قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

من سمات منهج التشريع الإسلامي في الحظر
المفيد لتحريم الأفعال والأشياء. أنه يساعد العباد علي حسن الامتثال وييسر
عليهم مشاق التكليف. حتي يستطيعوا أن ينتصروا علي هوي نفوسهم. فلا يقعوا
ضحايا لما ركب فيهم من غرائز. أو فريسة لما يثور بداخلهم من شهوات. ومن
آيات تلك المساعدة أنه عند تحريم الأشياء أو الأفعال التي يميل إليها
الطبع وتستشرف لها النفس بحيث إذا وقعت فيها مرة. فإنها قد تجد مشقة في
الإقلاع عنها. أو البعد عن طريقها. لا يحرم ذات الأشياء المحظورة فقط.
ولكنه يشمل بالتحريم الطرق المؤدية إليها. والمقدمات الموصلة لها. ويجيء
خطابه المقرر لهذا الحظر دالاً علي ذلك.

ففي تحريم الزنا يقول الله تعالي: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة
وساء سبيلا". فلم يحرم في هذا القول الكريم الزنا وحده. ولكنه نهي عن كل
ما يقرِّب منه. من النظرة المحرمة. والكلام الخانع. والتصرفات الرقفيعة
التي تجري في الحياة الاجتماعية لإيقاع الرجال بالنساء. فجعل كل ذلك
محرماً بنص الآية المحرمة للزنا. لأن التحريم هنا يتصل بغريزة جامحة في
الإنسان. وإذا لم تجد الطريق مسدوداً أمام اندفاعها للمخالفة. فإنها قد
تقع فيها. وإذا وقعت فيها فإنها قد تستسيغ الحرام أو تعتاد عليه. أو تضعف
أمامه. فلا يستطيع الإقلاع عنه ولهذا جاء التحريم هنا مانعاً لتعاطي
مقدمات الجريمة. وشاملاً لها بالتحريم. وكما هو معلوم فإن للوسائل حكم
المقاصد. وإذا كانت مقدمات الزنا هي وسائله التي توصل إليه. يكون حكم تلك
المقدمات كحكم غايتها وهو التحريم ومن هذا القبيل قول الله تعالي: "يا
أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" فأمر هنا بالاجتناب في جملة أمور لو تم
الوقوع فيها لأدمن الإنسان تعاطيها غالباً. فيصعب عليه التحرر من أسرها
فيما بعد. ومنها الخمر. ولهذا جعل الله تحريمها بالبعد عنها واجتنابها حتي
لا يقع الإنسان في هواها مرة. فلا يقوي علي تركها.

وفي تحريم الزنا قال الله تعالي: "ولاتقربوا" وفي تحريم الخمر وما
ناظرها في الآية الكريمة قال: "فاجتنبوه" وهي لفتة قرآنية تدل علي دقة في
التعبير لا يمكن أن تضاهي لأن الزنا مادته المرأة. وهي مطلوبة للرجل
ومطاردة منه حتي ينال منها مآربه. ولهذا كان مما يلائمه النهي عن الاقتراب
منها. أما الخمر فإنها هي التي تطارد الإنسان وتقدم له في الحانات
والمجالس ولهذا كان مما يلائمها الأمر باجتنابها. فالنهي عن القربان لما
يطارده الإنسان. والأمر بالاجتناب لما يطارد الإنسان. وتبارك الله أصدق
القائلين.