مصر .. الزعامة الإقليمية التي أحلم بها "2" أفكار حول سياستنا الخارجية بقلم : محمد أبو الحديد

من طرف جواهر الخميس فبراير 19, 2009 10:42 am

آخر الاسبوع
بقلم : محمد أبو الحديد
E- mail: abuelhaded@eltahrir.net
مصر .. الزعامة الإقليمية التي أحلم بها "2"
أفكار حول سياستنا الخارجية

مصر .. الزعامة الإقليمية التي أحلم بها "2" أفكار حول سياستنا الخارجية بقلم : محمد أبو الحديد HOR4

كتبت في الأسبوع الماضي عن "مصر.. الزعامة الإقليمية التي أحلم بها".
وطرحت عدة أسئلة رأيت أنها مشروعة. في محاولة للتفكير بصوت عال حول كل
مايتعلق بتعزيز زعامة مصر لمحيطها واقليمها من متطلبات.

وكنت حريصا في القضايا الست التي تناولتها بهذه الأسئلة. أن أطرح
البدائل. وأن أقدم الأمثلة. في حدود ما أملك من رؤية. وما أقدر عليه من
اجتهاد.

واختتمت المقال يومها بالقول. إنه إذا اتفقنا علي ذلك.. أي علي ما
يصل إليه الحوار حول هذه القضايا من نتائج. فإن السؤال بعده هو: كيف
يتحقق؟

وأبدأ اليوم من هذه النقطة وأقول:

* إنني أحلم باجماع وطني عام حول سياسة خارجية نشطة. تعزز زعامة مصر
الاقليمية. وتصون مصالحها العليا. في محيطها وعلي الساحة العالمية. قولا
وعملا.

نختلف فيما بيننا كما نشاء ان نختلف.. نتحاور كلما أتيحت لنا فرصة أو
قضية للتحاور. لكن دون أن يغيب عنا في أي لحظة. أن مصر. ومصر فقط. هي
الهدف الذي يجب ان نلتف جميعا حوله. وأن نحميه بأرواحنا ودمائنا إن اقتضي
الأمر. أو تعرض للخطر.

ومازلت كصحفي صاحب قلم ورأي. أشعر بالعار كلما تذكرت ماتعرضنا له في
أحداث غزة. فلم ينجح "العدو" فقط في أن يشن علينا حربا إعلامية شرسة
وضارية.. بل نجح أيضا في أن ينقل هذه الحرب إلي داخلنا. وفيما بيننا.

ففي الوقت الذي كان العالم كله يقدر مواقف مصر. ويساند جهودها للتوصل
الي وقف لإطلاق النار في غزة. كانت هناك اصوات وأقلام تسفّه هذه المواقف.
وتشكك في هذه الجهود. وتسيء إلي بلدها بأكثر مما يسيء إليه ألد الأعداء.

كنا ننجح في الخارج.. وننهزم في الداخل.. كانت مصر "الخارجية" تتحدث
للعالم بصوت واحد.. قوي ومحترم.. وكانت مصر "الداخلية". أو كما شاء لها
البعض. تكاد ترقص علي أنغام الانقسام الفلسطيني. والانشطار الاقليمي.

إحساسي بالعار مزدوج.. أولا. لأن قرون الاستشعار الخارجية. سواء
السياسية أو الإعلامية معطلة. فلم تنجح في التنبؤ بالعاصفة أو توقع
المؤامرة التي تستهدف مصر قبل وقوعها.. وثانيا لأننا لم ننجح أيضا في
الدفاع عن مصر كما يجب علي المستوي الاعلامي مما ألقي بعبء مضاعف علي
الرئيس مبارك شخصيا وعلي الحزب الوطني ووزارة الخارجية.

تجربة أتمني ألا تتكرر.. وهي لن تتكرر إلا حين يتحقق الاجماع الوطني العام الذي أتحدث عن ضرورته.

***

* إنني أحلم. عند تحقيق هذا الاجماع الوطني العام.. بمشاركة مجتمعية
في تنفيذ سياسة مصر الخارجية. وتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية.

