المشى فوق الاشواك بقلم: محسن محمد

المشى فوق الاشواك
بقلم: محسن محمد
الحساب أمام الشعب!

أرادوا في لندن محاسبة ومحاكمة رؤساء ومديري البنوك الأربعة الذين قامت الدولة بدفع 58 بليون دولار حتي تنتعش.


وجدت الحكومة البريطانية أن القاسم المشترك في هذه البنوك أنها أقرضت
أكثر من إمكانياتها وأن الديون المعدومة بسبب عجز المقترضين عن السداد
تفوق إمكانيات البنك فتدخلت الدولة ودفعت الديون وأممت البنوك الأربعة.

وبقي السؤال عن حساب المديرين.


إن المساهمين لم يقدموا أية شكوي ضدهم والجمعيات العمومية للبنوك لم
تجتمع ولم تطلب محاسبة أحد. ومن هنا فالحكومة لا سلطة لها علي البنوك
لأنها قطاع خاص ويملكها المساهمون.

أخيراً وجدوا الحل


لا محاكمة لأحد ولكن لابد أن يقدموا اعتذاراً للشعب البريطاني الذي دفع هذه البلايين من موارده.


قرر مجلس العموم البرلمان تشكيل لجنة من 14 عضواً يمثلون الأحزاب الثلاثة المشاركة في مجلس العموم.


وطلب إلي المديرين الأربعة أن يمثلوا أمام اللجنة وأن يجيبوا عن أسئلتها.


وكان أهم سؤال متي بدأ خطأ المديرين وكيف وصل حكم الديون إلي الحد الخطير.


وفي نهاية التحقيق اعتذر المديرون للشعب البريطاني.


***


استراحوا في أمريكا علي هذا الحل وطبقه الكونجرس مع ثمانية من مديري البنوك ورؤسائها دفعت الدولة لهم 145 بليون دولار.


وانتهي الأمر باعتذار المديرين الثمانية.


والسؤال هو:


- هل يكفي هذا الاعتذار؟


قال رجال القانون:


- ليس أمامنا حل آخر. ولعل مديري البنوك الجدد يتعلمون مما قاله السابقون وينتصحون.


ومن ناحية أخري فالشعب في بريطانيا وأمريكا عرف أسماء "الجناة" الذين صنعوا الأزمة المالية العالمية.


ويكفي أن هؤلاء جبابرة المال جلسوا أمام الشعبين يطلبون العفو والسماح.


***


الآن في مصر


المسئول عن أزمة القطاع العام وخسائره الضخمة هم رؤساء ومديرو الشركات.


وهؤلاء لم يحاسبهم أحد. واكتفت الدولة بتسريحهم بعد ذلك. وأقالتهم أو
قبلت استقالتهم وصار بعضهم من رجال الأعمال بفضل ما حصلوا عليه من أموال
بطرق مختلفة وضاع الباقون في زحام الحياة في مصر.

ولو أن الدولة التي عينت هؤلاء المديرين جاءت بهم إلي مجلس الشعب
ليحاسبوا لكان توقف نزيف الأموال في مصر ولما اضطررنا إلي بيع وخصخصة
شركات كان يمكن أن تساهم في التنمية.

إن هؤلاء المديرين لم يحاكموا أبداً والرقابة الإدارية ونيابة
الأموال العامة لم تمسك بهم فلا توجد جريمة اختلاس أموال بالنسبة لهم..
وكل ما في الأمر أنهم أخطأوا في إدارة الأموال العامة. وكان لابد أن
يخطئوا لأن أغلبهم غير مختص. وغير كفء بل هو من أهل الثقة فحسب.

ولو أننا طلبنا من الوزارة المختصة بالقطاع العام وتلك المختصة ببيع
القطاع العام أن تقدم لمجلس الشعب تقريراً عن كل شركة خسرت أموالاً لقيل
لنا:

- ستفتحون ملفات قديمة. ونحن مشغولون بالمستقبل.


