متحف السادات بقلم : مكرم محمد أحمد

من طرف نورا نورا الخميس فبراير 19, 2009 9:34 am

نقطة نور
بقلم : مكرم محمد أحمد

متحف السادات

في
لمسة وفاء مستحق للرئيس الراحل محمد أنور السادات‏,‏ وفي حضور السيدتين
الفاضلتين سوزان مبارك وجيهان السادات‏,‏ وجمع محدود من الحضور‏,‏ افتتحت
مكتبة الاسكندرية متحفا أنيقا صغيرا يضم توثيقا كاملا لسيرة وحياة وأعمال
واحد من رجال مصر العظام‏,‏ يضم آلاف الصور والوثائق والخطب والأفلام
والكتب والمقالات التي تؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ مصر الحديث‏,‏ يتوجها
قراران خطيران استحق الرئيس السادات بسببهما أن يكون بطل الحرب والسلام‏.‏

قرار
حرب أكتوبر المجيدة التي أطلقها السادات رغما عن تواطؤ الدولتين
العظميين‏,‏ وتوافقهما علي بقاء حالة اللاسلم واللاحرب في الشرق الأوسط‏,‏
ورغما عن نقص إمدادات السلاح في أيدي القوات المسلحة ثقة في قدرة وشجاعة
الإنسان المصري علي تعويض نقص السلاح‏,‏ ورغما عن دعوات الاستسلام
والإحباط التي صورت للعالم أن العرب قد أصبحوا جثة هامدة‏,‏ وربما يكون
مصيرهم الانقراض مثل الهنود الحمر تحت وطأة المهاجرين والمستوطنين في
الأرض الجديدة‏,‏ ثم قرار السلام الذي استهدف إنهاء دوامة العنف والدمار
التي استنزفت وبددت أمن الشرق الأوسط واستقراره لأكثر من مائة عام في حروب
متعددة لم يتمكن فيها أي من أطراف الصراع كسر إرادة الطرف الآخر‏,‏ ليتأكد
الجميع أخيرا أنه لابديل عن سلام عادل ومتكافئ للصراع العربي ـ
الإسرائلي‏.‏

يأخذك متحف السادات علي صغر مساحته في جولة تاريخية
تتيح لأجيال مصر الجديدة‏,‏ كما قال بحق د‏.‏ إسماعيل سراج الدين‏,‏ فرصة
الاطلاع علي مسيرة بطل مصري عظيم أساء الكثيرون فهمه وتقديره‏,‏ وتعرض كما
تعرض سلفه جمال عبد الناصر لحملة تشهير ظالمة‏,‏ لكن المصريين مالبثوا أن
أعادوا لبطلهم الاعتبار‏,‏ لأنه أعاد سيناء لمصر من خلال حرب مجيدة ردت
الأرض والكرامة‏,‏ ولأنه شق لمصر طريقا جديدا لتحديث نظامها السياسي عندما
اختار التعددية الحزبية بدلا من الحزب الواحد‏,‏ ولأنه فك قيودا كثيرة
كانت تكبل القدرة المصرية عندما إنحاز إلي الانفتاح الاقتصادي الذي يعطي
للقطاع الخاص ومبادرات الأفراد فرصة الاسهام في عملية التنمية‏...,‏ ومثل
كل الرواد كان علي السادات أن يتحمل الآثار الجانبية العديدة لتغيرات
كيفية مهمة طرأت علي الحياة المصرية‏.‏

يأخذك المكان علي صغر
مساحته أيضا إلي عمق هذه الفترة الفريدة في التاريخ العربي‏,‏ التي هزم
فيها العرب في إحدي المرات النادرة نوازعهم الدائمة للخلاف لتشهد فترة
تضامن وتوحد نادرة‏,‏ جمعت العرب من المحيط إلي الخليج علي قلب رجل
واحد‏,‏ توهجت خلالها إرادة التحدي العربي‏,‏ وكان نصر أكتوبر العظيم‏,‏
لكننا لا نلبث أن نعود إلي الواقع الراهن بخلافاته وانقساماته‏,‏ لندرك كم
كان السادات عظيما لأنه أعاد سيناء من أسر احتلال بغيض‏,‏ كان يمكن أن
يطول إن ظل الموقف الصحيح رهينا بخلافات العرب الدائمة‏,‏ وعجزهم عن
الوفاق كما هو حالنا الراهن‏.‏

mmahasabo@yahoo.com