الولاء والمهنية.. في الصحافة القومية بقلم: خالد إمام

..وماذا بعد؟!
الولاء والمهنية.. في الصحافة القومية
بقلم: خالد إمام
E-mail:khaled@almessa.net.eg

ما تتعرض له الصحف القومية ويدبر لها في الخفاء والعلن.. أمر يحتاج إلي وقفة متأنية وإجراءات تجعل الميزان يعتدل من جديد.


هناك هجمة شرسة من معظم الصحف الخاصة علي الصحف القومية لتفريغها من
الكوادر والكفاءات.. في مؤامرة مكشوفة وواضحة المعالم والأهداف ذات
جناحين.. الصحفي والاعلانات.

***


تلك الصحف تستخدم في مؤامرتها سلاح "المال" السايب الذي لا يعرف أحد
مصدره الحقيقي.. إن كان معونات عابرة للقارات في إطار البرنامج الأمريكي
المزعوم لدعم الديمقراطية. أو هبات إخوانية أو إيرانية. أو عطايا قطرية..
بالضبط مثلما كان يفعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

تغري الكفاءات بالصحف القومية وتعرض عليهم مرتبات ضخمة جدًا يسيل لها
اللعاب.. وبطبيعة الحال فإن "الصحفي" - مثله مثل كل البشر في هذا الوطن -
يعاني من الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة والتي أثرت علينا بشكل أو
بآخر. وله طموحات وحقوق في الحياة بأن يملك شقة مجهزة وسيارة ورصيدا
متواضعا يعينه علي نوائب الزمن.. فيقبل المرتب المغري والذي يكون غالبًا
عشرة أضعاف ما يتقاضاه في جريدته الأم.

ونظرًا لثقل العمل في الجريدة الخاصة والذي يعطيها الصحفي القومي
الذي يعمل فيها كل وقته.. يقل جهده تدريجيًا في جريدته وإذا أخطأ ودخلها
فإنه ينام علي كرسيه من التعب.. وشيئًا فشيئًا تنتهي صلته بها إلا من مرتب
يتقاضاه شهريًا دون أن يقدم لها عملاً!

ليس هذا فحسب.. بل إن هذه الصحف الخاصة - وهي محددة العدد معروفة
التوجه وبطريقة "حسنة وأنا سيدك" تستخدم الصحفي القومي في محاربة الصحف
القومية والتطاول عليها وعلي العاملين بها مما يفقد معه ولاءه وانتماءه
وشرفه المهني.

للأسف.. فإن ما يتعرض له هؤلاء الصحفيون المغيبون تمامًا عن الكارثة
التي تنتظرهم.. إنما هو نوع من "القهر بالفلوس".. استغلال حاجة الناس
للمال لتنفيذ المخطط الوضيع لضرب الصحف القومية.

***


الجناح الثاني للمؤامرة يتمثل في الاستحواذ علي إعلانات الحكومة للأسف الشديد رغم أن الأولي بها الصحف القومية.


بالطبع.. فإن الحكومة لا تفضل الصحف الخاصة لأنها الأفضل صحفيًا أو
الأكثر توزيعًا.. فهذه فرية وأسطوانة مشروخة يرددها عدد كبير من أصحاب تلك
الصحف كنوع من الدعاية وتساعدهم فيها الحكومة.

الصحيح هو أن تلك الصحف فعلاً هي البريمو ولكن في الإسفاف والهبوط
والتدني والتطاول والهجوم علي الدولة لصالح قوي إقليمية والخوض في الأعراض
وفي الأمور الشخصية للبشر.. وهي الأدوات التي تجيدها وتبرع في استخدامها
وتهدد بها وزراء ومحافظين ورؤساء شركات وغيرهم مما يضطرهم إلي سد ماسورة
الشتائم المفتوحة بالإعلانات كنوع من الرشوة.

ما يحدث يمكن أن نطلق عليه "الجريمة الكاملة" لمحاولة اغتيال الصحف
القومية.. مرتكبوها محددون وهم بعض أصحاب الصحف الخاصة ومسئولون بالحكومة
أو الحكومة نفسها والتي تريد هي الأخري إما خصخصتها أو تحويلها إلي حكومية
قلبًا وقالبًا. لحمًا ودمًا وعظامًا.. أما الصحفيون القوميون فإنهم مجرد
أداة لتنفيذ بندي المؤامرة.

***


المجلس الأعلي للصحافة أصدر القرار 13 والذي نص علي ضرورة تفرغ رؤساء
ومديري تحرير الصحف الخاصة.. كما أن بعض المؤسسات القومية أعطت لصحفييها
حرية الاختيار بين قصر العمل في صحفهم فقط أو الحصول علي اجازة للعمل في
الصحف الخاصة.. ومع ذلك فإن البعض يعتبر هذا الإجراء به غبن للمؤسسة
القومية أو الصحفي بها.