إن "تنفيذ" السياسة الخارجية في أي دولة. أمر منوط بوزارة الخارجية
وحدها. علي الأقل في الجانب الرسمي الدبلوماسي. لكن مشاركة مجتمعية شاملة
يمكن ان تعزز من دور وزارة الخارجية. وتمهد لها طرقا قد لايكون من الملائم
للدبلوماسية الرسمية أن تتعامل فيها أو معها.

ونحن قوة إقليمية كبري. لها مصالح في محيطها.. ولها مصالح علي امتداد
الساحة العالمية. وتحتاج لدعم هذه المصالح وحمايتها وتعظيمها إلي كل جهد
وطني قادر علي أداء دور. في حدود ماترسمه أجهزة الدولة الرسمية المعنية.

في أمريكا. وهذا مجرد نموذج.. لا يوجد قطاع مهم في المجتمع. لا تقوم
الإدارة الأمريكية بتوظيفه في الخارج. لخدمة مصالح أمريكا وأمنها الكوني.

إدارة الرئيس أوباما "الديمقراطية" تستعين بخبرات من الحزب الجمهوري المعارض في دعم وتنفيذ سياستها الخارجية.

رؤساء أمريكا السابقون.. كارتر بوش الأب كلينتون. يتم استثمار علاقاتهم الدولية الواسعة. في بعثات خارجية لخدمة نفس الأهداف.

رؤساء لجان الكونجرس المعنية بالشئون الخارجية. مثل لجان العلاقات
الخارجية.. والدفاع.. والتسليح.. والاعتمادات وغيرها. يجوبون دول العالم
شرقاً وغرباً. في مهام تبدأ من جمع المعلومات. وابلاغ رسائل. وتنتهي
باقتراح حلول للمشاكل.

مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية والدفاعية
والاقتصادية. ومنظمات المجتمع المدني وعلي رأسها المجلس الأمريكي للعلاقات
الخارجية وجمعيات رجال الأعمال وجمعيات الصداقة بين أمريكا وكل دولة علي
حدة. وجماعات الضغط أو المصالح المختلفة.

رؤساء الشركات الكبري. والسفراء السابقون. وأساتذة الجامعات وبعض
الصحفيين والإعلاميين الذين لهم علاقات وثيقة بدول أجنبية أو منظمات في
هذه الدول. يتم ايفادهم أحياناً في مهام بالغة الأهمية. تتعلق بمصالح
أمريكا في أي دولة أو منطقة في العالم. وبعض هذه المهام سرية. وبعضها
علني. وقد يكون بعضهم يمثل أجهزة ووكالات مخابراتية أمريكية.

* * *

ونحن في مصر. لدينا معظم هذه الأدوات.. لدينا الأحزاب السياسية
المختلفة ورؤساؤها.. لدينا لجان الشئون العربية والخارجية والدفاع والأمن
القومي في مجلسي الشعب والشوري لدينا مراكز البحوث والدراسات السياسية
والاستراتيجية والدفاعية والاقتصادية.. لدينا منظمات المجتمع المدني..
المجلس المصري للشئون الخارجية.. والمجلس المصري للشئون الافريقية..
والمجلس القومي لحقوق الإنسان. ومنظمات رجال الأعمال. وجمعيات الصداقة
المصرية مع معظم دول العالم.. إلي آخره.

ولدينا رؤساء شركات مشاهير في العالم كله مثل نجيب ساويرس.. وسفراء
سابقون علي أعلي مستوي من الخبرة الخارجية. وأساتذة جامعات بارزون وغيرهم.

وقد يكون بعض هؤلاء. يتم تكليفهم أحياناً ببعض المهام التي تتعلق
بأمن مصر القومي ومصالحها الخارجية. لكن مبلغ علمي أن هذا يتم في نطاق
محدود للغاية لسببين:

الأول الاعتماد في 95% تقريباً من سياستنا الخارجية ومايتعلق بها من مهام. علي الأدوات الرسمية الحكومية وحدها.

