مهرجان فبراير وسقوط الأقنعة بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

من طرف مشمش السبت فبراير 14, 2009 10:09 am

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي‏

مهرجان فبراير وسقوط الأقنعة

{‏
ما إن أنهي دراسته الثانوية‏,‏ حتي سافر الي سويسرا‏,‏ وهناك شاءت الظروف
أن يستمع لمحاضرة عن الحركة الصهيونية وأرض الميعاد‏..‏ واستقرت الفكرة
الصهيونية في وجدانه‏..‏ وصار الشاب الروسي فلاديمير جابوتونسكي من غلاة
المتطرفين‏..‏ ونصب نفسه وريثا روحيا لمؤسس الحركة الصهيونية السياسية
تيودور هيرتزل‏..‏ ولانه كان مثقفا وكاتبا وخطيبا مفوها‏,‏ فقد حظي باعجاب
الصهاينة‏..‏

غير أن جابوتونسكي الذي كان يجاهر بآرائه الصهيونية
المتطرفة‏,‏ دون مراوغة‏,‏ أصبح زعيما مثيرا للجدل في الحركة الصهيونية
التي كان يهيمن عليها ديفيد بن جوريون في فترة ما بين الحربين
العالميتين‏..‏ واللافت للانتباه أن جابو تونسكي كان يحظي بتقدير الطاغية
الفاشي الايطالي موسوليني‏..‏ وأفصح الطاغية عن إعجابه هذا عندما التقي
حاخام روما عام‏1935..‏ وقال له‏:‏حتي يمكن للصهيونية أن تحقق نجاحا‏,‏
ينبغي أن تتحول من فكرة الي دولة‏..‏ والرجل الذي يفهم ذلك هو اليهودي
الفاشي جابوتونسكي‏.‏

واستطاع بن جوريون أن يزج بخصمه في خندق
الهزيمة الايديولوجية‏..‏ باعتباره فاشيا‏..‏ وقوميا متطرفا من القرن
التاسع عشر‏..‏ بل إن بن جوريون صار يشبهه بالنازي الالماني أدولف هتلر‏,‏
فكان يحلو له أن يطلق عليه فلاديمير هتلر‏..‏ وتقوضت زعامة جابوتونسكي
بموته‏..‏ وأضحي بن جوريون أول رئيس لوزراء اسرائيل عام‏1948..‏ ولانه كان
يدرك أن الاشتراكية‏,‏ آنذاك‏,‏ هي التيار الصاعد‏,‏ فقد شكل حزب العمل
علي النمط الفكري للاشتراكية الديمقراطية في أوربا‏.‏

وتمكن حزب العمل من الهيمنة علي السياسة والحكم في إسرائيل حتي عام‏001977‏

ذلك
انه في انتخابات ذاك العام خرج تلاميذ جابوتونسكي وأنصاره من قوي اليمين
القومي والديني المتطرف من القبو المعتم للصهيونية‏..‏ ونصبوا مناحم بيجين
زعيم حزب الليكود رئيسا للوزراء‏.‏

وكان هذا التحول السياسي
الاسرائيلي‏,‏ بداية انحسار حزب العمل‏..‏ ثم سرعان ماعبست الدنيا في
وجهه‏..‏ بأفول نجم الاشتراكية الديمقراطية في أوربا‏,‏ عقب الثورة
الديمقراطية في أوروبا الشرقية عام‏1989,‏ وانهيار الاتحاد السوفيتي
عام‏1991,‏ وانفراد أمريكا القوة العظمي الوحيدة بقمة الدنيا‏..‏ وهي تلوح
براية الليبرالية والرأسمالية‏..‏

ولم يكن مثيرا للدهشة أن يحرص
مناحم بيجين الارهابي القديم علي زيارة قبر جابوتونسكي‏..‏ وصار القبر
مزارا لمن تولوا الحكم بعد بيجين مثل اسحق شامير وبنيامين نيتانياهو
والجنرال آريل شارون‏..‏ ولئن كان شارون قد انشق علي حزب الليكود وشكل حزب
كاديما مع ايهود أولمرت وتسيبي ليفني عام‏2005,‏ الا أنهم لم ينشقوا علي
جوهر أفكار جابوتونسكي‏...‏ لكنهم أحكموا علي وجوههم أقنعة المراوغة
الصهيونية‏.‏ لكن المفاجآة أن الأقنعة المراوغة سقطت في المحرقة
الاسرائيلية في غزة‏..‏ وتمزقت في انتخابات‏10‏ فبراير‏2009..‏ فقد كان
السباق فيها محموما نحو التطرف القومي والديني‏..‏ ولهذا سطع نجم المتطرف
القومي أفيجدور ليبرمان‏..‏ الذي لم يرتد يوما قناعا مراوغا منذ أسس حزب
اسرائيل بيتنا

ويكاد يكون الوريث الفاشي لجابوتونسكي‏..‏ فكلاهما
يؤمن باستخدام القوة ضد العرب والفلسطينيين‏..‏ ويري ليبرمان أن حل مشكلة
غزة وحماس يأتي عبر إلقاء قنبلة نووية عليها‏.‏
‏
{‏ ومن المرجح أن
يدخل ليبرمان التاريخ الصهيوني باعتباره الرجل الذي أعاد إنتاج الفاشية
وكرس العنصرية الصهيونية‏..‏ ولم يعد ممكنا لأي حكومة اسرائيلية مقبلة أن
تلجأ لأقنعة مراوغة لتناور حول السلام‏,‏ وانما سترتدي خوذات الحرب‏..‏
ومهرجان انتخابات فبراير يفصح عن هذه الاجواء الصهيونية المحمومة بالعنف
والدم‏..‏