ولكن يمكن من الآن محاسبة كل رئيس شركة قطاع عام. أو كل مؤسسة حكومية
تخسر أموال الشعب وبنفس طريقة بريطانيا وأمريكا بأن يمثلوا أمام لجنة
برلمانية تحاسبهم دون محاكمتهم.

ونحن لا نحاسب أحداً.


والمفروض أن يمتد الحساب ليشمل كل شركة قطاع عام بيعت ومتابعة ما جري
لها فإذا ازدهرت ونجحت وراج عملها وتحولت الخسارة إلي المكسب فيجب أن نعرف
كيف بيعت وبأي ثمن وأيضاً كيف صارت ناجحة ورائجة.

إن عملية خصخصة القطاع العام روقبت من قبل لجان حكومية وجهاز المحاسبات.


وإن كانت هذه الأجهزة تمثل الشعب إلا أنها حكومية ولابد أن نشرك ممثلي الشعب في الرقابة.


قد يكون الرد:


- تقارير جهاز المحاسبات تقدم لمجلس الشعب.


ولكن هناك فرق فنحن بين أوراق يطالعها البعض وقد لا يطالعها كثيرون ومثول "المتهمين" أمام أعضاء مجلس الشعب.


سيقال:


- ولكن مجلس الشعب وأغلبيته من الحكومة وسيقول كل شيء "تمام" ولكن في المجلس آخرون يريدون الوصول إلي متهمين عن تبديد أموال مصر.


ومن ناحية أخري ففي أوقات الأزمات والمحن يكون دور الحكومة أكبر.


رغم أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا بدأت عمليات التأميم. ولم يعد أحد يشتري شركة حكومية. بل أصبح تدخل الدولة مباشراً.


ومن هنا فهل هناك تفكير في إنشاء شركات حكومية تحل محل شركات بعناها وازدهرت؟؟


إن الحكومة في حاجة إلي ألا تفكر في ذلك وتنسي الخصخصة.. مؤقتاً.


فؤائد البنوك


قرر بنك إنجلترا تخفيض الفائدة إلي واحد في المائة فقط.


وفي الطريق قرار جديد للبنك الأوروبي بخفض الفائدة إلي 1.5 في المائة.


وهذا البنك يلزم 16 دولة أوروبية بقراراته بالنسبة لسعر الفائدة أو غيرها.


هنا في مصر


بعد حملات صحفية وشعبية وجدل طويل خفض البنك المركزي الفائدة بنسبة واحد في المائة ولكنها بقيت 11 في المائة أو ما يقرب من ذلك.


وقد هللنا لقرار البنك المركزي بتخفيض 1 في المائة.


وجهة نظر البنك أنه يجب أن يكافح التضخم ويحتفظ بسعر الفائدة عالياً.


تري هل مازال البنك يؤمن بهذه القاعدة في الوقت الذي يجب أن تقدم فيه
البنوك مزيداً من القروض لتحقيق الرواج خاصة وأن المسئولين يعلنون دواماً
عن الزيادة المتوقعة في نسبة العاطلين فلا توجد مشروعات لتشغيلهم.

حوافز بإسراف


وضع الرئيس الأمريكي أوباما حداً أقصي لمرتبات رؤساء البنوك والشركات
التي دعمتها الحكومة الأمريكية بالأموال التي وافق عليها الكونجرس.

قال: لا يجب أن نمنح حوافز ومكافآت للفاشلين.


وقال أيضا:


- مادمت تأخذ أموال الدولة فلا تنفقها بغير حساب.


والمطلوب نظرة في مصر إلي أموال ضخمة. ومكافآت اسطورية لبعض الموظفين بدعوي أنها مكافآت وحوافز..إلخ.


وكثير من الموظفين ينظرون إلي هذا البذخ وإلي الإسراف في المكافآت والحوافز وصرفها لقلة وحرمان باقي الموظفين.


هل يستطيع رئيس وزراء مصر أن يخصص بعض وقته أو جانباً من ساعات عمل مساعديه لهذه المسألة.


