تآكل استراتيجية الردع الإسرائيلية بقلم : أمين هويدي

من طرف حبيبة الكل الثلاثاء فبراير 17, 2009 11:50 am

تآكل استراتيجية الردع الإسرائيلية
بقلم : أمين هويدي

في
تقديري أن أهم وأخطر ما أكدته عملية الرصاص المصبوب‏,‏ التي قامت بها
إسرائيل أخيرا والتي مازلنا نواجه توابعها‏,‏ هو تآكل استراتيجية الردع
الإسرائيلية‏..‏ عفوا فأنا لا أتحدث عن نصر حصلنا عليه‏,‏ أو هزيمة وقعت
بنا‏,‏ فمثل هذه العمليات في حرب ممتدة لاتحسم بالضربة القاضية‏,‏ ولكنها
تنتهي بنقاط تضاف إلي كشف حساب اللاعبين أو تخصم منه‏..‏ مما يحتم النظر
فيما يحدث علي جانبي التل حتي نقف علي سلبياتنا وإيجابياتنا وسلبياتهم
وإيجابياتهم‏,‏ لأنه إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون‏.‏

وبداية
فإنه من المعروف أن الردع هو استخدام أسلحة القتال‏,‏ لمنع القتال للحصول
علي الأغراض السياسية‏,‏ ويفشل الردع إذا بدأ القتال وللردع حساباته التي
تختلف تماما عن حسابات القتال‏.‏ كما أن له معادلته التقليدية حتي يتحقق
وهي‏:‏

امتلاك وسائل الردع‏+‏ الإعلان عنها‏+‏ عدم التردد في
استخدامها في الوقت المناسب‏+‏ تصديق الطرف الآخر لنتائج هذا الاستخدام‏=‏
الردع‏.‏

ومن تسلسل الأحداث فإنه حينما قام الإسرائيليون بعمليتهم
الأخيرة لتنفيذ أغراض سياسية حددوها ووجهوا بمقاومة شرسة لم يتوقعوها بعد
جولات كثيرة سابقة‏,‏ ظنوا بعدها أنهم قضوا علي روح المقاومة واستقر لهم
الحال‏,‏ أي أن القتال بدأ مما يعني فشل استراتيجية الردع‏,‏ لأن الفعل
الإسرائيلي ووجه برد فعل من المقاومة الأمر الذي يقلقهم أشد القلق ويثير
مخاوفهم من الحاضر والمستقبل‏.‏

وقبل الاسترسال في الموضوع الخطير نؤكد أن استراتيجية إسرائيل في الردع تعتمد علي‏:‏
‏
*‏التفوق
في توازن القوي الذي يحقق لهم فعل ما يريدون‏,‏ ويمنع الآخر من فعل مالا
يريدون والذي يمكنهم من توجيه الضربة الأولي ويمنع الآخر من توجيه الضربة
الثانية‏.‏
‏
*‏ ضربة ثقيلة بالأسلحة المتاحة دون استثناء بعض
الأسلحة الممنوعة دوليا لتحقيق الغرض أهم من الشرعية الدولية أو رد فعل
الرأي العام‏,‏ وفي نفس الوقت سريعة لتتفادي دعوة الاحتياط وتحول دون
التدخل الدولي‏.‏
‏
*‏ فرض أمر واقع جديد وتغيير شكل الأزمة‏.‏
‏
*‏
إحداث أكبر خسائر ممكنة في الجانب الآخر مع التقليل من خسائرهم بقدر
الإمكان مع نقل القتال خارج أراضيها‏,‏ وعلينا أن نلاحظ وبكل دقة أن
المقاومة صمدت لمدة أطول كثيرا مما اعتادت عليه إسرائيل مما اضطرها إلي
دعوة الاحتياط رغم ما في ذلك من تأثير علي عمليات الانتاج في جميع
المجالات‏,‏ وزيادة غضب الرأي العام الاقليمي والعالمي مما يؤثر علي
شرعيتها‏,‏ وتدخل بعض الدول بمبادراتها لايقاف النيران مما اضطرها أخيرا
إلي الاعلان عن إيقافها من جانب واحد‏,‏ الأمر الذي رفضته المقاومة إلا
إذا تحقق انسحابها من غزة‏.‏