الثاني أنه بسبب ذلك. لا توجد استراتيجية واضحة لكيفية استثمار كل هذه
القدرات غير الحكومية في دعم السياسة الخارجية. وتدريب كوادر قادرة علي
خلق "قنوات جانبية" للاتصال بمختلف القوي والمنظمات الخارجية في الدول
الأخري لجمع معلومات من هنا. أو تسهيل مهمة هناك.. أو حل مشكلة.. أو
التنبؤ باتجاهات أو أحداث خارجية تتعلق بمصر أو تمس مصالحها. سلباً أو
إيجاباً. واقتراح كيفية التعامل معها.

ولأننا نقول للناس دائماً. فيما يتعلق بالاقتصاد. إنتاجاً أو خدمات.
إنه لا يجب تحميل الحكومة وحدها بكل شيء.. وإلقاء كل الأعباء عليها. فإنني
أعتقد أننا مطالبون بذلك أيضا في السياسة الخارجية. سواء علي مستوي رسم
السياسة.. أو صناعة القرار.. أو مراحل التنفيذ التمهيدية علي الأقل.

لا أدعو بذلك إلي "خصخصة السياسة الخارجية".. بل أدعو إلي ما أسميته
بالتحديد: "مشاركة مجتمعية شاملة" في هذه السياسة. صناعة وتنفيذاً.

وهذا يحتاج إدارة قادرة علي تحديد المهام والتكليفات.. ما لابد أن
يتم منها بالطرق الدبلوماسية الرسمية.. وما يمكن الاستعانة فيه بالأدوات
غير الرسمية.. وأن تكون قادرة أيضا علي "نثر" كل الخيوط علي امتداد
المنطقة والعالم حيث توجد مصلحة لمصر. والتنسيق بين هذه الخطوط في
سيمفونية متكاملة. ثم إعادة تجميعها بما حققته من حصيلة. وصب ذلك كله في
مصلحة مصر العليا وزعامتها الإقليمية.

***

إن المبدأ الحاكم في السياسة الخارجية. والذي يعتبره الجميع في العالم
كله بمثابة "القاعدة الذهبية". هو الذي يقول: لا توجد صداقات دائمة.. أو
عداوات دائمة.. لكن توجد "مصالح دائمة".

ووفقاً لهذا المبدأ. فإن أعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء اليوم.. وحلفاء اليوم. قد ينقلبون إلي أعداء الغد.. والعكس صحيح.

يجب أن تكون لدينا قنوات غير حكومية مع الدول الشقيقة والصديقة. تعمل
تحت مظلة مصر ومصالحها القومية العليا. وتعزز جهد الدبلوماسية الرسمية
وتفتح لها الطرق المغلقة.

ولو كان لدينا مثل هذه القنوات. لما احتجنا مثلاً إلي أن نلقي بعبء
حل مشاكل بعض المصريين العاملين في دول عربية مثل السعودية أو ليبيا أو
الأردن أو غيرها علي وزارتي الخارجية والقوي العاملة وحدهما.

ولو كان لدينا مثل هذه القنوات. أو خططنا لذلك. ما تركنا دولة شقيقة
وعزيزة علينا مثل سوريا. تبتعد عنا.. ولساهمت هذه القنوات.. برلمانية أو
شعبية أو غيرهما. في "تلطيف" الأجواء. وتعبيد الطرق. بما يزيل أي حرج عن
القيادتين السياسيتين في مصر وسوريا ويمهد للقاء يعيد العلاقات إلي
طبيعتها.

***

بل إنني أحلم بما هو أكثر.. فلا يوجد في السياسة لونان فقط.. أبيض وأسود.. بل إن العلاقات السياسية تتسع لجميع الألوان والأطياف.

ولذلك لا أومن بفكرة القطيعة الكاملة مع من يسيئون لمصر بصورة أو
بأخري.. بل لابد من إعداد وفتح قنوات تتيح لنا تقديم صورتنا الصحيحة لهم.
وخلق مصالح لهم معنا تغريهم بتعديل مواقفهم المضادة لنا.

