العلم والتعليم بين الفكر الإسلامي والواقع الاجتماعي بقلم‏:‏د‏.‏ نبيل السمالوطي

من طرف lzeem الإثنين فبراير 16, 2009 12:30 pm

حوارات معاصرة
العلم والتعليم بين الفكر الإسلامي والواقع الاجتماعي
بقلم‏:‏د‏.‏ نبيل السمالوطي
أستاذ علم الاجتماع جامعة الأزهر

العلم والتعليم بين الفكر الإسلامي والواقع الاجتماعي بقلم‏:‏د‏.‏ نبيل السمالوطي 44632_3m

يدرك
الفاحص المنصف للاسلام ان هذا الدين هو دين العلم والتعليم فهما في هذا
الدين فريضة واجبة علي المسلمين‏.‏ فأول آية نزلت هي‏(‏ إقرأ‏)‏ والاربع
آيات الاولي من سورة العلق تؤكد حقيقتين هما‏:‏

الحقيقة الاولي‏:‏ ضرورة القراءة باسم الله الخالق الذي خلق الانسان من علق‏.‏
الحقيقة
الثانية‏:‏ ضرورة القراءة باسم الله الاكرم المعلم الذي خلق ادوات التعليم
والتعلم وفي مقدمتها القلم‏.‏ وقد اكد الاسلام في الكثير من الآيات علي ان
المعلم الاعلي والاسمي في هذا الكون هو الله الخالق‏,‏ حيث قال تعالي‏(‏
واتقوا الله ويعلمكم الله‏)‏ ولا يتجلي علم الله علي خلقه إلا لمن شاء
الله وأنه سبحانه وتعالي يتجلي بالعديد من المعارف والعلوم والمعلومات علي
المتقين الذين يخصهم بجوانب لا يتجلي بها علي غيرهم‏,‏ سواء انبياء أو غير
انبياء‏.‏ وإذا ما تساءلنا‏:‏ لماذا جعل الاسلام طلب العلم فريضة يتقرب
بها المؤمنون الي الله‏,‏ وجدنا الاجابة علي هذا طويلة يمكن ذكر اهمها
فيما يلي‏.‏لا ايمان بغير علم وتعليم والاسلام يفرض علي المسلمين مجموعة
من الفرائض والعبادات‏,‏ ولا يمكن اداء الفرائض العبادات بغير علم وتعليم
وتعلم

ـ القرآن الكريم يطالب الانسان بالتفكير العلمي المنهجي
التجريبي القائم علي الملاحظة والتجربة الحسية وهذا من خلال لفت نظر
الانسان الي ضرورة استخدام السمع والبصر والفؤاد و‏(‏العقل‏)‏ وتوجه الي
دراسة الظواهر الطبيعية‏(‏ الليل والنهار ـ المطر والسماوات ـ الرياح
ومراحل نمو الانسان ـ والزراعة والجبال ـ والوان الناس وضرورة اعادة النظر
في التراث في ضوء امرين ـ الاول ضوابط الاسلام وثوابته‏,‏ والثاني الثورات
العلمية ـ الذرة ـ الفضاء ـ الالكترونات ـ الفيمتو ثانية ـ نانو تكنولوجي
والجينوم‏....‏ الخ‏.‏

والناظر في حالة التعليم في العالم الاسلام
يدرك أن أغلب الدول الاسلامية تعاني من التخلف الاقتصادي والاجتماعي
والفكري والعسكري‏,‏ ولعل المشكلة الاساسية في بعض هذه الدول هو غياب
السياسة التعليمية او الاستراتيجية التربوية التي هي محصلة رؤية مجتمعية
شاملة‏.‏ والمسئول عن وضع هذه الاستراتيجية الحكومة وكل مؤسسات المجتمع
المدني‏.‏

والسياسة التعليمية سواء التي تتعلق بالتعليم قبل
الجامعي او التعليم الجامعي والتي تشارك فيها جميع اجهزة الدولة التشريعية
والتنفيذية واجهزة المجتمع الشعبية‏,‏ يجب ان تحدد المستهدف وتجيب علي
اسئلة محددة منها ماذا نريد ؟ وكيف تتصور المخرجات او الناتج التعليمي ؟
وما هي الوسائل التي ستوصلنا الي هذه الاهداف ؟ وما هي امكاناتنا المادية
والمالية والبشرية وكيف يمكن توظيفها لتحقيق هذه الاهداف ؟ وإذا كان
النظام التعليمي يتألف من عدة مكونات‏,‏ ابرزها المعلم‏,‏ والمتعلم‏,‏
المناهج‏,‏ البيئة التعليمية‏,‏ ونظام التقويم‏,‏ فإن الاستراتيجية او
السياسة التعليمية يجب ان تتضمن مجموعة مكونات سوف نبرز اهمها لكن قبل ذلك
لابد من التأكيد ان هذه السياسة هي محصلة حوار كل مؤسسات الدولة والمجتمع
وليست من صنع وزير التعليم الذي عليه تنفيذ هذه السياسة بدون تغيير
فيها‏.‏ فوزير التعليم ليس صانعا للسياسة التعليمية وانما هو المسئول عن
التنفيذ‏,‏ وادارة كل ما من شـأنه تطبيقها علي الواقع‏,‏ وهذا بخلاف ما هو
حادث في كثير من الدول الإسلامية‏.‏ ويمكن ايجاز أهم مكونات السياسة
التعليمية فيما يلي‏:‏

