هذا هو الإسلام مفردات قرآنية الصــــــدق‏4‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهــر الشريف

من طرف lzeem الإثنين فبراير 16, 2009 12:28 pm

هذا هو الإسلام
مفردات قرآنية الصــــــدق‏4‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

لقد
تكلم العلماء الحكماء عن فضيلة الصدق كلاما طيبا‏,‏ ومن هؤلاء العلماء
الحكماء‏:‏ الامام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقد قال الصدق هو الذي تنشأ
منه جميع منازل السالكين‏,‏ والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من
المنقطعين الهالكين‏,‏ وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان‏,‏ وسكان
الجنان من أهل النيران‏,‏ وهو سيف الله في أرضه‏,‏ الذي ما وضع علي شيء
إلا قطعه‏,‏ ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه‏,‏ من صال به لم ترد صولته‏,‏
ومن نطق به علت علي الخصم كلمته‏,‏ فهو روح الأعمال‏,‏ ومحك الأحوال‏,‏
والحامل علي اقتحام الأهوال‏.‏ والباب الذي دخل منه الواصلون إلي حضرة ذي
الجلال‏.‏ وهو أساس الدين‏,‏ وعمود قسطاس اليقين‏,‏ ودرجته تالية لدرجة
النبوة التي هي أرفع درجات العالمين

وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه
الله ـ الصدق في الأقوال هو أستواء اللسان علي الاقوال كاستواء الرأس علي
الجسد والصدق في الأحوال‏,‏ هو استواء أعمال القلب والجوارح علي
الإخلاص‏,‏ واستفراغ الوسع‏,‏ وبذل الطاقة‏,‏ وأعلي مراتب الصدق هي مرتبة
الانقياد الكامل لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ مع كمال الاخلاص كله
لله ـ تعالي ـ الذي ارسله بدينه ودعوته وحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي
لايطيقه إلا اصحاب العزائم

ومن هذا الكلام النفيس الذي قاله هذان
الإمامان الجليلان‏,‏ نفهم أن الصدق كما يكون في القول‏,‏ يكون في العبادة
عن طريق أدائها كاملة بإخلاص وإحسان‏,‏ وصدق في النية بأن تكون دائما نية
حق وخير‏,‏ وصدق في العزيمة بأن تكون قوية راسخة لاتتزلزل ولاتضعف‏,‏ وصدق
في الوفاء بما عاهد الله ـ تعالي ـ من الوقوف إلي جانب الحق حتي ينتصر‏,‏
ومن الوقوف في وجه الباطل حتي يندحر‏.‏

ومن الآيات القرآنية التي جمعت كل هذه الألوان لفضيلة الصدق قوله تعالي‏:‏
‏[‏من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا‏][‏ الاحزاب‏23]‏

وذكرنا أن النحب‏:‏ النذر وهو أن يلتزم الانسان الوفاء بأمر تعهد به‏,‏ وقضاؤه الفراغ منه والوفاء به علي أكمل وجه‏.‏

وقلنا
إنه كان رجال من الصحابة قد نذروا أنهم إذا صاحبوا رسول الله ـ صلي الله
عليه وسلم ـ في حرب أن يثبتوا معه‏,‏ وألا يفروا عنه‏.‏

والمعني‏:‏
من المؤمنين رجال كثيرون‏,‏ وفوا أكمل وفاء بماعاهدوا الله ـ تعالي ـ
عليه‏,‏ من التأييد لرسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومن الثبات معه في كل
موطن‏.‏

فمنهم من وفي بوعده حتي أدركه أجله فمات شهيدا كحمزة بن
عبد المطلب‏,‏ ومصعب بن عمير‏,‏ وأنس بن النضر‏,‏ وغيرهم ـ رضي الله عنهم
جميعا‏.‏

ومنهم من هو مستمر علي الوفاء‏,‏ وينتظر الشهادة في سبيل
الله ـ تعالي ـ في الوقت الذي يشاؤه ـ سبحانه ـ ويختاره‏,‏ كبقية الصحابة
الذين نزلت هذه الآية وهم مازالوا علي قيد الحياة‏,‏ وما غيروا ولابدلوا
شيئا مما عاهدوا الله ـ تعالي ـ عليه‏.‏

قال الإمام ابن كثير ـ
رحمه الله ـ قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ غاب عمي أنس بن النضر لم
يشهد مع رسول الله يوم بدر‏,‏ فشق عليه ذلك وقال‏:‏ أول مشهد شهده رسول
الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ غبت عنه‏.‏ لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع
رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليرين الله ما أصنع‏,‏ وهاب أن يقول غير
هذه الكلمة‏..‏

فشهد مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يوم
أحد‏,‏ وخلال المعركة التقي مع سعد بن معاذ فقال له أنس‏:‏ ياسعد إني لأجد
ريح الجنة‏..‏

ثم قاتل حتي قتل‏,‏ ووجد في جسده بضع وثمانون من ضربة بسيف‏,‏ أو طعنة برمح‏,‏ وما عرفه أحد منا سوي أخته بسبب علامة كانت في يده‏.‏

قال
أنس‏:‏ كنا نري أن هذه الآية الكريمة من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا
الله عليه‏.‏ قد نزلت في أنس بن النضر وفي أمثاله من الشهداء الذين صدقوا
ماعاهدوا الله عليه‏..‏

ألا ما أجمل أن يتحلي الإنسان بالصدق في
أقواله وفي أفعاله‏,‏ وفي سلوكه‏,‏ وفي معاملته مع غيره‏,‏ وفي عبادته‏,‏
وفي كل حال من أحواله‏.‏

ولقد أمر الله ـ تعالي ـ عباده بالصدق عقب
أمره لهم بالتقوي فقال‏[‏ يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين‏][‏ التوبة‏:119]‏

أي صونوا أنفسكم عن كل مالايليق‏,‏
والزموا صحبة الصادقين‏,‏ وأيدوهم ودافعوا عنهم‏,‏ واحرصروا علي هذه
الفضيلة‏,‏ وتذكروا وعده سبحانه ـ للصادقين بالثواب الجزيل حيث قال‏:[‏
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‏,‏ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها أبدا‏,‏ رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم‏][‏
المائدة‏:119]‏