عـودة الحلم الأمريكي‏!‏ بقلم : د‏.‏ وجدي زيد

من طرف جواهر الخميس فبراير 19, 2009 10:30 am

عـودة الحلم الأمريكي‏!‏
بقلم : د‏.‏ وجدي زيد‏

يظل
السؤال‏:‏ كيف سمح المجتمع الأمريكي علي اختلاف فئاته وتناقضاتها الواضحة
والصريحة بان يتيح لشاب مثل باراك أوباما تجلت فيه وحوله كل هذه التناقضات
ان يصبح الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية؟‏!‏

أو بمعني اخر‏:‏ هل يمكن ان تحدث ظاهرة أوباما في دولة أخري مثل الصين أو حتي فرنسا؟‏!‏

الاجابة
السريعة علي ذلك يقدمها باراك أوباما نفسه في أكثر من مناسبة‏,‏ فمرة يقول
انه فقط في أمريكا يمكن أن يصبح شخص مثلي رئيسا للولايات المتحدة
الأمريكية ومرة أخري يصرح بأن قصته كانسان ليست سوي جزء من قصة المجتمع
الأمريكي ذاته‏,‏ وهذا المعني لم يفت علي المجتمع الأمريكي وإعلامه منذ
البداية‏,‏ فتم إلقاء الضوء الكثيف علي هذا التماثل لتثبيته في عقل
الأمريكيين وغير الأمريكيين في العالم‏.‏

لكن العالم يفوته دائما
ان يتذكر ان المجتمع الأمريكي ومع كل التقدم الذي حققه ويحققه‏,‏ مازال
يعيش ايام الفيضان الأولي التي تتلاطم فيها مياه النهر قبل ان يتشكل
المجري ويستقر‏,‏ وإحدي الحقائق التي ينساها الأمريكيون ـ ونحن ايضا ـ ان
عمر المجتمع الأمريكي علي الأرض الأمريكية لايزيد علي اربعة أو خمسة قرون
علي الأكثر‏.‏

وحياة أوباما نفسه في فترة الطفولة والمراهقة امتلأت
بالتناقضات التي عاشتها امريكا هي الأخري في الستينيات من القرن الماضي‏,‏
فوالده أسود من كينيا وجاء إلي أمريكا في بعثة دراسية ليتقابل مع أمريكية
بيضاء ويتزوجها ليأتي باراك لكن الاب والأم ينفصلان ويعود الأب ادراجه إلي
كينيا تاركا الأم والطفل باراك وهو لم يتعد الثانية من عمره‏,‏ وتتزوج
الأم مرة اخري من اجنبي اخر من اندونيسيا‏,‏ وتضطر الاسرة إلي الانتقال
إلي جاكرتا ليظل باراك هناك‏,‏ وحتي وصوله من العاشرة‏,‏ وبعدها انتقل إلي
هاواي الأمريكية ليعيش مع جدته لامه واقاربها‏.‏

هذه القلاقل في
طفولته كانت مصدرا اساسيا لمعاناته النفسية‏,‏ ويقول باراك نفسه ان أول
تناقض لاحظه وهو طفل كان لون ابيه الغارق في السواد امام لون امه ناصعة
البياض‏!‏ ويعترف بانه جاهد كثيرا وهو في هذا السن الصغيرة كي يتفهم هذا
التناقض وما صاحبه من تناقضات اجتماعية وثقافية اخري دفعته إلي تعاطي
الكحوليات والماريجوانا والكوكايين وحتي سن المراهقة‏,‏ ولقد ظن الصبي
وقتها ان هذا يمكن ان يساعده في إبعاد تلك الاسئلة المحيرة عن نفسه
واصوله‏,‏ لكنه استطاع بعد فترة قصيرة ان يخرج من هذه المحنة وهو أكثر
صلابة‏,‏ محولا هذا الفشل الاخلافي كما يصفه إلي احد عناصر ومكونات تميزه
ونجاحه في الصعود في المجتمع الأمريكي‏,‏ بل ان هذه القلاقل والتناقضات
اعطته القدرة علي التعامل مع الثقافات المختلفة واحترام خصوصيتها واصبحت
اسرته وتنوعها الثقافي اساس رؤيته المنفتحة القابلة لاستيعاب كل مظاهر
الاختلاف بين الثقافات‏!‏

وفي حياة أوباما هناك لحظات تكشف كثيرا
عن شخصيته‏,‏ ويكفي أن تذكر في هذه اللحظات الكاشفة والثرية بالدلالات
اثنتين فقط‏:‏ الأولي عندما قبلته جامعة هارفارد لدراسة القانون‏,‏ لكنه
يقرر قبل ان يستمر في الدراسة ان يذهب أولا إلي كينيا حتي يتعرف علي جذوره
ليعرف من هو؟‏!‏ فلقد ادرك وبذكاء فطري صادق انه لن يستطيع أن يحدد من هو
أوماذا يريد من حياته في أمريكا قبل ان يتعرف علي جذوره‏,‏ وفي كينيا
التقي عائلة والده‏,‏ وعرف عن مشروع والده ولماذا جاء إلي أمريكا وتزوج
امريكية ولماذا فشل المشروع الحلم فعاد إلي كينيا‏,‏ وفي كتابه الأول‏:‏
احلام من ابي يحكي باراك كيف ان زيارته لكينيا قبل مواصلة الدراسة في
هارفارد قد علمته الكثير ليس فقط عن نفسه وجذوره كأمريكي من اصل افريقي‏,‏
لكنها ساعدته أيضا في صناعة وتشكيل حلمه من أجل التغيير‏!‏

وتأتي
اللحظة الأخري عندما يدخل باراك في سباق انتخابات الكونجرس امام مرشح اسود
اخري اكثر شعبية من باراك‏,‏ ويحقق باراك مع ذلك تقدما سريعا ويقترب كثيرا
من منافسه لكن يحدث ان تمرض طفلة باراك الصغري فجأة‏,‏ فيترك باراك
الانتخابات ويذهب ليظل بجوار طفلته حتي تشفي‏,‏ وبرغم كل الآراء التي قيلت
حول ذلك واستخدامها من قبل منافسه للتقليل من صلابة طموحه‏,‏ فلقد اظهرت
هذه اللحظة ان باراك يختار الاخلاق والانتماء قبل الطموح والنجاح‏!‏

وقليل من الساسة يفعلون ذلك‏!‏
ولقد
تعرض باراك في مسيرته لعقبات ومصاعب وشكوك كثيرة‏,‏ هناك من أثار الشكوك
حتي حول ديانته ولون بشرته‏,‏ لكنه استطاع في النهاية ان يجلس في البيت
الابيض كأول رئيس اسود للولايات المتحدة الأمريكية‏!‏

ولقد نجح الشعب الأمريكي في الخروج بهذا الحلم الشاب‏,‏ فهل ينجح الاثنان معا في صناعة التغيير المطلوب الآن في أمريكا والعالم ؟‏!‏

‏wagdy.zied@gmail.com