أولا‏:‏ تحديد الاهداف‏,‏ ما هو نوع المنتج
التعليمي الذي نريد ان نحصل عليه من كل مرحلة من مراحل التعليم ـ الاساسية
والمتوسطة والجامعي ؟ ونوعية الشخصية التي نريد بناءها من الناحية
العقائدية والقيمية والسلوكية ومن الناحية العقلية والفكرية‏,‏ ومن
الناحية الاجتماعية‏,‏ ومن الناحية العملية والمهنية ؟ ـ هل هو الانسان
المستهلك المتلقي أم المبدع‏,‏ هل المستقبل للمعرفة أم المتصل بمصادر
المعرفة والمنتج لها ؟ هل المقتصر علي الاستهلاك أم المستهلك والمنتج ؟ هل
المعرفة للمعرفة والعلم للعلم ؟ أم المرتبط بسوق العمل وخطط التنمية ؟ هل
الانسان المنعزل أم الانسان المشارك في قضايا مجتمعه وفي صنع القرار
والمهموم بهموم مجتمعه القادر علي الاسهام في حل أزماته الشخصية والاسرية
والمجتمعية ؟ وهكذا يجب ان يجاب بوضوح علي هذه الأسئلة وغيرها‏.‏

ثانيا‏:‏ المناهج والمحتوي الفكري والمعلوماتي والتطبيقي التي سوف يدرسه الطلاب‏.‏

وهذا
يجب ان تتوافر فيه عدة امور ـ أولها المعرفة الصحيحة بالدين وتنمية الخلق
الكريم والسلوكيات السوية المنطلقة من الأديان السماوية الصحيحة‏,‏ وان
يتضمن احدث ما وصلت اليه العلوم والمعرفة العالمية‏,‏ وان توجه المعرفة
للتطبيق وخدمة واقع الانسان ومجتمعه في اطار متطلبات خطط التنمية‏,‏ ويجب
في المناهج ـ وهي تشمل العلوم والانشطة المدرسية المختلفة ـ ان نستورد
أشياء ـ مثل علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والتكنولوجيا التي برز
فيها الغرب‏,‏ وان تؤصل أشياء في تراثنا وهي ديننا واخلاقنا وقيمنا
وسلوكياتنا وعلاقاتنا الاسلامية الاصيلة‏,‏ وان تؤصل تراث الاجداد وقيم
الانتماء للدين والاسرة في المجتمع‏,‏ وقيم الحق والعدل والتقوي والتعاون
وقيم العمل النافع‏...‏ الخ ويجب ان تحقق هذه الاهداف من خلال قاعات
الدرس‏,‏ والانشطة المدرسية‏,‏ وتعليم الطلاب كيف يفكرون‏,‏ وتدريبهم علي
الاتصال بمصادر المعرفة والحصول علي المعلومات والتعليم الذاتي‏,‏ وليس من
خلال الاقتصار علي التلقين وحشو العقول بمعلومات لا يعرفون أساليب تطبيقها
ولا ينتفعون منها‏.‏ كذلك يجب ربط المناهج بخطط التنمية واحتياجات سوق
العمل‏.‏ كل هذا في اطار مراعاة القدرات العقلية والاستيعابية للطلاب‏.‏

ثالثا‏:‏
المعلمون‏:‏ وهم منفذواسياسات التعليم يجب أولا اختيارهم بشكل علمي سليم
وبناء علي مقابلات واختبارات موضوعية للميول المهنية والتربوية‏.‏ ثم يجب
اعدادهم علميا‏,‏ وتربويا‏,‏ وقيميا‏,‏ وسلوكيا وتنمية قدراتهم
الاتصالية‏,‏ وعلي التواصل مع الناس‏,‏ وعلي ادارة الحوار‏,‏ وعلي الاقناع
والاقتناع‏....‏ الخ‏.‏ كل هذا حتي يكونوا قدوة صالحة قادرة علي تنفيذ
اهداف السياسة التعليمية وهذا يتطلب تغيير سياسة القبول في كليات التربية
واعادة النظر في مناهجها وخطط التدريب قبل واثناء العمل‏.‏