لابد أن تكون لدينا منظمات أو أدوات غير حكومية. نستطيع استثمارها -
تحت مظلة الاستراتيجية السياسية لمصر ومصالحها العليا - في التعامل مع حزب
الله. ومع الفصائل الفلسطينية المختلفة.. ومع الطوائف العراقية من شيعة
وسنة وأكراد. ومع الفصائل السودانية المتصارعة في دارفور.. ومع أجهزة
صناعة القرار السياسي في الدول التي تنافسنا اقليميا مثل إيران وتركيا ولو
للاحتفاظ ب "شعرة معاوية" مع هذه الدول لجلب منفعة أو درء خطر.

***

انني لا أكاد أعرف مثلا.. من الذي يمسك بالملف العراقي في مصر.. وأين
مصر من المستجدات علي الساحة العراقية بعد قرار الإدارة الأمريكية
بالانسحاب التدريجي من العراق. وبعد إجراء الانتخابات المحلية في خمس
محافظات.

انني أري دولا كبري تسارع إلي العراق لعرض خدماتها.. فرنسا تعرض
صفقات سلاح لتسليح الجيش العراقي.. ألمانيا ترسل وزير خارجيتها لاستطلاع
احتياجات العراق في مجالات معينة مثل إعادة الإعمار أو تدريب الشرطة
العراقية وغيرها.. الكل يتسابق لتعزيز نفوذه في هذه الدولة التي تبدأ
مرحلة جديدة من تاريخها.

فأين الدولة العربية الكبري مصر التي تحملت مع الشعب العراقي ذات يوم
صراعه لصد النفوذ الإيراني في حرب السنوات العشر التي اندلعت بين
البلدين؟!

ثم.. أين دورنا في استعادة النصف شبه المبتعد عن قضايا المشرق
العربي. وأقصد به دول الشمال الافريقي أو دول الاتحاد المغاربي الذي يضم
ليبيا وتونس والجزائر والمغرب موريتانيا.

أين دورنا في تنشيط هذا الجزء البالغ الأهمية من العالم العربي.
والربط بينه وبين بقية الدول العربية. باعتبارنا الجسر الذي يصل المشرق
بالمغرب؟!

***

أصل إلي ختام هذه السلسلة من المقالات عن أحداث غزة وتوابعها. لأقول
إنه مثلما كانت أسئلتي في مقال الأسبوع الماضي "مشروعة" ومحاولة للتفكير
بصوت عال. فإن "أحلامي" في مقال اليوم مشروعة أيضا. ومحاولة لاثارة حوار
مجتمعي نحتاجه بشدة لتوحيد الصف المصري حول سياسة خارجية أكثر قوة
واتساعا.. وتوحيد الصف العربي حول أهداف الأمة العربية في السلام
والتنمية. وبما يحقق الهدف المشروع للفلسطينيين في دولة مستقلة لهم تنتهي
بها صراعات الشرق الأوسط.

وزير التعليم.. شكراً

** أنا مدين بشكر خاص للأستاذ الدكتور يسري الجمل وزير
التربية والتعليم. الذي استجاب علي الفور. وبروح المسئولية العالية. لما
نشرته الأسبوع الماضي في هذا المكان حول ما يجري في مدرسة "عادل عبيدو"
ببلدة "وردان" محافظة 6 أكتوبر.

لقد تفضل مشكوراً بتشكيل لجنة علي مستوي عال. قامت علي مدي ثلاثة
أيام متوالية - الأحد - الاثنين - الثلاثاء. بزيارات ميدانية للمدرسة.
وتحققت من صحة كل ما تضمنته الشكوي من وقائع. وبالمستندات.. وكان أداء
اللجنة يستحق كل التقدير. لأنها أعادت الحقوق لأصحابها. وفصلت في كل
القضايا المعلقة داخل المدرسة. وسجلت رسمياً وكتابة. القواعد التي تنظم
اختصاصات ومسئوليات كل الأطراف.

ولأن الغاية من النشر كانت إقرار الحق. وليس التشهير بأفراد. فلقد
أصابت اللجنة الهدف. وبقيت مسئولية كل الأطراف في الالتزام بما تم وضعه من
حلول وتنفيذها. كل في اختصاصه.

أما إدارة منشأة القناطر التعليمية. خاصة في عهدها السابق. فهي ملف مفتوح قد أعود إليه يوماً إذا جد جديد.. فعندي عنها الكثير.