وقد ساعد هذا الصمود‏;‏ والارتباك
الذي حدث في القيادة الإسرائيلية نتيجة لذلك الجهود السياسية التي قامت
بها أساسا القاهرة وإدارتها الناجحة للأزمة لتطويق وإيقاف نزيف الدم‏,‏
فالقاهرة هي الأخ الأكبر للبلاد العربية الذي اعتاد علي تحمل عبث
الصغار‏,‏ علاوة علي أنها تشكل الدولة القاعدة للعائلة العربية رغما عن كل
ما حدث ويحدث وسوف يحدث‏...‏ فهذا هو قدر الكبير وعليه أن يتحمله‏.‏

بهذا
الخصوص وعقب كل اشتباك أو عملية لوحظ أن إسرائيل تشكل لجنة تقصي حقائق
لتقويم النتائج المترتبة علي ذلك‏:‏ عقب حرب أكتوبر عام‏1973‏ شكلت
إسرائيل لجنة القاضي إجرانات للبحث عن السبب الذي فوجئت به إسرائيل لبدء
القتال وأيضا عن سبب الاداء السييء لجيش الدفاع الإسرائيلي في الأيام
الأولي من الحرب‏,‏ ولجنة فينوجراد عقب حرب لبنان عام‏2006‏ لتبحث هذه
المرة عن سبب سوء إدارة الحرب وتعثر أداء القتال أمام حزب الله‏,‏ ولا شك
في أن اللجان التي شكلتها إسرائيل عقب عملية الرصاص المصبوب والتي لم يعلن
عنها شيء سوف تبحث لماذا فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأغراض السياسية
التي قامت العملية الأخيرة من أجلها إذ مازالت الصواريخ تهدد الجنوب
الإسرائيلي وآماكن أخري في قلب إسرائيل‏,‏ بحيث يمكننا أن نقطع بأنها لم
تحقق شيئا من أغراضها السياسية الا قتل المدنيين وتدمير المنازل وارتكاب
جرائم قد تحاكم من أجل ارتكابها دوليا‏,‏ ولعل أدق تعبير قيل في التعليق
علي الموقف الإسرائيلي بعد إيقاف إطلاق النيران ماقاله أحد رؤساء أركان
حرب الجيش الإسرائيلي السابقين من أن إسرائيل تراوح مكانها‏...‏

ماذا يعني ذلك؟
إما
أن القوة العسكرية الإسرائيلية تتآكل؟ وإما أن قوة المقاومة تتزايد أو أن
الأمرين واردان‏.‏ ولكن الأمر الذي نقطع به هو أن الفجوة بين القدرة
القتالية لإسرائيل وقدرتها علي الردع‏,‏ وبين القدرة القتالية للمقاومة
سواء من ناحية الأسلحة المتاحة أو طول فترة الصمود تضيق بمرور الزمن‏.‏
وأن قدرة المقاومة علي توجيه الضربة الثانية تزداد سواء بصواريخ حزب الله
في الشمال أو صواريخ حماس في الجنوب وأن التصدي للعدوان أصبح ممكنا بأسلحة
أقوي ولفترات أطول توقع الخسائر لجيش الدفاع الإسرائيلي وتجبر إسرائيل علي
استدعاء الاحتياطي والاعلان عن إيقاف النيران من جانب واحد‏,‏ ومعني ذلك
أن استراتيجية الردع الإسرائيلية تتآكل بمرور الزمن رغما عما ينتجه
عدوانها عن خسائر فادحة في البشر والحجر‏.‏

هذه الخسائر تحتاج
محاولة من المقاومة لتقليلها بعدم إغفال إقامة الملاجئ والخنادق وأهم من
ذلك نقل التدمير إلي عمق إسرائيل‏,‏ كما يحتاج الأمر من الجانب العربي أن
يضع هذا التآكل في حسبانه وهو يمارس جهوده السياسية‏.‏

وأخيرا هل
تولي الرئيس أوباما الحكم والذي يبدو أنه سيكون أقل تحيزا من الرئيس
السابق جورج بوش لإسرائيل كما نأمل‏,‏ وكما تشير إليه بعض الشواهد
الايجابية تأثيره في زيادة تآكل قدرة الردع الإسرائيلي؟ هذا أمر جائز لا
يمكن القطع به إلا بعد أن نري فريق الرئيس الجديد وهو يواجه القضية أمام
العناد الإسرائيلي المعتاد والذي رفض فتح المعابر الذي رغب فيه الرئيس
أوباما في محاولة منها لعدم العودة والقضاء علي أي نيات حسنة للرئيس حتي
يكون هناك فارق بين الأقوال والأفعال كما حدث مع الرئيس السابق جورج بوش‏.‏