مبررهم أن الصحفي القومي إذا عاد لمؤسسته فإنه يظلم نفسه لتفريطه في
أجر ضخم رتب عليه حياته. وإذا حصل علي اجازة وتفرغ للعمل في الصحيفة
الخاصة فإن الظلم يقع علي مؤسسته التي دربته وصقلته وجعلته صحفيًا جيدًا.

وبعيدًا عن لغة العواطف.. فإن الحقيقة تختلف كليًا وجزئيًا.. المسألة
من وجهة نظري تنحصر في شيئين لا ثالث لهما.. هما: الولاء والمهنية.

ليس معقولاً أن يكون للصحفي أكثر من "ولاء".. في الصباح قومي. وبعد الظهر ليبرالي. وفي المساء ناصري علي سلفي مثلاً.


الولاء كل لا يتجزأ.. ولا حتي مقابل أموال الدنيا كلها.


نفس الشيء بالنسبة للمهنية.. إذ بأي وجه سيعرض الصحفي وجهة نظره.. هل ستكون قومية أم ليبرالية أم ناصرية وسلفية؟


إن أمثال هؤلاء الصحفيين القوميين الذين رضوا علي أنفسهم أن يعملوا في
بعض الصحف الخاصة الملونة قد فقدوا ولاءهم وضيعوا مهنيتهم وألقوا بها في
قاع المحيط.

في رأيي.. من يرد أن يعمل في أي صحيفة خاصة فليعمل ولكن لابد أن
يتفرغ لذلك ولا يقبض راتبًا من مؤسسته.. وبالتالي ستتوفر للمؤسسات القومية
الأموال اللازمة التي تمكنها من الاستعانة بمحررين صغار تدربهم وتصقلهم
وتعتمد عليهم كما فعلت مع غيرهم.

وفي نفس الوقت لابد أن تكون هناك حوافز مادية وأدبية لمن فضلوا العمل
في صحفهم ورفعوا راية الولاء لها فقط وحافظوا علي مهنيتهم من الانشطار..
والضياع.

***


يبقي أمران مهمان:


* الأول.. ان الصحف الخاصة "الملونة" تتشدق بأن بها صحافة
متميزةولديها حرية رأي وتعبيروتدعي ان الصحف القومية فاشلةودون المستوي
وتفتقر لكل هذه المقومات ولا تملك صحفيين جيدين وإنها في طريقها للزوال..
لذا فإنني أسألهم سؤالاً محددًا هو: وبأي أدوات تعملون أنتم؟ هل لديكم
كوادر خاصة بكم؟ ألا تعتمدون علي الصحفيين القوميين بهدف تفريغ مؤسساتهم
منهم؟ ألم تكن الصحف القومية هي خط الدفاع الإعلامي الوحيد أمام الهجمة
الشرسة علي مصر منكم ومن القوي الاقليمية ووسائل إعلامها خلال العدوان
الإسرائيلي علي غزة؟.. أم ان كلامكم هذا ليس إلا تصفية حسابات لتلك
المواقف التي نشرف بها وتتسق مع مبادئناوولائناوشرف المهنة؟

* الثاني.. ما سر هذا الاهتمام غير العادي من الصحف الخاصة "الملونة" تحديدًا بالتغييرات الصحفية؟


لقد أصبحت هذه التغييرات مادة شبه يومية في هذه الصحف.. وكل جريدة
تؤكد خروج هذا ودخول ذاك بل وتنشر تشكيلاً علي هواها من وحي الشيطان!

لذا.. فإنني اسأل أصحاب تلك الصحف سؤالاً بريئًا جدًا: ما لكم ومال
التغييرات بالصحف القومية؟.. ما هي المنفعة التي ستعود عليكم أو الضرر
الذي سيصيبكم إذا استمر هذا أو خرج ذاك أو دخل غيره؟.

الذي أعرفه.. إن التغييرات شيء لا يخصكم إلا بعد صدورها فتصبح
خبراً.. بالضبط مثلما لا يهمنا في الصحف القومية من يتولي رئاسة تحرير هذه
الصحيفة الخاصة أو من يتركها.

***


إن قضية الصحفيين القوميين الذين يعملون في صحف خاصة من أهم القضايا.. ومن الخطأ الجسيم السكوت عليها أو التباطؤ في حلها.


القضية تستفحل وتتسرطن يومًا بعد آخر.. ومن المصلحة العامة أن تجد حلاً اليوم.. قبل الغد.