏,‏ واستطاع
قراقوش أن يدير القصر بحكمة واقتدار وأن ينهي دور هذه الحاشية في شئون
الحكم‏.‏

إن قراقوش هو أيضا الرجل الذي أسند إليه صلاح الدين
الأيوبي امارة عكا لصد هجمات الصليبيين‏,‏ وهو الذي بني بالاضافة إلي سور
عكا الحصين‏,‏ عددا من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة
والقناطر الخيرية القديمة‏..‏ وحتي بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي‏,‏ كان
قراقوش خير عون لابنيه في ادارة شئون الحكم‏,‏ فقد ساعد الملك عبدالعزيز
عثمان بن صلاح الدين في قمع تمرد امراء الأسدية‏,‏ وبعد وفاته أصبح قراقوش
وصيا علي ابنه الملك المنصور محمد الذي كان عمره تسع سنوات‏,‏ وبقي قراقوش
علي أهميته حتي لقي وجه ربه في شهر رجب من سنة‏597‏ هجرية‏.‏

ومن
أسف أن كل هذا التاريخ المشرف لقراقوش ضاع وتلاشي‏,‏ والسبب يرجع إلي مؤرخ
غير منصف لم يكن يحب قراقوش وهو الأسعد بن محاتي الذي ألف كتابا اسمه
الفاشوش في أحكام قراقوش وزعم فيه أن هدفه من الكتاب هو حماية صلاح الدين
وتاريخه من أخطاء ومقالب قراقوش‏!‏

ما أبشع ظلم المؤرخين‏!‏

attalla@ahram.org.eg