من الواقع محمد فوده

من الواقع
محمد فوده

حزنت كثيرا علي تراجع دور الأزهر كمؤسسة
تعليمية عالمية لها شخصيتها المستقلة في عهد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور
محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر مع احترامي الشخصي لفضيلته.وكان ظني بفضيلة
الإمام الأكبر وهو من الرعيل الأول للشيوخ العظام الذين انجبتهم هذه
المؤسسة العريقة ان يحافظ علي استقلالية هذه المؤسسة والعمل علي اعلاء
قدرها وشموخها لتظل رائدة في رفع راية التعليم الإسلامي واللغوي علي
المستويين المحلي والعالمي لكن للأسف الشديد وجدنا ان هذا الدور يتراجع
لصالح وزارة التربية والتعليم حتي لتكاد هذه الوزارة المفعمة بمشاكل لا
حصر لها تبتلع الأزهر وتصبح الوصية عليه القابضة علي دفة أموره.

لا أحمل فضيلة الإمام الأكبر مسئولية نكبة ادخال الكليات المدنية
كالطب والهندسة والعلوم والزراعة والتجارة إلي جامعة الأزهر بحجة تخريج
طبيب أو مهندس أو كيميائي أو محاسب مسلم فاهم لأصول دينه عندما يباشر مهام
تخصصه الأساسي في الداخل أو الخارج لأن هذه الفكرة ظهرت في أوائل
الستينيات علي يد الدكتور محمد البهي رحمه الله.

ولا أعتقد أن هذه الفكرة حققت الغرض منها رغم مرور أكثر من اربعين
سنة علي تطبيقها فلا يختلف طبيب أو مهندس أو محاسب الأزهر عن مثيله خريج
كليات جامعات القاهرة أو عين شمس أو أسيوط أو غيرها بل ان ما حدث ان إنشاء
هذه الكليات أثر بالسلب علي الكليات الأصلية الشرعية واللغوية.

واعتقد ان فضيلة الإمام الأكبر في قرارة نفسه يوافقني هذا الرأي وكان
الأولي هو تدعيم وتطوير الكليات الأصلية والتعليم الاعدادي والثانوي
الأزهري وعدم الخلط بينه وبين التعليم العام مع ادخال تعلم اللغات بشكل
مكثف لتخريج الداعية المسلم الذي يستطيع الحفاظ علي هذه العقيدة السمحة
وصقلها وتخليصها من كل الشوائب التي يتعمد الآخرون الحاقها بها.

لقد توسع التعليم الاعدادي والثانوي الأزهري بحيث غطي معظم قري مصر
وتعددت الكليات في المحافظات وهذا شيء محمود ومشكور لكن هذا التوسع جاء
علي حساب الكيف. فلم يعد خريج الاعدادي أو الثانوي علي نفس درجة خريج
الابتدائي أو الثانوي الأزهري حتي الستينات والسبعينات وجري عليه ما جري
علي التعليم العام من ضعف وصل إلي درجة الأمية!!

والأدهي من ذلك انه ضمن التطوير المزعوم هناك اتجاه بدأ تنفيذه
بالفعل وهو ادخال التعليم الفني الصناعي في الأزهر والغريب ان رجال الأزهر
محتفون بهذه الخطوة لتخريج ما يمكن أن نطلق عليه "الشيخ الأسطي" علي غرار
الشيخ الطبيب والشيخ المهندس!!

أما ما أثارني لكتابة هذا الموضوع فهو ما نشرته احدي الصحف الخاصة في
عددها الصادر يوم السبت الماضي عن الاستعداد لإجراء اختبارات كادر
المعلمين بالأزهر علي غرار كادر المعلمين في التعليم العام ومع الخبر صورة
للدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم - وليس صورة فضيلة شيخ الأزهر -
باعتبار ان المركز القومي للتقويم التربوي للامتحانات التابع للوزارة هو
الذي سيشرف علي إجراء هذه الاختبارات!!

يا خسارة!! وزارة التعليم ابتلعت الأزهر وأصبحت هي الأساس.. وعجزت
المؤسسة الأزهرية عن ان تنظم لأبنائها امتحانا يقيس قدراتهم.. هنا إذا كان
هذا الامتحان ضروريا لكنه التقليد والارتماء في حضن الوزارة فماذا ننتظر
من المتبوع الذي تحول بفعل الزمن إلي تابع!! وهل يمكن للأسد المثخن
بالجراح أن يزأر في الغابة ويدعي أنه الملك الذي لا منازع له في مملكته!!

لست - والله - داعية للتخلف والجمود ولكني مع تطوير الأزهر علما
وتعليما ورؤية ناضجة لما يجري داخليا وخارجيا من احداث يرصدها رجاله
وعلماؤه بوعي وادراك ومسئولية.