الكل في قارب واحد بقلم : سلوي حبيب

من طرف مشمشة الأحد فبراير 15, 2009 11:19 am

سياسة خارجية
بقلم : سلوي حبيب

الكل في قارب واحد

في
أول خطاب حول السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة‏,‏ حاول جو
بايدن نائب الرئيس‏,‏ أمام مؤتمر أمني لقادة العالم في ميونيخ‏,‏ أن يوازن
بين ضرورة أن يبدو حاسما وقويا في مواجهة روسيا‏,‏ وفي الوقت نفسه راغبا
في تحسين العلاقات معها‏..‏ لم يشأ أن يقدم تنازلات مباشرة خشية إضعاف
صورة بلاده‏,‏ ففاجأ الحاضرين بأن أمريكا ستواصل خطة نشر الصواريخ
الدفاعية بأوروبا‏

وهي الخطة التي أغضبت الكرملين ودفعتها لسلسلة
من ردود الأفعال الحادة‏..‏ وكان متوقعا منه أن يعلن رسميا عن إعادة النظر
في هذه الخطة لكي يخفف التوترات بين الدولتين‏..‏ ولكنه ترك الباب مواربا
للمناورة واحتمال التوصل الي حل وسط حول هذا الموضوع‏..‏ ودعا لضرورة
العمل معا في عدة مجالات‏,‏ وإصلاح الشرخ في العلاقات‏.‏

وربما كان
بايدن معذورا فيما فاجأ به الجميع‏,‏ نظرا لأسلوب الشد والجذب والمواقف
المتناقضة والعدوانية أحيانا التي اتخذتها موسكو منذ اليوم الأول لتولي
الرئيس أوباما‏..‏ منها الإعلان عن خطط دفاعية في إطار سباق جديد
للتسلح‏..‏ وآخرها قرار قيرغيستان إغلاق قاعدة أمريكية مهمة تستخدمها في
توصيل الإمدادات لقواتها بأفغانستان‏,‏ وذلك بضغط من موسكو‏,‏ ثم أرجأته
منذ أيام‏.‏

علي أي حال‏,‏ ليس متوقعا أن تنهي الدولتان التوترات
دفعة واحدة‏..‏ فمازالت أمريكا تقف في طريق إقامة مناطق نفوذ روسية
جديدة‏,‏ وتدفع الناتو لتوسيع دائرته في مناطق سوفيتية سابقة‏..‏وهو
مايثير غضب الروس ولكن المصالح المشتركة ومجالات التعاون بينهما يجب أن
تأتي في المرتبة الأولي‏..‏ فهي تشمل معظم القضايا الدولية والإقليمية‏:‏
إيران‏,‏ الشرق الأوسط‏,‏ أفغانستان‏,‏ باكستان‏,‏ آسيا الوسطي‏,‏ كوريا
الشمالية‏,‏ الإرهاب‏,‏ البيئة‏,‏ نزع السلاح‏,‏ الحد من الانتشار
النووي‏,‏ وأمن الطاقة‏.‏وأي نزاع بين الجانبين سيقوض فرص الحل أو
يعقدها‏..‏ لذلك حرص الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية علي التأكيد
أمام المؤتمر‏

أن روسيا لا تشكل تهديدا عسكريا للناتو أو للاتحاد
الأوروبي‏,‏ ومن المصلحة دمجها في نظام أمني جديد‏..‏ ويبدو أن موسكو
التقطت تلك النغمة التصالحية‏,‏ وتفهمت الموقف الأمريكي المفاجئ واعتبرت
خطاب بايدن إيجابيا جدا‏..‏ وربما تكون الأزمة المالية المؤلمة قد لعبت
دورا في التخفيف من حدة التعالي والعجرفة التي كانت سائدة بين القيادات
الروسية‏..‏ وقد أدركت موسكو أنها في حاجة الي أمريكا والغرب بنفس القدر
الذي يحتاجها به الطرف الآخر‏..‏ فالكل أصبح في قارب واحد‏,‏ كما قال
بوتين‏,‏ بدليل ما أبدته موسكو أخيرا من استعداد لتقديم تنازلات عسكرية
ورؤية لنظام عالمي جديد‏..‏

وكل المطلوب الآن هو تبادل الثقة‏..‏ فهذا هو المفتاح لبدء تعاون قد يحل العديد من مشكلات العالم‏.‏