رفقاء السوء

كانت دقات الساعة تقترب من الثالثة فجرا عندما عاد كعادته مكفهر الوجه
وخاوي الجيب من سهرات من نوع خاص تعود علي قضائها مع رفقاء السوء.. تمتليء
بالدخان الأزرق والكئوس المسكرة.

لم يكن ليذهب من أجل غيبان عقله والحصول علي لذات محرمة انما عشق تلك
الطاولة التي اعتاد أن يكون فيها الركن الأساسي وداب في تلك الأوراق
الملونة وتلك اللعبة المجنونة التي قد تجعل ما معه يتضاعف في ضربة حظ أو
ساعة غش أو يخسر كل ما معه في غمضة عين ليعود وهو تركبه الحسرة وهذا ما
كان يحدث في معظم الأحيان.

كعادتها أيضا كانت زوجته تجلس أمام التلفاز تغالب النعاس حتي تطمئن
عليه سالما إلي أسرته الصغيرة التي تشملها وطفليها الذي لم يتجاوز أكبرهما
العشر سنوات بعد.. فكثيرا ما كانت تطاردها الظنون السيئة في غيابه خاصة
عندما يتأخر الوقت.. كانت تضع يدها علي قلبها وتفكر ما إن كان سيعود لها
تلك الليلة أم لا؟! ربما يتم القاء القبض عليه في أي لحظة أو قد يلقي حتفه
علي أثر "علقة ساخنة" ناتجة من عراك شرس بعد انتهاء "المقامرة" أو حتي عند
انسحابه منها وهو رابح.

الضياع


في هذه الليلة لم يفتح فمه بكلمة بالرغم من كونه يعود وهو ساخط علي كل
شيء و"ينف" من غضبه فيها ولولا تلك "التكشيرة" لاعتقدت أنه "ربح مال
قارون".. بلهفة سألته ان كان يشعر بتوعك ما الا ان اجابته كانت صادمة
عندما أخبرها بعد صمت طويل انه اضطر لكتابة وصل أمانة بمبلغ 5000 جنيه
لأحد الأشخاص الذي استدان منه ليقامر وانه يرغب في أن تعطيه "مشغولاتها
الذهبية" ليبيعها ويعطي "الرجل" أمواله لأنه لن يرحمه ان لم يسددها وسيزج
به في غياهب السجن.

هنا ثارت ثورتها فمعني ذلك انه خسر معظم دخله الشهري الكبير الذي
يتقاضاه من وظيفته المرموقة ولم يترك لها ولأولادها ما يسد رمقهم حتي
نهاية الشهر.. إلا انها فوجئت به بكل بجاحة يطالبها بالوقوف معه ويتهمها
بالندالة لرفضها.

لم تجد أمامها مفرا سوي أن تضرب بكلامه عرض الحائط وتخلد في "سبات
عميق" بعد أن تركته يضرب "أخماساً في أسداس".. فهي لن تستدين من أجله ولن
تبيع ذهبها ولا أي شيء في منزل الزوجية ليسد به ثمن تهوره وهددته ان فعل
ذلك ستحرر ضده محضر تبديد منقولات.

لم يكترث الزوج لكلامها فهو يعلم مدي تعلقها بولديها وأنها علي
استعداد لفعل المستحيل لكي يعيشا بينهما "حياة سوية" دون أن يكونا أولاداً
لمطلقين وبالتالي يتعرضان لمشاكل عدة وتلك كانت النقطة التي استند عليها
طوال عشر سنوات مضت ولم يعط أي اهتمام لمحاولاتها اليائسة لصده عن هذا
العبث الذي لا يرضي عنه دين.

بالرغم من كونها أغلقت أحد الادراج علي ذهبها إلا أنه استطاع بخفة يد
أن يكسره أثناء ذهابها إلي عملها وأخذ معظم ما فيه وهرع لبيعه لسد دينه
الحرام وما تبقي سيلعب به ليعوض ما فاته أو يخسره كالعادة فقد وصل إلي
مرحلة الادمان.

عندما عادت صعقت من منظر "الدرج" المكسور وهداها تفكيرها إلي أن
زوجها هو من فعل ذلك.. حاولت مرارا وتكرارا الاتصال به علي هاتفه المحمول
الا ان محاولاتها باءت بالفشل فقد كان منشغلا في شيء آخر ومضي في طريق
الشيطان دون أن يلتف حتي لطفليه.

فور عودته سألته عن "ذهبها" فأجابها بكل برود بأنه "باعه" وأن الزوجة
الأصيلة عليها الوقوف بجانب زوجها.. هنا انفجرت وخرجت مصطحبة معها طفليها
لأقرب محكمة أسرة بعد أن أيقنت انه لا جدوي من زواجها من ذلك الرجل الذي
أصبح يمثل لها "ظل الحيطة" فمعظم شهور السنة أن لم تكن كلها هي التي تقوم
بالانفاق علي المنزل وقضاء طلبات ولديها من دخلها الشهري الذي تتقاضاه من
عملها والذي لايساوي أكثر من نصف راتبه الذي يضيع معظمه هباء علي "ترابيزة
القمار".

كما انها أسئمت من محاولات اصلاحه التي كانت كلها مصيرها الفشل
الذريع وأن حياة أولادها وسمعتهم أصبحت مهددة لحظة وأخري عندما ينكشف أمره
للجميع لذا اتخذت قرارها برفع دعوي طلاق من ذلك المقامر الذي حول حياتها
إلي جحيم لا يطاق والأكثر غيظا أنه يطالبها بدفع ثمنه.

شكرا على نقلك الخبر

يعطيك العافية