رابعا‏:‏
البيئة التعليمية ويقصد بها كل الاجهزة الميسرة للعجلة التعليمية مثل
المعامل والمكتبات والملاعب وغرف الانشطة المختلفة‏...‏ الخ‏.‏ والتي توظف
في تحقيق الاهداف المعرفية والاخلاقية والسلوكية والمهنية للسياسة
التعليمية‏.‏

خامسا‏:‏ نظام التقويم والامتحانات‏..‏ وهدفه معرفة
قدرة العملية التعليمية علي تحقيق اهدافها‏,‏ وقياس مدي استيعاب الطلاب
لها في كل المجالات المعرفية والاخلاقية والسلوكية والمهنية‏..‏ وتخريج
المنتج التعلمي المستهدف‏.‏

سادسا‏:‏ يجب ان تحدد السياسة
التعليمية اساليب علمية للتوجيه التربوي للطلاب وللتوجيه المهني في
المراحل المتوسطة والجامعية‏,‏ بحيث يوجه كل طالب الي ما يتفق مع قدراته
واستعداداته وميوله حتي لا يحدث هدر في المنتج التعليمي‏..‏ وهناك اساليب
كثيرة للتوجيه من ابرزها البطاقة المجمعة التي يعبئها المدرسون
والاخصائيون الاجتماعيون والمرشدون الطلابيون وإدارة المدرسة‏..‏ من
الابتدائي وتسير مع الطالب حتي نهاية المرحلة المتوسطة ـ وهناك اساليب
أخري كثيرة‏.‏

سابعا‏:‏ لابد للسياسة التعليمية ان تضع خططا واضحة
للقبول بالمدارس المتوسطة وبالجامعات بناء علي معايير موضوعية محددة‏.‏
اما التعليم الاساسي فهو اجباري وعام للجميع‏.‏

ثامنا‏:‏ يجب رصد الميزانيات المناسبة للتعليم وتحسين أوضاع المعلمين وتطبيق سياسة اليوم الكامل في المدارس‏.‏

الإجابة
انها قد تكون مطبقة بدرجات متفاوته من الكفاءة‏,‏ لكن المؤكد ان التعليم
في عالمنا الإسلامي في أزمة‏.‏ فنحن نمثل حوالي ربع مساحة العالم‏,‏
وحوالي ربع سكانه ومع هذا ابداعاتنا العلمية مقاسة ببراءات الاختراع
العالمية قليلة جدا ولا تكاد تذكر‏,‏ واسهامنا في الانتاج العالمي ضئيل
جدا‏,‏ ومتوسط دخول اغلب المجتمعات الاسلامية‏(‏ باستثناء دول الخليج بسبب
البترول‏)‏ متدنية ونسبة الفقر بين دول العالم الاسلامي تقترب من‏40%‏ من
نسبة الفقر العالمي‏.‏ هذا الي جانب اننا دول نعيش عالة علي افراز العقل
الغربي من العلم والتكنولوجيا‏.‏ ولا أمل لنا في التقدم والنهضة واستعادة
امجاد الامة الاسلامية في عصورها المزدهرة إلا بطرح سياسات تعليمية واقعية
ووضعها موضع التنفيذ وصولا الي شخصيات منتجة مفكرة مبدعة قادرة علي
التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين بكفاءة واقتدار فلا قوة ولا
كرامة ولا نهضة ولا حرية ولا استقلال لابناء المجتمعات الاسلامية وللامة
الاسلامية إلا بنظام تعليم جيد يجمع ثوابت الاسلام القليلة وبين الثورات
العلمية المتعاقبة اعتبارا من ثورة العلم الاوروبي المستند الي العلوم
الانسانية والطبيعية والمنطقية التي افرزها العقل السليم‏,‏ مرورا بثورات
الذرة‏,‏ وغزو الفضاء‏,‏ والالكترونات والثورة الرقمية‏,‏ والجينوم
البشري‏,‏ والفيمتوثانية‏.‏ ولا تعليم جيد إلا بإعادة النظر في اقوال
القدماء في اطار الضوابط الاسلامية‏.‏

والسؤال المهم هو هل هذه السياسة مطبقة في مجتمعاتنا الاسلامية ؟
تاسعا‏:‏
يجب ان تتحقق الشروط التربوية في اعداد وتجهيز المدارس ـ الفصول ـ الملاعب
وأماكن ممارسة كل الانشطة الرياضية والثقافية والفنية وغيرها اللازمة
للوصول بالمنتج التعليمي الي الاهداف المحددة‏.‏