قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

عندما شرع الله الطلاق تلبية لما قد يطرأ
في حياة الزوجين من نفرة لاخلاص من شرورها إلا به. قدَّر وهو العليم
بخلقه. أن إجراءات الطلاق ودواعيه وآثاره سوف تدفع الزوجين واسرتيهما ومن
يحيطون بهم للدخول في صراع اجتماعي قد لا يقف عند حد. ويستعمل فيه كل طرف
ضد الآخر جميع وسائل الكيد ويتسابق الزوجان في حومات العدالة وساحات
المحاكم وكل واحد منهم يريد أن يوقع بالآخر ما يرجوه له من ثقيل
الالتزامات وشديد العقوبات. ليس بالحق. أو بالعدل. ولكن باللدد والكيد.
فتبدأ الخصومة أمام القضاء بدعوي. ثم لا تلبث تلك الدعوي ان تتفرع إلي
عشرات القضايا التي ترد علي كيد أو تنشيء اتهاماً جديدا من طرف لآخر. ولا
ينتهي ذلك الخلاف بينهما إلا بعد مشقة بالغة. وعذاب شديد ولهذا رسم الله
للطلاق أسلوباً جميلا يعبر عن مقصده في الارتقاء بسلوك الناس عند حصول هذا
الأمر العصيب فقال سبحانه: "فإمساك بمعروف. أو تسريح بإحسان" فجعل الطلاق
مساويا لقيام الزوجية في صورتها المطلوبة وهي الامساك بمعروف. وفي هذا
دليل علي ان احسان الطلاق والبعد به عن لدد الخصومات وكيد الادعاءات
واساءة التقاضي أمر مطلوب بالنص كما أمر الله احسان العشرة بين الزوجين
بالنص في قوله تعالي: "فإمساك بمعروف" وقوله تعالي: "وعاشروهن بالمعروف"
ولأن التسريح بإحسان يعد من مكملات ذلك المعروف الذي كان موجودا قبله. وهو
الذي يتيح للاعتبار به والاستفادة منه في تربية الأولاد واستدامة المعروف
بين الأسرتين فرصة الاستمرار والخطاب القرآني في هذا القول الكريم يقتضي
حسا إنسانيا راقيا. وسولكا اجتماعيا متحضرا يريد أن يرقي مستوي كل من
الرجل والمرأة اليه. لأن معدن الاصالة في الانسان لا يظهر إلا عند العداوة
ولا يتجلي إلا في وقت الصدام والصراعات. حتي في الحروب بين الاعداء لا
يبيح الشارع للمقاتلين أن يتجاوزوا آداب الحرب فيقتلوا الأطفال أو النساء
أو المرضي أو الشيوخ أو النساك. أو ان يحرقوا زرعا أو يهدموا مبني. إذ
التحضر مطلب اسلامي ومقصد شرعي عند الحروب. ووقت النزاع في كل صراع ومنه
الطلاق ولو كان الرجل والمرأة علي هذا المستوي من التحضر الاسلامي
المطلوب. لما استمرأ كل منهما ذلك الكيد المقيت. ولما شغل الناس بماض
اجتماعي بات من الخير نسيانه ولتطلعوا لمستقبل آن يحسن التفكير فيه والعمل
لتحصيل خيره ويجد كل من الزوجين فيه غني عما فات وصدق الله العظيم حين
قال: "وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته". إن تحضر السلوك مطلب اسلامي لازم
للرجال والنساء عند الطلاق وفي كل نزاع.