بمناسبة مرور ثلاثين عاماً علي ثورة الإمام الخميني في طهران والتي
أدت إلي سقوط شاه إيران وهروبه من البلاد وقيام الثورة الإسلامية قررت
الحكومة البريطانية الإفراج عن التقارير السرية التي كان يبعث بها السفير
البريطاني من طهران في تلك الأيام.

السفير هو السير/ انتوني بارسونز. وهو من أكفأ الدبلوماسيين
البريطانيين وقد تولي بعد ذلك منصب الوكيل الدائم لوزارة الخارجية
البريطانية.

بين الوثائق والبرقيات التي بعثت بها وزارة الخارجية في لندن إلي السفير في طهران في ربيع عام .1978


وكان مقرراً أن تزور زعيمة المعارضة البريطانية السفيرة مرجريت تاتشر طهران.


ولذلك كتبت الوزارة إلي السفير ليستعد لمقابلة السيدة تاتشر وتحقيق كل ما تطلبه.


طلبت السيدة تاتشر أن يختار لها السفير أفضل "كوافير" - حلاق في طهران
لديه الأجهزة التي تجعل تاتشر تحتفظ بتصميم شعرها الذي أصبح ماركة مسجلة.

وقالت الوزارة:


- هذه من المسائل الأولي التي يجب أن توجه إليها اهتمامك.


وشغل السفير بكوافير تاتشر عن كل ما عداه وبالذات الثورة الإسلامية التي كانت مشتعلة في إيران.


والسفير كان صديقاً لشاه إيران ولذلك ظل يؤكد لحكومته أن الشاه قوي وأنه سيظل يحكم.


ومن هنا ضاعت علي بريطانيا 600 مليون جنيه استرليني استثمرتها في
إيران.. ولم تهتم الحكومة البريطانية بهذه الملايين بعد أن طمأنها السفير
علي أن انقلاباً لن يحدث في إيران.

واكتسحت الثورة الإسلامية إيران في أوائل عام .1979


بينما كانت بريطانيا مطمئنة إلي تقارير سفيرها الذي يؤكد أن الثورة لن تنجح والشاه باق علي عرشه.


وعندما لا يفطن السفير إلي ما يجري في البلاد ويثق بقدرة صديقه الحاكم فإن هذه هي الكارثة.


هذا ما يفعله المسلمون بعلمائهم


قال برويز مشرف حاكم باكستان للمهندس الباكستاني الكبير عبدالقدير خان الذي صنع القنبلة النووية لبلاده:


- هناك اتهامات كثيرة علي باكستان بأنها باعت تكنولوجيا الأسلحة
النووية إلي دول مثل كوريا الشمالية وليبيا وإيران. وسيفرض الغرب علينا
عقوبات اقتصادية. وأريدك أن تتحمل وحدك المسئولية عن هذا التسريب أو البيع
لتفدي بلادك.

ولم يكن في استطاعة عبدالقدير خان أن يرفض.


وعلي الفور أعلن في التليفزيون أنه يتحمل شخصياً كل ما ينسب إلي
باكستان من اتهامات بيع الأسلحة النووية وأنه فعل ذلك للحصول علي أرباح
مادية طائلة.

كان ذلك عام .2004


وأصدر مشرف عفواً عن خان ولكنه وضعه تحت الإقامة الجبرية تحت الحراسة المشددة.


وقال برويز مشرف لخان:


- سأعفو عنك بعد فترة.. وستمارس حياتك العادية.


ولكن ما حدث هو أن خان بقي قيد الإقامة في منزله كل هذه السنين وأقيل من كل مناصبه.


وفي الأسبوع الماضي فقط وبعد خمس سنوات أعلنت المحكمة العليا في إسلام أباد الإفراج عن خان.


وقال خان بعد الإفراج عنه:


- إني فخور بما فعلت لبلدي.


ولكن


انظر إلي ما تفعله الدول الإسلامية بعلمائها!